إذا كنت في السودان، وقلت شمالاً أو جنوباً أو غرباً، وأنت تعني الاتجاه الجغرافي ليس إلا.. بالتأكيد لا تجد سودانيّاً واحداً يحمل المفهوم الجغرافي مجرداً. فالاتجاه الجغرافي في السودان مثقل بالعرق والثقافة والتقاليد والسمات التي تكاد تقصمه.. وهذا لأن السودان بلد ما زالت هويته في طور التفاعل، فهو متنازع بين العروبة والأفريقانوية والسوداناوية وهذا سبب أصيل في إشعال الحروب في السودان. ورغم عدم حسم هذه المسألة المصيرية ذات الحساسية العالية، وقع البلد أسيراً لدائرة الحكم الجهنمية. ديمقراطية تستمر مدة أقصاها ثلاث سنوات، ثم يقوم العسكر بانقلاب ليستمر سنين عجافاً، ثم انتفاضة شعبية تسقط العسكر، ثم ديمقراطية، وهكذا دواليك في لهاث عبثي. منذ الاستعمار كان الشباب الطاقة المحركة لكل أشكال المقاومة والثورات، بدأت بصورة واضحة في تمرد ضباط الكلية الحربية إبان الاستعمار الإنجليزي 1924، المعروفة بحركة (اللواء الأبيض) مطالبة برحيل الإنجليز والاتحاد مع الشقيقة مصر.
يبدو أن الحال تبدل تماماً بعد أن نال السودان استقلاله، ودخل الشباب السوداني ومعه البلد في دوامة دائرة الحكم الجهنمية.. ودائماً شرارة الانتفاضة ما يشعلها الطلاب في الجامعات، خصوصاً جامعة الخرطوم، فالنشاط السياسي داخل الجامعات السودانية ركن أصيل من النشاط الطلابي، يتنوع بين أركان النقاش والندوات والمجلات الحائطية، وهذا النشاط استعصى على كل النظم الشمولية التي حاولت أن تمنعه، ولكن في سبيل ذلك يدفع الطلاب ثمناً غاليّاً، مهجاً ودماء.
قبل شهرين فتحت جامعة الخرطوم أبوابها بعد أن علقت الدراسة فيها قرابة 4 أشهر، بعد أن اغتيل طالب في أثناء احتجاجات داخل الحرم الجامعي. وفي جامعة الجزيرة تم اغتيال أربعة طلاب من أبناء دارفور، المتهم في هذه الجرائم هو الأمن الطلابي، وهو جهاز كونه نظام الإنقاذ من الطلبة المنتمين إلى النظام، فهو يقوم بمهمة الطابور الخامس خير قيام. وكأن الطلاب لا يكفيهم مناهضة الشمولية حتى يلقي صراع الهوية بظلاله على نشاطهم.
وفي سبتمبر العام الماضي أشعل طلاب الثانوي احتجاجات الشارع ضد قرار حكومة البشير برفع أسعار المحروقات، ولكن الثمن كان فادحاً، إذ راح ضحيته 200 مواطن جلهم من الشباب.
إذن، الشباب السوداني مازال هو المتصادم الأول في كل حراك تحرري وتعبوي. ولكن تبعثرت وتشتت جهوده بين خطوط الطول الجهوية ودوائر الحكم العبثية. وبالتأكيد هذا ليس خطأه، ولكنه خطأ شعب لم يحسم أمر هويته وسلطته إلي اليوم.
*السودان