السلفيون المغاربة والانتخابات

21 سبتمبر 2016

السلفي المغربي حماد القباج منع من الترشح (فرانس برس)

+ الخط -
وجد السلفيون المغاربة أنفسهم موضوع تجاذب حزبي ونقاش سياسي، عشية الانتخابات التشريعية التي تعقد في المغرب يوم 7 أكتوبر/ تشرين المقبل. لا يتعلق الموضوع بمواقف هؤلاء من الانتخابات أو من الديمقراطية أو من المشاركة السياسية، فقد حسم فيها سلفيون كثيرون، سواء منهم الذين كانوا يتبنون أفكاراً عنيفة، ودخلوا بسببها السجن، قبل أن يراجعوا أفكارهم ويحظوا بالعفو، أو الذين كانوا ينؤون بأنفسهم عن العمل السياسي، وينصرفون إلى العمل الدعوي، قبل أن تستدعيهم السلطة في فترة الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب عام 2011، للنزول إلى الشارع، لمساندة موقفها ضد مطالب المحتجين ودعمه آنذاك.
ما أثار النقاش من جديد بشأن مشاركة السلفيين المغاربة في السياسة هو موضوع الانتخابات المقبلة التي أحدثت نوعاً من الاستقطاب السياسي الشديد بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الحكومة، ويقدم نفسه محارباً ما يصفه بـ "التحكّم"، في إشارة إلى الدولة العميقة في المغرب، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه مستشار الملك محمد السادس، ويقدّم نفسه مدافعاً عن الحداثة وصاحب مشروع بديل لما يصفها بـ "أسلمة" الدولة و"أخونتها".

وبين هذين الموقفين، تفرق السلفيون شعوبا وقبائل بين الأحزاب السياسية الموالية لهذا القطب أو ذاك، بل وأعلنت عدة رموز سلفية انخراطها في أحزاب، بعد أن عرفت أن الدولة لن ترخص لها لتأسيس حزب سلفي، على الأقل في الوقت الحالي. ومن بين هؤلاء من أعلن ترشّحه ضمن قوائم أحزاب سياسية، وكل هذا تم في واضحة النهار وبعلمٍ من السلطة، إن لم يكن بتزكيةٍ أو بتشجيعٍ ودعم منها، فقد التحق مجموعة من رموز ما كان يوصف في المغرب بـ "السلفية الجهادية" بالأمانة العامة لأحد الأحزاب الصغيرة التي أسّسها عميد شرطة سابق. وتمت عملية انضمام هؤلاء مباشرةً بعد خروجهم من السجن، بعدما قاموا بمراجعة أفكارهم وحظوا بعفو ملكي. كما أعلن سلفيون آخرون انتماءهم إلى الحزب الذي أسّسه مستشار الملك، وآخرون تفرّقوا بين أحزاب أخرى تدعم هذا القطب أو ذاك. وقرأ مراقبون في دخول السلفيين إلى الحلبة السياسية تكتيكاً من هؤلاء للالتفاف على قرار السلطة التي مازالت ترفض الترخيص لهم بتأسيس حزب خاص بهم. ورأى مراقبون آخرون في الأمر ذكاءً من السلطة التي تسعى إلى استيعاب السلفيين، وإدماجهم تدريجيا في المشهد السياسي. وربما التقت الإرادتان معا، وفي كل الحالات، فإن الطرفين، أي السلفيين والسلطة، استفادا من مرحلة "التعايش" الحالية بينهما.
لكن، ما سيثير النقاش مجدّدا حول موضوع مشاركة السلفيين في الحياة السياسية إعلان أحد دعاة السلفية الترشح على رأس لائحة الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة. وهنا، لم يتأخر رد فعل السلطة التي رفضت ترشيح هذا الداعية، بدعوى أنه يحمل أفكارا متطرفة! مع العلم أنه لم يسبق له أن اعتقل أو حوكم أو أدين بأي شيء، بل معروف عنه أنه وقف خلف السلطة نفسها التي منعته اليوم من الترشّح، لدعم موقفها في الشارع عندما خرجت المظاهرات المتأثرة برياح "الربيع العربي" تطالب بالتغيير. لكن سبب رفض ترشّح هذا الداعية السلفي لا يرتبط بأفكاره، وهي لا تدعو إلى العنف، وتتقاطع، إلى حد كبير، مع أفكار سلفيين آخرين عديدين سمحت لهم السلطة بالانضمام إلى أحزاب أخرى، وربما لن تقف غداً ضد ترشّحهم مع تلك الأحزاب، فيما لو قرّروا ذلك. فمشكل السلطة اليوم ليس مع السلفيين الذين قرّروا ولوج عالم السياسة، وليس قطعاً مع هذا الداعية الذي اشتهر بمواقفه المساندة السلطة نفسها. مشكل السلطة الحقيقي هو مع الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة المنتهية ولايتها، والذي لا تريده السلطة نفسها أن يتصدّر نتائج الانتخابات المرتقبة، ما سيقوده، حسب نص الدستور، إلى رئاسة الحكومة المقبلة.
تدرك السلطة، كما تدرك أحزابها، ويدرك الحزب الإسلامي، أن السلفيين خزان انتخابي هائل، والكل يريد أن يغرف من معينه لدعم موقفه في معركة كسر العظم بين الطرفين. وقد أبانت نتائج الانتخابات التشريعية في المغرب عام 2011 مدى قدرة السلفيين على ترجيح كفة الحزب الإسلامي في مدنٍ عديدة نزلوا فيها بثقلهم كاملا لدعم مرشحيه. وعلى الرغم من أن السلفيين في المغرب ليسوا على قلب رجل واحد، وإنما هم قبائل وشيع، إلا أن كثرة أصواتهم، على الرغم من تشتّتهم، مازالت قادرة على التأثير على نتائج الانتخابات، خصوصاً أمام مقاطعة جزء آخر كبير من الإسلاميين العملية السياسية، ممثلين في جماعة العدل والإحسان. وفي حالة كانت نسبة المقاطعة كبيرة في الاقتراع المقبل، فإن صوت السلفيين سيكون حاسماً في ترجيح كفة القطبين الكبيرين المتنافسين. ومن هنا، هذا الصراع الكبير بينهما حول أصوات السلفيين التي تنظر إليها السلطة شرّاً لا بد منه. وبالتالي، يجب التطبيع معه، وينظر إليها باقي الإسلاميين منافساً، إذا لم ينجحوا في كسب تعاطفه على الأقل يضمنوا حياده. أما السلفيون، وعلى الرغم من تشتتهم، فهم الرابحون حتى الآن من هذا التجاذب بشأنهم وبشأن أصواتهم.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).