السهل المتمنّع

11 أكتوبر 2014
+ الخط -

مواسم حديث مفصلية، تعود في كل مرحلة من مراحل التطورات الدراماتيكية في المنطقة عموماً، والثورة السورية خصوصاً. حديث يطلق آمالاً كبيرة وطموحات بإنهاء أزمة الشعب السوري مع المجازر بحقه، سواء من النظام وأتباعه، أو من المظاهر الإرهابية الجديدة التي ركبت على ظهر الثورة السورية.
الحديث الموسمي، الآن، يعود عن "المنطقة العازلة" و"الحظر الجوي"، مستقوياً بالغارات الجوية التي يقودها التحالف الدولي الجديد لمواجهة "داعش". حديث تركي، بشكل أساسي، يعود بنا بالزمن إلى سنوات ثلاث مضت، حيث كان الأتراك لا يكلّون ولا يملّون من الكلام عن التدخل في الحدث السوري، لمنع تداعيات الوضع السوري من التسلّل إلى الأراضي التركية، إضافة إلى نجدة الشعب السوري من المقتلة التي يقودها نظام بشار الأسد. غير أن السوريين، عموماً، ومناصري الثورة خصوصاً، ما عاد بالإمكان أن يعوموا على النغمة نفسها التي تتكرّر منذ ثلاث سنوات، خصوصاً أن الكلام سهل، غير أن التطبيق دونه عقبات ومحاذير كثيرة تجعل المضيّ فيه قدماً عرضة لحسابات عديدة، ذات أبعاد إقليمية ودولية. وحتى في غياب مثل هذه المحاذير، يبقى السؤال عن الرغبة في التدخل المباشر في الوضع السوري، بالنسبة إلى تركيا خصوصاً، وهي التي تفضّل مراقبة ما ستؤول إليه الأمور على الأرض، سواء في ما يخص غارات التحالف الدولي، أو المواجهات التي تحدث على الحدود في عين العرب بين تنظم "داعش" والمقاتلين الأكراد.
مع ذلك، يبقى الحديث دائراً عن منطقة حظر جوي فوق الشمال السوري. منطقة يمكن تحقيقها. وأساساً، هي قائمة بفعل الغارات الدولية التي أغلقت الأجواء في وجه الطيران السوري. لكن، إلى أيّ مدى يمكن لهذه المنطقة أن تكون في خدمة الثورة السورية، أو ما بقي منها، وستؤدي إلى ما هو مطلوب، أي إزاحة نظام بشار الأسد؟ إلى اليوم، من الواضح أن ما هو قائم فعلياً هو في خدمة النظام السوري. فهذا الأخير، حتى في غياب طائراته عن سماء الشمال، وجد بديلاً أقوى، متمثلاً بغارات التحالف على "أهداف لداعش"، فبات يستفيد من هذه الغارات، للتقدم على الأرض وكسب مساحات، وها هو في طريقه إلى استعادة حلب من أيدي الفصائل المسلحة التي كانت تسيطر عليها.
من هنا، يمكن الانتقال إلى النقطة الثانية، وربما الأساسية، في "الأحاديث السهلة" المتداولة على ألسنة السياسيين. نقطة يثيرها الأتراك، بشكل أساسي، في الجلسات المغلقة، لم تخرج إلى حيّز التصريحات العلنية بعد، وستبدأ في الظهور قريباً، خصوصاً في ظل عجز الغارات الجوية عن ضرب بنية "داعش" الأساسية، ما قد يطرح فكرة التدخل البري بقوة على الطاولة. تدخلٌ يريده الغرب تركيّاً بشكل أساسي، على اعتبار أن لدى تركيا أكبر جيش بري في حلف شمال الأطلسي، غير أن للأتراك شروطاً، لا يبدو أن التحالف الدولي في وارد السير بها. شروطٌ تلخَّصُ بإسقاط "داعش والأسد معاً"، على اعتبار أن هذا من ذاك.
بين الشروط والمطالب والشروط المضادة، سيدور "الحديث السهل" كثيراً، وستخرج السيناريوهات والتسريبات التي ستُتابَع باهتمام شديد، غير أنها ستبقى كلاماً متمنّعاً عن التطبيق في المرحلة الراهنة، خصوصاً أن ترتيب الأولويات الغربية مختلف عن الرغبات التركية. فالغرب يلخّص الخطر الحالي في تنظيم "داعش" ومتجاهلاً الخلفيات المؤسِّسة لوجود هذا "الوحش" فوق الأراضي العربية. إدراك تركيا الأجندة الغربية يجنّبها الدخول عسكرياً في مغامرة على الأرض السورية، غير أنها تدرك كيف تكسب نقاطاً مجانية من دون تكاليف إضافية.

 

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".