01 نوفمبر 2024
السويس وحكم مصر
يبدو أن للسويس وقناتها سراً في ترسيخ حكام مصر على مدى العقود الماضية، أو هكذا يخيل للذين تناوبوا على حكم المحروسة، لا سيما في المراحل المفصلية من عمر البلاد والتحولات الأساسية في توجهاتها، وتحديداً منذ الانقلاب العسكري في عام 1952، أو ما سمي وقتها "ثورة الضباط الأحرار".
حضرت قناة السويس بشكل أساسي في تلك المرحلة، وكان لها دور مفصلي في تكريس جمال عبد الناصر زعيماً مصرياً، وعربياً، بعد قراره تأميم قناة السويس وصده عدواناً في عام 1956 ضد التحالف الثلاثي المكون من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. وكانت حرباً لم يخرج بها عبد الناصر منتصراً، لكنه لم يهزم أيضاً، ما كان كافياً لتثبيت حكمه الجديد، وهو الذي انقلب عام 1954 على الرئيس محمد نجيب الذي جاء بعد الانقلاب الأول. تكريس الحكم لم تزحزحه حتى هزيمة 1967، والتي خسرت مصر، أو العالم، على إثرها قناة السويس، بعد إقفالها، وبقي عبد الناصر في الحكم لثلاث سنوات بعد "النكسة"، قبل أن يتسلم نائبه الحكم، ويقود مصر في مسار آخر.
الأمر نفسه يمكن الإشارة إليه للحديث عن عهد أنور السادات، خصوصاً أنه كان عهد التحول في السياسة المصرية والانتقال من معسكر إلى آخر، كما كان الأمر في الفترة الانتقالية بين الملكية وحكم الضباط. السادات استلم الحكم في وقت كانت السويس خط تماس مع القوات الإسرائيلية التي احتلت شبه جزيرة سيناء بعد نكسة حزيران عام 1967، وتم على إثرها إغلاق القناة أكثر من ثماني سنوات. تثبيت حكم السادات الذي كان يصارع ظل عبد الناصر كان بحاجة إلى تدعيم، أيضاً هذه المرة عبر السويس، بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، التي تمكنت فيها القوات المصرية من عبور قناة السويس ورفع العلم المصري على ضفتها الشرقية، ليعيد السادات افتتاح القناة في عام 1975. وبغض النظر عن مآلات الأمور بعد ذلك والكلام الكثير حول سياق نهاية الحرب، إلا أن ذلك الإنجاز كان كافياً أيضاً ليرسخ السادات أقدامه في حكم مصر، وتشريع انتقاله من المعسكر الشرقي إبّان الحرب الباردة إلى المعسكر الغربي، إلى أن تم اغتياله وتولي نائبه حسني مبارك الحكم.
لم تشهد مرحلة مبارك انعطافة سياسية مصرية حادة، فهو بقي على خط السادات، مستلهماً ما أعطاه الشرعية في ذلك الحين، أي حرب أكتوبر وعبور قناة السويس، وبقي حتى اليوم الأخير من حكمه محافظاً على لقب "صاحب الضربة الجوية الأولى". على الرغم من ذلك، عمد مبارك إلى المرور على قناة السويس عبر مشاريع التوسعة التي قام بها هناك، ومنها حفر تفريعات إضافية، مثل التي قام بها أخيراً عبد الفتاح السيسي، لكن من دون هذا القدر من الضجة الإعلامية.
يبدو أن السيسي قرأ في ما سبق أن مفتاح حكم مصر يمر عبر السويس وقناتها. وبما أنه في مرحلة انعطافة قصوى في تاريخ مصر، ولا سيما أنه جاء بانقلاب عسكري أطاح ثورة مدنية وانتخابات رئاسية، كان لا بد له أن يمزج أجزاء من "إنجازات" عبد الناصر والسادات وحسني مبارك، وحتى محمد علي وأسرته، الذين بدأت فكرة القناة في عهدهم. مزيج جاء بتصوير المشروع وكأنه فتح غير مسبوق في التاريخ المصري، وأنه قناة جديدة موازية لما ما فعلته أسرة محمد علي، وأن مرحلة ما بعد افتتاحها ستكون غير ما قبلها، تماماً كما كان التأميم، إضافة إلى أنها هدية مصر إلى العالم، على غرار إعادة افتتاح قناة السويس في عهد السادات. إلا أنه في النهاية، اتضح أن المشروع مجرد تفريعة، لم تكن ضرورية، بحسب ما أوضح خبراء دوليون، مشابه لما قام به مبارك.
هو بحث عن شرعية تاريخية يقوم به السيسي، ووجد في السويس وقناتها ضالته، غير أن التاريخ الفعلي لن يسجل له إلا أن "ديكتاتوراً مر من هنا".
الأمر نفسه يمكن الإشارة إليه للحديث عن عهد أنور السادات، خصوصاً أنه كان عهد التحول في السياسة المصرية والانتقال من معسكر إلى آخر، كما كان الأمر في الفترة الانتقالية بين الملكية وحكم الضباط. السادات استلم الحكم في وقت كانت السويس خط تماس مع القوات الإسرائيلية التي احتلت شبه جزيرة سيناء بعد نكسة حزيران عام 1967، وتم على إثرها إغلاق القناة أكثر من ثماني سنوات. تثبيت حكم السادات الذي كان يصارع ظل عبد الناصر كان بحاجة إلى تدعيم، أيضاً هذه المرة عبر السويس، بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، التي تمكنت فيها القوات المصرية من عبور قناة السويس ورفع العلم المصري على ضفتها الشرقية، ليعيد السادات افتتاح القناة في عام 1975. وبغض النظر عن مآلات الأمور بعد ذلك والكلام الكثير حول سياق نهاية الحرب، إلا أن ذلك الإنجاز كان كافياً أيضاً ليرسخ السادات أقدامه في حكم مصر، وتشريع انتقاله من المعسكر الشرقي إبّان الحرب الباردة إلى المعسكر الغربي، إلى أن تم اغتياله وتولي نائبه حسني مبارك الحكم.
لم تشهد مرحلة مبارك انعطافة سياسية مصرية حادة، فهو بقي على خط السادات، مستلهماً ما أعطاه الشرعية في ذلك الحين، أي حرب أكتوبر وعبور قناة السويس، وبقي حتى اليوم الأخير من حكمه محافظاً على لقب "صاحب الضربة الجوية الأولى". على الرغم من ذلك، عمد مبارك إلى المرور على قناة السويس عبر مشاريع التوسعة التي قام بها هناك، ومنها حفر تفريعات إضافية، مثل التي قام بها أخيراً عبد الفتاح السيسي، لكن من دون هذا القدر من الضجة الإعلامية.
يبدو أن السيسي قرأ في ما سبق أن مفتاح حكم مصر يمر عبر السويس وقناتها. وبما أنه في مرحلة انعطافة قصوى في تاريخ مصر، ولا سيما أنه جاء بانقلاب عسكري أطاح ثورة مدنية وانتخابات رئاسية، كان لا بد له أن يمزج أجزاء من "إنجازات" عبد الناصر والسادات وحسني مبارك، وحتى محمد علي وأسرته، الذين بدأت فكرة القناة في عهدهم. مزيج جاء بتصوير المشروع وكأنه فتح غير مسبوق في التاريخ المصري، وأنه قناة جديدة موازية لما ما فعلته أسرة محمد علي، وأن مرحلة ما بعد افتتاحها ستكون غير ما قبلها، تماماً كما كان التأميم، إضافة إلى أنها هدية مصر إلى العالم، على غرار إعادة افتتاح قناة السويس في عهد السادات. إلا أنه في النهاية، اتضح أن المشروع مجرد تفريعة، لم تكن ضرورية، بحسب ما أوضح خبراء دوليون، مشابه لما قام به مبارك.
هو بحث عن شرعية تاريخية يقوم به السيسي، ووجد في السويس وقناتها ضالته، غير أن التاريخ الفعلي لن يسجل له إلا أن "ديكتاتوراً مر من هنا".