السودان وإثيوبيا وحلم الكونفدرالية

04 مايو 2017
+ الخط -
لن يكون صحيحاً تماماً الظنّ أنّ نقاط التلاقي السودانية الإثيوبية وتفعيلها حالياً هو نتيجة سوء الأحوال مع مصر، فالحقيقة أنّ مشروع كونفدرالية القرن الأفريقي المزمع عقدها بين دول الاتحاد الأفريقي، في جزئها الشرقي من القارة، نُوقش قبل سنوات عديدة. يمكن أن تجيء في إطار التحالفات الإقليمية تكريساً لشكل قديم من العلاقات على المستويات السياسية والاقتصادية. 

تخللت العلاقات بين السودان وإثيوبيا جهود ثنائية داخل هذا الحلم، ساهمت في دفعها رياح التغيير في العلاقات بين السودان وسائر جيرانه في محيطه الإقليمي. كانت البداية، بعد أن خفت حماسة السودان لإنزال اتفاقية الحريات الأربع مع مصر إلى أرض الواقع، خصوصا بعد تحفّظ مصر على بندي تنقل المواطنين وحرية العمل في البلدين. وبهذا، يمكن أن تكون هذه بداية النهاية لمشروع كونفدرالي مع مصر كان البلدان يتمنيانه مماثلاً ومكملاً لتجمعات شرق أوسطية أخرى، مثل مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي.
يمثّل الاتحاد الكونفدرالي بالنسبة لدول القرن الأفريقي، في جانبه النظري، ضرورة ملحة ووسيلة لمواجهة التحديات الخارجية لهذه المنطقة الحيوية. ولكن، من جانب آخر، فإنّ خصوصية المنطقة تضع لهذا الاتحاد شروطاً صعبة، قد تعيق تحقيقه. وهذه الشروط هي الانسجام النوعي بين الدول المكونة للاتحاد، والإيمان بفكرة الاتحاد دافعاً للتطور، ونمو الدول ومواجهة المهدّدات الخارجية، والتسامي فوق الخلافات التاريخية. ولتحقيق الكونفدرالية نظاماً تعاهدياً بين دول ذات سيادة، لا بد أن يتضمن ذلك توافق سلطاتها في مجالات الأمن القومي والعلاقات الخارجية، حتى يتسنّى تحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية.
شرعت دولتا السودان وإثيوبيا نحو تحقيق هذا الاتحاد أخيرا، في ظل اضطراباتٍ تحيط 
بالبلدين، وتزعزع نظامهما الداخلي. وتراهن الدولتان على العلاقات المشتركة، وهي علاقات نمت وربت بين مدٍّ وجزر منذ عهود سلفت، إلى أن وصلت إلى العهد الحالي الذي طغى فيه انقسام الرؤى الأيديولوجية.
وعلى الرغم من بعض التوتر في العلاقات الذي أعقب اتهام إثيوبيا السودان بمحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، في أديس أبابا عام 1995، وعودة إثيوبيا إلى الترحيب بالحركة الشعبية لتحرير السودان، بعد خروجها من إثيوبيا عام 1991، إلّا أنّ النظامْين لم يدخلا في مواجهاتٍ مباشرة. وهذه الحالة من التأزم المتراخي خدمته فيما قبل ظروف عديدة، منها أنّه، على الرغم من نقاط العداء التي تنشط بين حين وآخر، إلّا أنّ السودان يضع ألف حساب للدعم الغربي الذي تتمتع به إثيوبيا. كما أنّ الأخيرة كانت تضع في حسبانها موقف السودان الداعم للحركات الإسلامية في المنطقة، وتتخوف من احتمال توسع المدّ الأصولي، والنفاذ إلى الداخل الإثيوبي، والتأثير على مسلمي إثيوبيا.
بدلاً من العداء، أخذت إثيوبيا تشدّ السودان بغرض إبعاده عن تكوين أي نوعٍ من الاتحاد مع مصر، قد يخلق نوعاً من التحالف ضدها، خصوصا في ظل توترات عقد التسعينيات التي شهدتها إثيوبيا مع إريتريا. وبشكل أخص وأقرب إلى التوقع، في ظل الخلافات العميقة بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي ووقوف السودان طرفاً محايداً، أثبت عدم تضرّره من قيام السد. ثم دعم ذلك بزيارة رسمية للرئيس عمر البشير في شهر إبريل/ نيسان الحالي إلى أديس أبابا.
على الرغم من أنّ العلاقات بين السودان وإثيوبيا تعاني في مسارها عقبات وتحدياتٍ كثيرة رهنت حركتها في حدود معينة، إلّا أنّ هناك عوامل كثيرة برزت على السطح، قد تساهم في تشجيع فكرة الاتحاد بين الدولتين، وإعطائه بعداً جديداً يقوم على فكرة الهم المشترك، وخصوصا في ظل التطورات على المستويين، الإقليمي والدولي، فالمسؤولية المشتركة تقف في وجهها قضايا شائكة، تتداخل ما بين السياسي والاقتصادي والأمني والإنساني، وهي قضايا اللجوء والهجرة والاتجار في البشر، بالإضافة إلى نقاط الالتقاء مع التكتلات الإقليمية، كالاتحاد الأفريقي.
تدور النقطة المحورية حول قدرة العلاقات بين البلدين على التعاطي مع المتناقضات والخلافات بينهما وبين الدول الجارة، خصوصا موقف السودان الذي تم وصفه بالضبابي من الحكومة
المصرية، فيما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي، والحدّة في العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، ثم التواؤم بين السودان وإريتريا. وما تستوجبه هذه العلاقات من إدارةٍ يجب أن تتوافق مع المصلحة المشتركة بين هذه البلدان، بدرجة من التوازن المنطقي، وبعيداً عن المشروع الحالم الذي تكون به الاتحاد الأفريقي في 9 سبتمبر/ أيلول 1999، بديلاً لمنظمة الوحدة الأفريقية.
فشل التكامل بين السودان ومصر من قبل، كما فشلت محاولات التكامل مع ليبيا، لأنّ سلوك طريق الاتحاد الشاق تعتمد فيه التجربة على نهجٍ معين، وعلى درجةٍ من الثبات. وهذا ما افتقدته التجارب السابقة، على الرغم من سعيها إلى إيجاد نوع من التكامل الثقافي والاقتصادي، بالإضافة إلى التكامل السياسي. فشلت تجربة التكامل السابقة، لأنّها راهنت على الأحلام على حساب مصالح الشعوب، وربطتها بنماذج هلامية.
جاءت معظم التجارب الإقليمية المتداخلة عربياً وأفريقياً نتيجةً سريعة لعاطفة قادة الدول وحماستهم، أكثر منها إرادة سياسية حقيقية. لذا، هي تبدو مؤطرة في قالب العلاقات المتذبذبة بين هؤلاء القادة، وتخضع، في أحيانٍ كثيرة، لتقلبات السياسة والنزعات الفردية أكثر منها تأسيساً يعكس رغبات الشعوب وآمالها.
الاتحاد الكونفدرالي بالنسبة للسودان كدولة جربت التكامل وفشلت مع دول أخرى، ثم عانت من حالات الانقسام السياسي، وانفصال قسّم السودان إلى بلدين، لا يُرجى منه ذوبان كيان الدولة في كيان آخر، ولكن تذليل العقبات في سبيل تحقيق المشروعات والتعاون المشترك.
في ظل عدم مقدرة السودان على الوحدة الكاملة مع دولةٍ أخرى، يحتمل المشروع الكونفدرالي مع إثيوبيا عدة سيناريوهات، تغيب ملامحها الحالية على الأقل إلى أن تنجلي أزماتٌ أكثر إلحاحاً، مثل قضية سد النهضة الإثيوبي، وتأزم العلاقات مع مصر. ما زال الاتحاد الكونفدرالي مشروع حلم سوداني – إثيوبي، ولكن الخلافات الاستراتيجية تدعم اتجاه تقليص الحلم إلى مجرد التعاون بين البلدين، وذلك لأنّ من الصعب الاقتناع بأنّ السودان وإثيوبيا يمكنهما إكمال مشروع الاتحاد الكونفدرالي، ولم تستطيعا ترسيخه بعد، إذ كيف تكتمل وحدة خارجية لمن فشل فيها داخلياً!
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.