السودان 2018... كوارث وأمراض وانتهاكات

08 يناير 2019
بعض الأدوية المفقودة منقذة للحياة (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -


لم تكن التظاهرات المطلبية الشعبية في نهاية العام في السودان وحدها التي ميزت 2018، فهناك كثير من المناسبات التي كان بعضها مؤلماً، خصوصاً مع وقوع عدة حوادث، واستمرار عدد من الانتهاكات

سيطرت الوقائع المرتبطة بحقوق الإنسان على أحداث عام 2018 في السودان، سيطرة لافتة، مع تصاعد الاهتمام بالحقوق في جوانبها المختلفة. كذلك، شكلت الكوارث الطبيعية والأمراض قلقاً كبيراً بالترافق مع جهود الإنقاذ والحلّ.

في شهر أغسطس/ آب، فجع السودان بغرق 21 تلميذاً وتلميذة في نهر النيل، في إحدى مناطق شمال البلاد، بالإضافة إلى طبيبة كانت في زيارة إلى أهلها، وذلك في حادث سلط الضوء على الصعوبات والمشاكل التي تواجه نقل التلاميذ إلى المدارس، خصوصاً في المناطق النائية، كما كشفت عن سوء حالة الطرقات، ووسائل النقل، وأظهرت مشاكل مرتبطة بالفقر في السودان.

وقع الحادث عندما استخدم تلاميذ في مرحلة الأساسي والثانوي بقرية كبنة، مركباً صغيراً يقلهم إلى مدرسة في منطقة الكنيسة، إذ لا مدرسة في قريتهم. وبعد مدة من بداية الرحلة انقلب المركب ليكون مصير معظمهم الغرق، وتضاعفت الفاجعة عند بعض أسر القرية لأنّ لديها أكثر من تلميذ، خصوصاً أسرة عمر البصير (50 عاماً)، الذي فقد بناته الخمس في ذلك اليوم المشؤوم، فيما نجا عبد المنعم الكليس، الذي كان يقود الرحلة، لكنّ ثلاثة من أبنائه لقوا حتفهم.

في يوليو/ تموز، ضربت أمطار غزيرة جميع ولايات السودان الثماني عشرة، فأدت بعد استمرارها لثلاثة أشهر أخرى إلى خسائر بشرية ومادية، إذ دمرت منازل ومدارس ومؤسسات حكومية عامة. أكبر الخسائر البشرية وقعت في ولاية غرب كردفان (غرب)، إذ لقي تسعة أشخاص، من بينهم خمسة أطفال، مصرعهم. وكشفت السلطات المختصة أنّ مجموع الأسر المتضررة وصل إلى 10 آلاف أسرة في تسع ولايات. تجدر الإشارة إلى أنّ الأمطار باتت في السنوات الأخيرة غالباً ما تتسبب في كوارث في السودان، بسبب ضعف البنية التحتية، وضعف الاستعداد لها، فضلاً عن غياب خطط الاستفادة من فائض المياه الذي توفره.



خطف وعودة

استمر عام 2018 خطف مهاجرين يعبرون السودان في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، ومعظمهم من إريتريا المجاورة. وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، نجح جهاز الأمن والاستخبارات عند الحدود السودانية - الإريترية، في تحرير 84 مواطناً إريترياً، من بينهم 51 فتاة، كانوا محتجزين لدى عصابات الاتجار بالبشر التي تنشط في شرق البلاد.

ولم تكن عملية التحرير سهلة بالنسبة لجهاز الأمن والقوات الأخرى التي اشتركت فيها، إذ جرى تبادل لإطلاق النار مع الخاطفين الذين طالبوا بفدية مالية من أجل إطلاق سراح الضحايا، قبل أن تلقي القبض على 10 من الخاطفين. وتنشط عصابات الاتجار بالبشر على الحدود بين السودان وإريتريا، إذ تغري الضحايا بحلم السفر إلى أوروبا، مروراً بالسودان وليبيا. وقالت واحدة من الرهائن إنّ ظروف احتجازهم من قبل الخاطفين كانت صعبة وأجبروا على تناول طعام رديء، مع اغتصاب بعض الفتيات، وتعذيب الشبان جسدياً بوسائل مختلفة، للضغط على ذويهم من أجل إرغامهم على دفع الفدية.

عودة نسوة انضممن إلى "داعش" من ليبيا (فرانس برس) 


من جهة أخرى، جاءت في إبريل/ نيسان أخبار سعيدة لأسر نساء سودانيات هربن من البلاد للالتحاق بتنظيم "داعش" في ليبيا، إذ أبلغت تلك الأسر بأنّ الحكومة السودانية نجحت بعد اتصالات مع الحكومة الليبية والهلال الأحمر الليبي في استعادة سبع نساء منهن، ومعهن 3 من الأطفال.

ومن المعروف أنّ الأعوام من 2014 إلى 2016، شهدت هروب طلاب وطالبات جامعيين، معظمهم من جامعة العلوم الطبية، للالتحاق بالتنظيم.

شيكونغونيا

طوال العام 2018 عانى السودانيون من أزمة دواء حادة، سواء في الندرة أو في غلاء الأسعار، وهو أمر تسببت به بصورة جلية السياسات الاقتصادية التي طبقتها الحكومة مع بداية العام. وشملت الأزمة أصنافاً منقذة للحياة، إذ نفد كلياً من مخازن الدولة نحو 34 صنفاً منها، بحسب وزير الصحة محمد أبو زيد.

صحياً أيضاً، ضرب ابتداءً من مايو/ أيار، مرض غريب ولاية كسلا، وست ولايات أخرى، وأصيب بعدواه 19 ألف شخص، ليطلق الأهالي عليه اسم "الكنكشة"، وهو مرض يسبب حمى وآلاماً مبرّحة في المفاصل، وآلاماً عضلية، وصداعاً، وتقيّؤاً، وطفحاً جلدياً.

بعد ذلك، اكتشف الأطباء أنّ المرض هو حمى "شيكونغونيا" التي ظهرت قبل عدة سنوات في تنزانيا، بشرق أفريقيا، وهو مرض فيروسي ينتقل إلى البشر عن طريق حشرات البعوض الحاملة للعدوى.

من الولايات السودانية التي انتشر فيها المرض عدا عن كسلا الأكثر تعرضاً لعدواه: ولاية البحر الأحمر، والقضارف، ونهر النيل، والشمالية، وشمال دارفور، والخرطوم. وأوضحت تقارير دولية أنّ الإصابة بالمرض لدى الأطفال ما دون الخامسة بلغت 7 في المائة، فيما بلغت لدى النساء نحو 60 في المائة، من دون تسجيل أيّ حالة وفاة في المستشفيات. وفي أعقاب انتشار المرض، وجه المواطنون في مناطق المرض والإعلام انتقادات عنيفة للسلطات المحلية المركزية لبطء الاستجابة، لكنّ الحكومة أكدت أنّها قامت بكلّ ما يمكن القيام به للحدّ منه.



قاصرات

قضية زواج القاصرات بقيت حاضرة عام 2018 من خلال إصدار محكمة سودانية في الخرطوم في يوليو/ تموز، حكماً بإبطال زواج طفلة في الحادية عشرة، مع أمر بتسليمها إلى ذويها، وإلزام زوجها بعدم التعرض لها لاحقاً. كذلك، أمرت المحكمة بالتحقيق مع المأذون الشرعي الذي أشرف على إجراءات عقد القران واستخراج وثيقة الزواج، مخالفاً بذلك قوانين الأحوال الشخصية التي تنص على ضرورة أخذ الإذن من المحكمة قبل عقد زواج القاصرات. وكانت الطفلة قد لجأت إلى المحكمة بدعم من منظمات حقوقية، وذلك في أعقاب تعرضها لضرب عنيف من قبل زوجها، بحسب ما قالت للمحكمة.

ويسعى ناشطون سودانيون للضغط على الحكومة لتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يجيز تزويج الفتيات في عمر أقل من 18 عاماً، بالرغم من أنّ القانون يشترط موافقة محكمة شرعية على مثل هذه الزيجات. ويطالب الناشطون أيضاً بضرورة تعديل وثيقة الزواج، بإدخال بنود تتعلق بعمر الزوجين لحظة عقد القران، حتى يكون ذلك واضحاً للمأذون الشرعي الذي ينجز العقد.

ليس بعيداً عن ذلك الحكم وزواج الطفلات، نجت نورا حسين من حبل المشنقة بعدما أمرت محكمة ابتدائية بإعدامها بعد إدانتها بقتل زوجها الذي أجبرت على الزواج منه وهي في سن السادسة عشرة، وطعنته في مقتل بعدما مارس معها الجنس من دون رضاها. وقررت محكمة الاستئناف إلغاء حكم الإعدام وأمرت بسجنها 5 سنوات مع دفع الدية كاملة لذوي الزوج القتيل.

حقوق الإنسان

في تعديل هو الأول من نوعه، أقرّ البرلمان السوداني، منتصف ديسمبر/ كانون الأول، تعديلاً على قانون الأسلحة والذخائر يفرض عقوبة السجن مدة تصل إلى 5 سنوات، أو الغرامة، على كلّ شخص يطلق الرصاص في الأعراس وغيرها من المناسبات الاجتماعية.

غرقت شوارع السودان (الأناضول) 


وظلت حوادث الموت أثناء الاحتفال بالأعراس تتكرر في العديد من المناطق السودانية، بالرغم من المطالبات المتواصلة بسنّ تشريعات أو استصدار قرارات بمنع استخدام الرصاص الحي أثناء الزواج والمناسبات العامة. وسبق لناشطين سودانيين إطلاق حملة في مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الغرض، وهي الحملة التي حظيت بتجاوب كبير من المستخدمين، ما دفع بعض أعضاء البرلمان إلى تبنيها وتحويلها إلى تعديل تشريعي.

حقوقياً أيضاً، تلقت الحكومة في شهر سبتمبر/ أيلول، خبراً سعيداً بإعلان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إنهاء ولاية الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان، في فترة زمنية أقصاها سبتمبر/ أيلول 2019، شرط أن يتوصل السودان لاتفاق مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان يقضي بفتح مكتب قُطري للمفوضية في البلاد، وهو ما يمهّد لإخراج السودان من سلسلة من الإجراءات الخاصة التي ظلّ المجلس يتخذها ضد البلاد منذ سنوات طويلة. وأشاد القرار بدور السودان في حلّ النزاع بدولة جنوب السودان، واستقباله أكثر من مليون لاجئ، وفتحه خمسة ممرات إنسانية من أجل توفير المساعدات للمتضررين من النزاع.

على العكس من ترحيب الحكومة بالقرار، لم يرحب حقوقيون سودانيون به، باعتبار أوضاع حقوق الإنسان في البلاد ما زالت تشوبها أسوأ الانتهاكات في مجال حرية التعبير وغيرها.