في أفغانستان، يقدّر عدد الذين يموتون بسبب مرض السل بنحو 850 شخصاً شهرياً، ليفوق هذا الرقم عدد الذين يقتلون بسبب أعمال العنف (نحو 300 شخص شهرياً)، في ظل غياب خطوات جادة وفعالة من قبل الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي لمواجهة هذا المرض المعدي. يضاف إلى ذلك قلة الوعي بين الأفغان في كيفية الوقاية والتعامل مع المرض، ما يزيد من انتشاره.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن مرض السل يقتل أكثر من عشرة آلاف أفغاني سنوياً، بينهم عدد كبير من النساء، بسبب حرمانهن من الرعاية الصحية. تضيف التقديرات أن نحو 56 ألف شخص يصابون بالمرض سنوياً، 66 في المائة منهم نساء، وعشرة في المائة أطفال.
وتلفت المنظمة إلى أنها أحصت أكثر من 800 طفل مصاب بمرض السل خلال العام الماضي. في السياق، يقول الطبيب محمد حميد لـ "العربي الجديد" إن "مرض السل يشكل تحدياً كبيراً لدى جميع المواطنين، ولاسيما أولئك الذين يعيشون في المناطق القروية النائية، والمحرومون من جميع أنواع الرعاية الصحية. فالمرض لا يقتصر على الشخص المصاب، بل قد ينتقل إلى جميع أفراد الأسرة".
يتابع أن "السل هو مرض قاتل، فيما تنشغل الحكومة بالملف الأمني، وقليلاً ما تهتم بالقضايا الصحية والاجتماعية. أما المجتمع الدولي، فقد أنفق كثيراً على الرعاية الصحية من دون جدوى، بسبب غياب خطة متكاملة ودقيقة. وتشكو المؤسسات الإنسانية المعنية بالرعاية الصحية من المخاطر الأمنية التي تمنعها أحياناً من الوصول إلى جميع أنحاء البلاد، وتحديداً المناطق الجنوبية".
بدورها، تعربُ وزارة الصحة الأفغانية عن خشيتها من تفشي المرض. وتقول في بيان إن الحكومة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، تبذل جهوداً كبيرة لاستئصال جذور المرض، وتعمل ليل نهار على توفير العلاج للمصابين، وحث الأهل على تلقيح أطفالهم ضد المرض. لكن ضعف الوسائل والوضع الأمني يعرقلان هذه الجهود. وترى أن الفقر وسوء التغذية يؤديان إلى انتشار المرض في أفغانستان.
ولجأت إدارة مكافحة مرض السل التابعة لوزارة الصحة إلى الاستعانة بشرائح المجتمع المختلفة من علماء الدين وتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، بهدف نشر الوعي في الشارع الأفغاني حول المرض. وتقول إنه في المناطق النائية، لا يعرف المصاب بالمرض وأسرته الخطوات الاحترازية والوقائية، ولا يدري معظمهم أن المرض قد ينتقل إلى باقي أفراد الأسرة، ويجهل معظم القرويين كيفية التعامل مع المريض لناحية العلاج والغذاء وغيرها.
لكن في الآونة الأخيرة، ركز المعنيون على العمل في القرى والأرياف، وخصوصاً في المناطق التي يعد فيها الأمن مستتباً. ويشير مسؤول مركز "ليبكو" لمكافحة مرض السل في إقليم مزار شريف (شمال البلاد)، نوروز علي، إلى أن أعمال المركز امتدت إلى القرى والأرياف، وهناك مركزان لعلاج مرضى السل في الإقليم، وقد عالجا أكثر من ستة آلاف شخص في عام واحد.
في المقابل، يشكو نوروزيشكو قلة الوسائل، علماً أن مكافحة السل تتطلب جهوداً حثيثة. ويناشد المؤسسات التي تعنى بالرعاية الصحية الاهتمام بمكافحة المرض، لافتاً إلى أن المرأة الأفغانية تعد الضحية الأولى بسبب العادات القبلية التي تمنعها من إجراء الفحوصات الطبية إلا في مرحلة متأخرة، أي بعد تفاقم المرض.
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة التي تقود حملة لمكافحة مرض السل قد حصلت على 12 مليون دولار من الحكومة اليابانية العام الماضي، بالإضافة إلى مساعدات أخرى، ما ساهم في علاج آلاف المصابين. حالياً، يعمل نحو 13 ألف مركز طبي في مختلف أنحاء البلاد تحت إشراف وزارة الصحة على علاج آلاف المصابين.
ونظراً لخطر انتشار المرض، أعلنت منظمة الصحة العالمية العام الماضي تمديد حملة مكافحة السل لخمسة أعوام إضافية. وقالت في تقرير إنها تسعى إلى تقديم الدعم المالي المناسب، لاستئصال جذور المرض بالتعاون مع وزارة الصحة الأفغانية، وبمساعدة بعض الدول، في مقدمتها اليابان.
أيضاً، تطالب وزارة الصحة الأفغانية المجتمع الأفغاني بالتعاون معها، من خلال نشر الوعي، وتطعيم الأطفال ضد السل، واللجوء إلى مراكز علاج السل المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد.
وأخيراً، أنشئ مستشفى مركزي في العاصمة الأفغانية كابول بهدف علاج المرضى. ويبقى نجاح حملة مكافحة السل مرهونا بالوضع الأمني في البلاد، بالإضافة إلى المساعدات التي تتلقاها الحملة، وفي مقدمتها تلك التي تقدمها منظمة الصحة العالمية.