السودان.. الطوارئ وجمع السلاح

07 سبتمبر 2017
+ الخط -
منذ أعلنت الحكومة السودانية نزع السلاح الذي يتزايد في أيدي المدنيين والمليشيات التابعة لها، بما فيها مليشيا الجنجويد بزعامة موسى هلال، أظهر الاختلاف بين هذه الأطراف والحكومة حجم المارد الذي أوجدته بأيديها، وفشلت بعد أن انقلب عليها، في صرفه. ازدادت الحرب الكلامية بين موسى هلال من جهة ونظام الرئيس عمر البشير ومحمد حميدتي قائد قوات الدعم السريع المنبثقة عن الجنجويد من جهة أخرى، إلى حد أن هدّد هلال بحرق المناطق التي يسيطر عليها حميدتي. ووصلت الأزمة إلى منزلةٍ من انعدام الحوار هيأت الفرصة للحكومة لإعلان حالة الطوارئ في ولاية شمال كردفان منذ 28 أغسطس/ آب وحتى نهاية العام. وتم تحديد المرحلة الطوعية لجمع السلاح حتى 15 سبتمبر/ أيلول الحالي، بعدها سيتم ذلك قسرا.
على الرغم من أنّ انتشار الأسلحة كان بسبب فشل أنظمةٍ تعاقبت على حكم السودان، في الحدّ من آثار الحرب الأهلية التي بدأت بحرب الجنوب منذ الخمسينيات، إلّا أنّ النظام الحالي لعب الدور الأكبر في انتشار السلاح في أيدي المدنيين والمليشيات، فكانت كلما استعانت بمكوّن إثني لمحاربة المتمردين في إقليم دارفور وكردفان تزوده بالأسلحة. كما ساهم صراع القبائل على الأرض والموارد والسلطة الأهلية والحروب القبلية، وسعي كل طرف فيها إلى الحصول على أكبر عدد من الأسلحة، في إيجاد سوق سلاح في مناطق النزاع، تمت تغذيته بكميات كبيرة من دول الجوار، خصوصا مناطق النزاع الأفريقية وليبيا.
كان للاستقطاب القبلي الذي انتهجه النظام الدور الأكبر في تركيز السلاح عند مجموعات محدّدة، حتى تحول إلى استقطاب قبلي مسيّس، ثم تفاقم نتيجة محاولة النظام ضم الزعامات 
القبلية والقيادات عن طريق المساومة مدخلاً لتجذير الانقسام داخل مكونات المجتمع السوداني، وتوسيع دائرة تباعده عن بعضه بعضا من أجل الكسب السياسي. وأوّل من ابتدع هذه الظاهرة هو عرّاب النظام، حسن الترابي، فمنذ البداية رأى ضرورة تحوّل السلطة من عسكرية إلى مدنية، مع الإبقاء على مقومّات حكم العسكر وممارساته الشمولية. ولتقوية هذا الخطّ، تمّ توظيف زعامات وشخصيات قبلية، مهمتها الأساسية قهر المعارضة والحدّ من نشاطها. وقد صنعت الحكومة مليشيا الجنجويد، بقيادة موسى هلال، والإدارة الأهلية، وبعدها تفتقت منها قوات الدعم السريع، بقيادة ابن عمه محمد حمدان حميدتي. بدايةً، قامت الحكومة بالتنسيق مع بعض القبائل ذات الأصول العربية ضد قبائل الفور والمساليت والزغاوة في دارفور، وفي عام 2003، بعد أن استعرت الحرب، تم تسليح مليشيا الجنجويد وتكوينها، ومن ثم تحت مسمى حرس الحدود. وفي عام 2013، بدأت عملية تقنين عمل "الجنجويد" وحمايتهم رسمياً بتذويبهم واستيعابهم في جهاز الأمن، وتشكلت قوات الدعم السريع باعتبارها جزءا من المنظومة العسكرية التابعة لجهاز الأمن والمخابرات المساندة للقوات المسلحة. وكانت المليشيا، طوال هذه الفترة، تقوم بالحرب بجانب القوات النظامية ضد المتمردين في ولايات دارفور وجنوب كردفان.
على الرغم من توافق أطرافٍ من المعارضة مع الحكومة على أهمية جمع السلاح، إلّا أنّها في إطارها الضيق عملية تصفية معارك مع الخصم موسى هلال الذي يقف في وجه حميدتي المدلّل الحكومي الذي تم منحه رتبة فريق أخيرا. وفي تصريحات هلال أنّها خطة مغلفة بغطاء الدولة لإثارة فتنة جديدة في دارفور، بعد أن رفضت قوات حرس الحدود الانتماء للدعم السريع.
لا تزال الحكومة والحركات المسلحة يتبادلان اتهامات استجلاب المليشيات القبلية والمرتزقة من تشاد والنيجر وموريتانيا، حتى تحول إقليم دارفور إلى ما يشبه مستعمرة لها. ولا يزال النظام يعتمد على الحلول الأمنية والعسكرية في مواجهة الأزمات التي فاقمتها سياساته الإقصائية. ولأنّ موسى هلال يدرك ذلك، فقد ظلّ يتمادى في مناوراته، من دون أن يوجه تهديداته مباشرة إلى الرئيس البشير الذي تربطه معه علاقات شخصية، بل إلى المقربين من دائرة الرئيس من أبناء دارفور. وسيظلّ كذلك ما لم يواجه ضغوطاً أكبر، لأنّ تحالفه المصلحي مع النظام قام على ضمان الإغراءات وتمليك الأراضي والأموال والسلطة، لتجييش هذه المليشيات واستقدامها.
ثمّة عدة أسباب في ازدياد جرأة موسى هلال واستقوائه، فقد وجّه هذه الاتهامات لنائب الرئيس
حسبو محمد عبد الرحمن ومحمد حميدتي قائد مليشيا الدعم السريع وتلميذه الذي طغى، لخلافاته معهما ولتصل إلى الرئيس بشكلٍ غير مباشر. السبب الأول أنّ حسبو وحميدتي هما من وقفا في وجه تمدّد سلطاته، وأمر حسبو بحملة جمع السلاح بتفويض من الرئيس وتجريده من قواته، بعد أن شارك بعدد كبير منها في حرب اليمن. الثاني وجود صراع حاد وتنافس داخل قبيلة الرزيقات في دارفور التي ينتمون إليها جميعاً. الثالث علاقة هلال مع الجنرال الليبي خليفة حفتر، المتهم من الحكومة بدعم متمردين في إقليم دارفور مقابل القتال بجانب قواته في ليبيا. الرابع استقواء هلال بالرئيس التشادي إدريس دبي الذي تربطه معه علاقة أسرية، ما سمح له بنسج خيوط تحالف إقليمي يضم ليبيا وتشاد مدعوماً بالإمارات. قراءة هذه العوامل في سياق التخلص من هلال وكسر شوكته ستنزل برداً وسلاماً على الرئيس البشير، لأنّ هلال أصبح عبئاً سياسياً وأمنياً وعسكرياً، كما أنّه يُعتبر مخزن أسرار حرب دارفور لمساهماته بقواته، فيما تم توجيهه من اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية عن حرب الإبادة في دارفور.
ولأنّ النظام لا يعرف غير لغة البندقية في قول هلال، فإنّ الحكومة لا تأبه بأي مطالب سياسية لا تسندها قوة عسكرية. ربما جاءت هذه الفرصة إلى هلال وهي تسعى، ليضغط على النظام، للظفر بمنصب نائب الرئيس الذي لا يخفي حلمه به، خصوصا بعد ترقية حميدتي إلى فريق، وتقريبه من دائرة السلطة، وتهميش هلال في المقابل.
دلالات
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.