وعبرت الحكومة السودانية عن قلقها إزاء هذا التطور الذي وصفتة بـ"المؤسف" بين دول عربية.
وقالت الخارجية السودانية، في بيان، مساء الإثنين، إن "السودان على استعداد كامل لبذل كل جهوده ومساعيه مع كافة الأشقاء لتهدئة النفوس ووقف التصعيد وإصلاح ذات البين، وصولاً لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، بما يحقق المصالح العليا لشعوب المنطقة".
ودعت الخارجية "الأطراف إلى التهدئة والعمل على تجاوز الخلافات بما هو معروف من حكمة وحنكة وحرص على مصالح دول شعوب الأمة العربية"، مؤكدة "ثقة البلاد التامة في رغبة وقدرة الأشقاء العرب على تجاوز الأزمة".
وكانت التطورات الأخيرة، التي تمثلت بإقدام السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، اليوم، قد وضعت السودان في موقف لا يحسد عليه، إذ تعتبر الدوحة من العواصم التي ساندت الخرطوم إبان عزلتها الخارجية، كما دعمتها سياسيا واقتصاديا، ولعبت دورا كبيرا في إدارة ملف السلام في درافور.
وقبيل تفاقم الأزمة بين الدول الأربع وقطر، عرض السودان، نهاية الأسبوع الماضي، وساطة بين الرياض والدوحة لتسوية الخلافات، إذ أكدت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" أن الخرطوم أبلغت الدولتين برغبتها في التوسط، بالنظر إلى العلاقات التي تجمعها بالبلدين، مضيفة أن الخرطوم بدأت تحركاتها لتفعيل الوساطة، عبر الاتصال بقيادة البلدين.
ويرى مراقبون أن موقف الخرطوم بعرض الوساطة قبيل تفاقم الأزمة بين الرياض والدوحة رفع عنها حرج الاصطفاف مع طرف معين ضد آخر، على اعتبار أن الوساطة في الأساس تتطلب "حيادية الموقف".
وانشغلت الأوساط السودانية بتحليل ردة فعل الحكومة السودانية تجاه المواقف الجديدة من قطر، بالنظر إلى تبني الخرطوم بعض المواقف السعودية في العديد من القضايا خلال الفترة التي أعقبت مشاركته في "عاصفة الحزم" لقتال الحوثيين في اليمن، وما تلاها من تحسّن في علاقات البلدين، بعدما بادر إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران.
ويستبعد محللون أن تنحاز الخرطوم لمواقف الرياض وحلفائها، رغم ارتباط ملف العلاقات الأميركية ورفع العقوبات الاقتصادية بالرياض، بالنظر إلى الدور الكبير الذي تلعبه السعودية والإمارات في الملف، مرجحين أن يلتزم السودان الصمت، وأن يسير في طريق الوساطة، مشددين على أن "الأزمة الحالية تتطلب من السودان الحكمة، على اعتبار أن أي خطأ في إدارة الملف سيدفع ثمنه غاليا، وسيخسر الكثير مما تحقّق خلال الفترة الماضية".
وفي السياق، يرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ في حديث إلى "العربي الجديد" أن "السودان دخل في ورطة أشبه بورطة حرب الخليج مطلع تسعينيات القرن الماضي، وأنه أصبح متنازعاً بين عواطفه ومصالحه"، موضحا أن "الخرطوم لا تستطيع أن تنسى أن الدوحة كسرت طوق العزلة عن الخرطوم، وقدمت العديد من المساعدات للسودانيين في ذروة الأزمة".
وذكر أبو الجوخ أن "قطر تعتبر حليفا حقيقيا للحكومة السودانية"، مضيفا أن "انفراج الأزمة أو ظهور بوادر للتهدئة خلال أيام من شأنه أن يجنّب الخرطوم اتخاذ موقف"، مرجحا أن يكون في حال اضطر السودان إلى اتخاذ موقف فإنه سيكون "موقفا محايدا، بحيث لا يخسر أيا من الأطراف".
وأكد المحلل السياسي ذاته أن "للسودان مساحات يمكن أن يستند عليها دون الاصطفاف إلى جانب الرياض، بالنظر للتباين بين دول الخليج في ما يتعلق بالحرب في اليمن، من دون أن يؤثر التباين في علاقاتها"، مبرزا: "أعتقد أن السودان لن يقطع علاقته بقطر، كما لن يناصرها بشكل علني ومباشر، وسيمازج بين مصالحه وعواطفه، ويقدم نفسة كوسيط ليعطيه مبرراً بألا يعلن موقفا".
وذكر أبو الخوج أن "وساطة السودان لن تكون لها قيمة رغم أن لديه إمكانات الوساطة، بالنظر لقبوله من قبل الطرفين"، مشددا على أن "وساطته في حال تمت ستكون أكثر فعالية ضمن تحرك إقليمي".
في المقابل، استبعد الخبير السياسي، الطيب زين العابدين، أن ينجح السودان في لعب دور كبير في الأزمة السعودية القطرية، بالنظر إلى تعقيداتها، فضلا عن ضعف الوزن الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي الذي يؤهل الخرطوم لذلك، مبرزا أنه "يمكن أن تكون وساطة الخرطوم فاعلة في حال ربطت بمبادرة بدول أخرى ذات مصالح حقيقة، كأميركا وتركيا والجزائر".