وأحدثت التعديلات الدستورية هزة داخل القوى المشاركة في الحوار، ولا سيما المعارضة التي رأت في الخطوة التفافاً على مخرجات الحوار التي تم التوافق عليها في الحوار المنتهي في أكتوبر الماضي، ولا سيما أن النظام في الخرطوم عمد نحو الدفع بتعديلات جزئية للدستور، تتصل بتكوين الحكومة الجديدة، وتتجاهل التعديلات المتصلة بالحريات وتحجيم جهاز الأمن.
وأنهت الحكومة في العاشر من أكتوبر الماضي، الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس السوداني عمر البشير لما يزيد عن عامين، شاركت فيه الحكومة وحلفاؤها بجانب أحزاب معارضة، من بينها حزب المؤتمر الشعبي، بينما قاطعته قوى المعارضة الرئيسية والحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بينها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي والحركة الشعبية قطاع الشمال.
وينتظر أن يصادق البرلمان بعد غد الأربعاء على التعديلات الدستورية بشكلها النهائي، الأمر الذي يجعلها نافذة، تمهيدا لتكوين الحكومة الجديدة، وإعلانها في العاشر من يناير المقبل.
وتضمنت التعديلات "18" مادة في الدستور تتصل بالحكومة الجديدة وصلاحيات الرئيس السوداني ورئيس الوزراء، فضلا عن زيادة مقاعد البرلمان لاستيعاب المعينين الجدد الذين أوكل للرئيس السوداني مهمة تعيينهم، فضلا عن القضايا المتصلة بفصل منصب النائب العام عن وزير العدل.
ومنحت التعديلات الجديدة الرئيس السوداني سلطات واسعة وكرست له سلطات رئيس الوزراء، الذي أقرت تعيينه بقرار من رئيس البلاد، كما منحته بجانب البرلمان حق مساءلته، وهي خطوة وجدت انتقادات لاذعة من قبل أحزاب الحوار، التي رأت في الخطوة التفافا على مخرجات القرار.
وتجاهلت اللجنة البرلمانية الطارئة المعنية بدراسة التعديلات، المقترحات التي دفعت بها مجموعة من الأحزاب المعارضة المشاركة في الحوار، بينها المؤتمر الشعبي، وحملت تحفظاتها على التعديلات.
وأربكت خطوة الحكومة حزب المؤتمر الشعبي الذي واجه خلافات قوية بداخله، حيث عمدت قيادات داخله للتوقيع على مذكرة ترفض التعديلات جملة وتفصيلا، وتؤمئ للحزب بالانسحاب من الحوار، ليسعى الأمين العام للحزب، إبراهيم السنوسي، إلى الالتقاء بالمجموعة الغاضبة وتلافي الوضع، مع التأكيد على موقف الحزب المبدئي من عدم المشاركة في الحكومة المرتقبة.
وينتظر أن يعقد المؤتمر الشعبي خلال الأيام القليلة المقبلة اجتماعا مع الرئيس السوداني عمر البشير لمناقشة تحفظاته، وهو اجتماع يراه "الشعبي" مفصلياً.
وقال الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، كمال عمر عبد السلام، لـ"العربي الجديد" إن لدى حزبه مجهودات على مستوى الرئيس البشير، لإدراج رؤية في ما يتصل بالتعديلات الدستورية الواجبة، ولا سيما قضايا الحريات وتقليص سلطات الأمن وحيادية المؤسسات العدلية، وأضاف: "دون تلك التعديلات يكون حرثاً في البحر".
وشدد "إذا لم يعمل البشير على إدراجها بأمر دستوري، سنحيل الأمر للأمانة العامة للحزب، ونعتبر مشاركتنا في الحوار منقوصة، ولا تلبي طموحات المؤتمر الشعبي". وأكد أن ما صادق عليه البرلمان اليوم من تعديلات لا يرقى لمستوى الطموحات، ولا يواكب ما تم الاتفاق عليه بمخرجات الحوار، وأشار إلى أن 95% من أحزاب المعارضة المشاركة في الحوار تعترض على التعديلات، وتتفق مع حزبه في رؤيته.
وأشار إلى تمسك حزبه بضرورة أن يتم تعيين رئيس الوزراء، عبر التوافق السياسي، وألا يترك الحق للبشير منفرداً، وأنه "لا بد أن تُشاور أحزاب الحوار في الشخصية التي ستتقلد منصب رئيس الوزراء، لأننا لسنا ديكور، وإنما أحزاب صنعت الحوار".
واحتج رئيس تيار إسناد الحوار، عمار السجاد، على التعديلات الدستورية محذرا المعارضة المشاركة في الحوار من الوقوع في فخ تجزئة التعديلات، وذكر أن التعديلات أمام البرلمان أربعة فقط، من أصل أربعين تعديلا دستورياً مطلوباً، لتحقيق مخرجات الحوار، منها تسعة تتصل بقضايا الحريات.
وأضاف "وهي أجّلت لأجل غير مسمى". ورأى في الخطوة محاولة من حزب المؤتمر الوطني الحاكم لكسب الوقت عبر التنصل بشكل كامل من إنفاذ مخرجات الحوار، ووصف الخطوة بالارتداد العنيف عن المخرجات.
وطالب سجاد الرئيس البشير بإنهاء دورته الحالية، وإعادة تعيين نفسه، تفادياً للورطة الدستورية والسياسية التي سيقع فيها، مع إجازة التعديلات الجديدة الخاصة بالحكومة.