السلطات الفرنسية تستعد لإجلاء 2500 مهاجر على نهر السين

29 مايو 2018
خيام المهاجرين قريبة من الماء (العربي الجديد)
+ الخط -
أصدرت وزارة الداخلية الفرنسية، اليوم الأربعاء، بيانا أكدت فيه نيتها إخلاء الخيام التي تتكاثر طول نهر السين في منطقة "بورت دي لافيليت"، الباريسية، والتي تضم أكثر من 2500 مهاجر، وتشكل عامل توتر مستمر مع سكان المنطقة، إضافة إلى صعوبة توفير الرعاية الصحية اللازمة للمهاجرين  المكدسين في هذه الخيام الصغيرة، القريبة من الماء.

ومع اقتراب موعد إجلاء المهاجرين كل مرة، يثار جدل وتوتر بين عمدة بلدية باريس الاشتراكية آن هيدالغو ووزارة الداخلية حول طريقة إدارة المشكلة، ففي الوقت الذي تصرّ فيه البلدية على حلول يترافق فيها الإنساني بالقانوني، يحاول وزير الداخلية، جيرار كولومب إشهار نوع من التشدد، بخاصة مع مشروع قانون "اللجوء والهجرة"، حتى لا تكون شوارع باريس دعوة مفتوحة لكل المهاجرين غير الشرعيين.

وقد خرج هذا الصراع بين الطرفين للعلن، حين عابت الوزارة على بلدية باريس عدم تقدمها بإجراء لإجلاء المهاجرين أمام القضاء، والذي يفتح الباب أمام تدخل قوات الأمن لإخلاء المنطقة منهم، وهو ما ردّت عليه البلدية بأن وزارة الداخلية لا تفعل شيئا، وتترك البلدية وحيدة أمام تحديات تتجاوزها.

وعبّرت عمدة البلدية، آن هيدالغو، عن تفاؤلها بقرب وضع هؤلاء اللاجئين في مراكز استقبال لائقة، وصرحت، في آخر زيارة لها لهؤلاء المهاجرين يوم 25 مايو/أيار الجاري، بحلول منتظرة في بدايات شهر يونيو/حزيران القادم. ووعدت البلدية بـأن تضع تحت تصرف الدولة مركز إيواء إضافيا يَسَع 400 شخص. 

وأبرزت العمدة الاشتراكية، التي تشير مختلف استطلاعات الرأي إلى أنها ستخسر بلدية باريس في مواجهة مرشح إيمانويل ماكرون، والناطق باسم الحكومة الحالي، بانجمان غريفو، في الانتخابات القادمة، أنها تريد توفير إيواء حقيقي لهؤلاء الأشخاص، وليس مجرد إجلاء لهم فقط من المكان. وتوعدت بأن "الاقتصار على وضع اللاجئين في مراكز اعتقال أو ترحيل المدبلنين منهم (الذين يطبق عليهم قانون دبلن، أي أولئك الذين يجب أن يتقدموا بطلب اللجوء في أول بلد أوروبي دخلوه)، لن يَحُلَّ المشكلة".

رفض المقاربة الأمنية في التعاطي مع اللاجئين (العربي الجديد)

وليست بلدية باريس وحدها من يمتلك هذا التصور، أي احترام البعدين الإنساني والاجتماعي، وليس فقط الأمني، في عملية وضع هؤلاء المهاجرين في مكان آخر، فمنظمات حقوقية وإغاثية كثيرة، بما فيها "فرنسا- أرض اللجوء" وأيضا جمعية "إيماووس-تضامن"، التي كانت تشرف على المركز الإنساني الموجود في بورت دي لاشابيل، والذي أغلق قبل أسابيع، طلبت من وزارة الداخلية تعهدا خطيا باحترام مطالبها.

وتجدر الإشارة إلى أنه بعد إغلاق المركز الإنساني في بورت دي لاشابيل والتضييق البوليسي، واحتجاجات بعض سكان المنطقة، على وجود المهاجرين من حولهم، والذين كانوا يزرعون خيامهم الصغيرة تحت جسور الميترو، التي أغلقتها الشرطة، وعلى أرصفة الشوارع، انتقل هؤلاء إلى منطقة غير بعيدة، في "بورت دي لا فاليت"، وخوفاً من ردّ فعل السكان اقتربوا من ضفاف نهر السين، وهو ما يعرف بـ"قناة سان دونيه"، ويتعلق الأمر بقناة مائية تمتد على طول ستة كيلومترات، وتخترق المقاطعة الباريسية التاسعة عشرة وأيضا منطقتي أوبيرفيليي وسان دونيه، في الضاحية الباريسية والقناة في ملكية بلدية باريس.

يتكدسون في خيام صغيرة (العربي الجديد)

وفي هذه الخيام الصغيرة جدا يتكدس أكثر من 2500 شخص، والإحصاءات غير دقيقة بسبب وصول آخرين، أغلبهم من دول القرن الأفريقي، ومن السودان، إضافة إلى بعض الأفغان، لكنهم أقلية.

ولا يبدو هؤلاء المهاجرون، الذين يحظون بزيارات مستمرة للشرطة الفرنسية، قلقين من المصير الذي ينتظرهم، فمحمد، وهو سوداني، يعترف بأنه تعب من هذه الحياة التي تزداد صعوبة يوما بعد آخر، ويريد أن يرى نهاية لهذا الانتظار. ويكشف أن ممثلي بعض الجمعيات القانونية أخبروه بأن ملفه لن يقبل على الأرجح، بسبب أخذ السلطات الإيطالية بصماته في إيطاليا، قبل شهور. ولكنه يصر على أنه يفضل فرنسا، وسيفعل كل شيء للبقاء فيها، "لأن كثرا من معارفي السودانيين استقروا في فرنسا، قبل أكثر من سنتين".

صعوبة توفير الرعاية الصحية لهم (العربي الجديد)

لا شيء يُوحّد بين تشاؤم محمد السوداني وبين التفاؤل الذي يبديه جاره سعيد الإريتري، الذي يمتلك حظوظا أوفر للبقاء في فرنسا، كما قال له محام يشتغل مع جمعية حقوقية فرنسية: "أنا معارض سياسي لنظام أسمرة وأستطيع أن أثبت".

وفي انتظار اليوم الموعود لتفكيك هذه الخيام، تنشط جمعيات إغاثية كثيرة في توفير المساعدات الغذائية، ومن بينها جمعيات عربية وإسلامية، والبعض منها عزز حضوره، بصفة خاصة، بسبب شهر رمضان.

سالم، الصومالي، يتحدث عن خيام كثيرة اضطر لمغادرتها، منذ أن قرر، قبل 5 سنوات مغادرة بلده، لكنه لا يخفي أمله في أن تدرس السلطات الفرنسية ملفه، جيدا وبكثير من الإنسانية، وتسوي أوضاعه ويستريح.

 

يأملون تسوية أوضاعهم (العربي الجديد)

لن تسوّى، بالضرورة، كل أوضاع هؤلاء، فحتى الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو يستعير جملة لرئيس الحكومة الاشتراكي الفرنسي الراحل، ميشيل روكار، يعترف بأنه "لا يستطيع استقبال كل بؤس العالم"، ولكن مَنظَر هذه الخيام الصغيرة، التي تؤوي أناسا في وضعيات نفسية وصحية صعبة، وهي تحيط بالقناة، تسيء لشرف الضيافة الفرنسي.

لم يَر الفرنسيون وَعْدَ الرئيس ماكرون بألا يظل متشرد واحدٌ في الشارع، سنة 2018، يتحقق، ولكنهم، على العكس، رأوا ولا يزالون مهاجرين غرباءَ يتساقط، من حين لآخَر، بعضُهُم في النهر، قبل أن يفرح في هذا البلد بموطئ قدم.

المساهمون