لم تجد أكثر من مئة فتاة وسيدة، مسجونات على خلفية قضايا سياسية، ممن تعرضن للتحرش والضرب بقسوة والإهانة والتعري وخلع الحجاب في سجن القناطر، مسؤولا رسميا يعطيهن الورود أو يخفف من معاناتهن، بل تعمدت إدارة السجن، بحسب عمار شقيق المعتقلة دارين مطاوع، أن تظهرهن في أسوأ صورة أمام أقاربهن في مواعيد الزيارة، فخرجن بدون أحذية وملابس شفافة مهترئة عليها بقع دماء، وشعرهن أشعث بلا حجاب.
وفي الوقت الذي غطت وسائل إعلام مصرية بحفاوة بالغة الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للفتاة التي تعرضت للتحرش في ميدان التحرير، تُمعن السلطات المصرية في إساءة معاملة السجينات على خلفية قضايا سياسية، ومن بينهن 19 طالبة بجامعة الأزهر. ورغم ما تعرضن له من ظروف قاسية، لم يتحرك مسؤول واحد، ووثقت روايات الأهالي صورا شديدة القسوة لمعاناة بناتهن.
تروي أم مريم لـ"العربي الجديد": في موعد الزيارة، وجدت ابنتيّ المسجونتين، آلاء وسارة، في حالة يرثى لها، وكان هناك كدمات في مناطق مختلفة من جسديهما، وظهرت ابنتاي في ملابس السجن غير اللائقة وفي حالة نفسية سيئة، بعد سرقة كافة الأمتعة والطعام، وإدخالهما زنازينَ مع الجنائيات اللواتي اعتدين عليهما بقسوة".
تضيف: "بعض الفتيات الأزهريات تعرضن للضرب أسفل الجسم، مما تسبب في حدوث نزيف في الرحم، وكسور وشرخ في الأطراف، منهن الطالبتان ياسمين. م، وآية. ع"، لافتة إلى أنهن حكين لها عن قيام بعض الجنائيات بإجبار بعض الفتيات على خلع ملابسهن وحجابهن أمام قوات فض الشغب من الرجال داخل الزنازين.
صرخة استغاثة
في رسالة جماعية أطلقها أهالي بنات الأزهر، تحت عنوان "صرخة استغاثة"، ناشدوا السلطات المصرية، والمنظمات الحقوقية والدولية التدخل لإنقاذ بناتهن، محملين أجهزة الأمن مسؤولية ما تتعرضن له داخل سجن القناطر، من قبل السجانات وتترأسهن إحدى مسؤولات السجن، واسمها "سيدة"، وأمينا الشرطة "سيد" و"عامر". حيث قاموا بالتعدي الوحشي على بنات الأزهر المعتقلات، وضربهن بالخشب والحديد، مما أدى إلى إصابتهن بجروح وكدمات في العين والقدم والظهر، بل وركلهن في منطقة الحوض، حتى إصابة إحداهن بنزيف. إضافة إلى تفريق البنات حديثات السن على عنابر الجنائيات، ليتذوقن ويلات أنواع جديدة من الضرب والسب ومعايشة أصحاب السوابق، من قتل وسرقة وآداب، وترحيل تسع منهن إلى جهات غير معلومة.
وطالب الأهالي بالتحقيق في ما يحدث من انتهاكات بسجن القناطر.
وروى ممدوح. ع، والد الطالبة الأزهرية ياسمين لـ"العربي الجديد" ما تعرضت له ابنته داخل السجن، قائلاً "ذهبنا للزيارة الأسبوعية لابنتي في السجن، وكانت العادة السماح لأهالي السجينات السياسيات الدخول معاً دفعة واحدة، إلا أننا فوجئنا هذه المرة بالسجانة تنادي على أسرة الطالبة كريمة الصيرفي، ابنة سكرتير رئيس الجمهورية (المعزول) محمد مرسي فقط، بسبب وجود تعليمات عليا بتفريقهم".
أضاف: "فجعت عندما شاهدت ابنتي مقيدة مع إحدى السجينات الجنائيات، وليست مع كبيرة السجانات كالعادة، ملابسها ملطخة بالدماء، ووجدتها منهارة من البكاء، وعندما سألتها ماذا حدث روت لنا تفاصيل الواقعة".
ويواصل ممدوح، بصوت يملؤه الأسى على مصير ابنته التي لم ترتكب جرماً سوى أنها رفعت يدها بإشارة رابعة في وجه الانقلاب: "حكت لي أنها فؤجئت بفتح عنبر السجينات الجنائيات
وسماح إدارة السجن لهن بالهجوم، فقاموا بتجريد إحدى الطالبات من ملابسها بالكامل وحبسها في حجز الإعدام، كما قاموا بالاعتداء بالضرب على الطالبات بدون أي مقدمات والسب بأبشع الألفاظ".
"نفوض أمرنا لله الذي لا تضيع عنده المظالم" يضيف والد ياسمين، الذي لم يكن يأتي في مخيلته يوماً أن تتعرض ابنته لمثل هذا. ويتابع متهكماً: "ليس أمامنا سوى أن نحرر محضراً بواقعة الاعتداء على الفتيات لدى نيابة شبرا، بالقليوبية التي يتبعها السجن إدارياً، ونحن ندرك تماماً أن القضاء الشامخ لن يحرك ساكناً!" .
وقال أحمد ن.، شقيق أسماء، إحدى الطالبات الأزهريات في سجن القناطر، لـ"العربي الجديد" إن شقيقته أعلنت مع مجموعة من طالبات الأزهر الإضراب عن الطعام، وأنها "رفضت تسلم الأطعمة التى أعددناها لها، محتجّة على المعاملة السيئة وغير الإنسانية التي تعامل بها، وترحيل بعض الفتيات من دون سبب، واحتجاز البعض في دورات المياه ليلاً في ظلام دامس، وتعرض عدد كبير من الطالبات للضرب دون أي تحقيق مع المسؤولين".
إدانة حقوقية
وفي السياق ذاته، أدان المرصد المصري للحقوق والحريات "عمليات التعذيب والتنكيل وإهدار الكرامة التي حدثت ضد 22 فتاة داخل سجن القناطر، على يد الضباط والسجانات والجنائيات، والتي وصلت لمستويات غير مسبوقة".
وأكد المرصد في بيان له اليوم الخميس، أنه وردته "شكوى من أسر الفتيات تفيد قيام إدارة السجن يوم الأحد الماضي بتهديد الفتيات بالتعامل معهن بقسوة نظراً لهتافهن داخل السجن، كما قامت إدارة السجن بدفع السجانة "س. ف" للاعتداء على الفتيات بمعاونة الجنائيات وباقي السجانات، بالإضافة لشخصين من أفراد السجن، أحدهما يدعى "عامر" والآخر يدعى "أحمد"، وتم الاعتداء على الفتيات بالضرب والركل بالأقدام في بطونهن مما أدى إلى إصابة العديد منهن بإصابات بالغة. بخلاف عمليات التحرش بجميع الطالبات، وإجبارهن على خلع ملابسهن وأخذ متعلقاتهن، قبل أن يتم استدعاء قوات فض شغب ليجعلوا البنات يقفن في "طابور ذنب" مع إيذائهن بالكلمات البذيئة.
ولفت إلى "تفريق الطالبات على العنابر الجنائية بواقع طالبتين على كل عنبر، مع تهديدات متتالية لهن من قبل الجنائيات بالاعتداء عليهن والتحرش بهن حال الإذن لهن بذلك".
أضاف البيان: "أصيبت الطالبة ياسمين م. بنزيف داخلي في الرحم ، كما أصيبت 21 فتاة بإصابات متنوعة بين كسور العظام و الجروح القطعية والكدمات والرضوض، كما تم ترحيل عدد منهن قسرياً إلى سجن بنها وسجن دمنهور".
وأضاف البيان أن "استمرار تلك الظاهرة اللاإنسانية، يمثل مخالفة صريحة للأعراف والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والتي تؤكد في العديد من موادها على حظر التعذيب وتجريم ومحاسبة مرتكبيه".
وأشار إلى أن "هناك حالة من اللامبالاة بحقوق الإنسان المصري، وتجاهل متعمد لتحذيرات المنظمات الحقوقية المستمرة بضرورة حظر الانتهاكات الموجهة للمعتقلين السياسيين، وفي القلب منهم الفتيات والنساء، داخل أقسام الشرطة ومقرات الاحتجاز. فرغم الإدانات المتكررة لعمليات التعذيب الممنهجة التي تتم داخل السجون، إلا أن هذه الظاهرة المرفوضة إنسانياً ومجتمعياً وأخلاقياً لا تزال مستمرة وبشكل ملفت للنظر".
وأكد البيان أن "هناك تقصيراً كبيراً في مواجهة تلك الظاهرة الخطيرة التي تقلق أمن المجتمع المصري، حيث يلاحظ بطء النظام في علاج هذه الظاهرة، إضافة إلى عدم تحويل المسؤولين عن تلك الظواهر للمحاكمة العادلة حفاظاً على حقوق وحريات المواطنين". وأشار إلى أن هناك تعسفاً في استخدام القوة ضد المواطنين، مما ينذر بحدوث فوضى قد تؤثر على أمن واستقرار المجتمع.
وطالب المرصد بضرورة الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، وتحويل كل المسؤولين عن حوادث التعذيب للمحاكمة العادلة، وتطبيق أحكام القانون والدستور ذات الصلة عليهم، دون تفرقة بينهم وبين المواطن العادي، حرصاً على مصالح الدولة وتحقيقاً لأمن وأمان الوطن.
وتلقت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" في بريطانيا، شكاوى عدة من أسر المعتقلات في سجن النساء العسكري في القناطر، عن تعرضهن للتعذيب والاعتداء من إدارة السجن. وأوضحت المنظمة أن ما فعلته إدارة سجن النساء في القناطر، هو "انتهاك جسيم للقوانين المحلية والدولية، وعلى وجه الخصوص اتفاقية مناهضة التعذيب التي صدقت عليها مصر"، والتي تكفل عدم جواز تعريض أي شخص للمعاملة المهينة أو القاسية أو التعذيب تحت أي مبرر أو ظرف.
من جهة ثانية، تقدم المدير التنفيذي للجنة حقوق الإنسان بنقابة المحامين، محمد فاروق الحاج، بطلب للنائب العام المستشار هشام بركات، لتشكيل لجنة تقصي حقائق مخصصة للتحقيق في وقائع التحرش الجنسي التي شهدها ميدان التحرير، منذ 4 يونيو/حزيران الجاري خلال تنصيب الرئيس.