السلاح حق مقدّس في أميركا

04 أكتوبر 2017
يضيئون الشموع للضحايا (درو أنجيرير/ Getty)
+ الخط -
من بين قطع السلاح التي عثر عليها رجال شرطة لاس فيغاس في غرفة ستيفن بادوك في الطابق الثاني والثلاثين من فندق "ماندلاي باي"، بنادق قنّاصة بعيدة المدى يمكنها اختراق دروع رجال الشرطة الأميركية، وبنادق نصف آلية، زادت من كثافة النيران التي أطلقها على جمهور الحفل الموسيقي، إضافة إلى ثلاثة وعشرين بندقية نقلها بادوك إلى غرفته في الفندق، من دون أن يثير الشبهات. كذلك، عثرت الشرطة على تسعة عشر قطعة سلاح أخرى في منزله في ضاحية قريبة من لاس فيغاس، ليبلغ عدد الأسلحة التي وجدت في حوزة المواطن الأميركي 42 بندقية، إضافة إلى كيلوغرامات عدة من المواد المتفجرة وآلاف طلقات الرصاص.

ويؤكّد عدد من أصحاب متاجر بيع السلاح، التي اعتاد ستيفن بادوك شراء أسلحته منها، أنه لم يخالف أي من القوانين الأميركية التي تجيز للمواطنين امتلاك الأسلحة الفردية. فالمادة الثانية من الدستور الأميركي تكفل حق اقتناء السلاح من أجل الدفاع عن النفس، وهو حق مقدس. إلّا أن حادثة إطلاق النار أثارت الجدال مجدداً حول السلاح في أميركا، لينضم إلى الملفات الخلافية الأخرى بين الرئيس دونالد ترامب وخصومه.

ويعدّ ترامب حليفاً قوياً للوبي شركات السلاح في واشنطن. وكان قد تعهّد لأنصاره، خلال الحملة الانتخابية، الدفاع عن حق اقتناء السلاح وإلغاء القيود على شراء الأسلحة التي وضعتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والذي شهدت ولايته أعمال عنف وحوادث إطلاق نار جماعية. وفي شهر نيسان/ إبريل الماضي، أصدر ترامب قرارات تنفيذية بإلغاء قيود إدارة أوباما، وإن كانت تلك القيود خجولة جداً ومحصورة بحجب حق اقتناء السلاح عن الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية أو اضطرابات عقلية، والممنوعين من السفر لاعتبارات أمنية.

وأفشل لوبي شركات السلاح الأميركية كل المحاولات السابقة لإجراء تعديلات على قوانين حيازة السلاح. ولم يحقّق أوباما أياً من وعوده الانتخابية للحدّ من انتشار السلاح. ورفعت الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي أيضاً، شعار نزع السلاح من أيدي الأميركيين. وفي الوقت الحالي، من غير المتوقع أن تنجح الأقلية الديمقراطية في الكونغرس في تمرير أي تشريعات جديدة تطاول حرية الاتجار بالسلاح. كما أن الحق في اقتنائه يرتبط بسيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ، وهما لن يسمحا بأي مساس بما يعتبرانه حقاً دستورياً مقدساً، ولأن في البيت الأبيض صديق كبير للسلاح وشركات السلاح اسمه دونالد ترامب، كما جاء في خطاب ألقاه الأخير خلال استقباله أصحاب أكبر شركات السلاح الأميركية في البيت الأبيض.



وردّاً على الأصوات التي تعالت عقب مجزرة لاس فيغاس، للمطالبة بإجراءات فورية للحدّ من مخاطر انتشار الأسلحة الفردية لدى الأميركيين، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن "الوقت ليس للبحث عن حق الدفاع عن النفس، الذي ينص عليه البند الثاني من الدستور الأميركي"، متهمة الحزب الديمقراطي بمحاولة استثمار جريمة لاس فيغاس سياسياً، وإثارة السجال حول حق اقتناء السلاح، ليكون أحد عناوين المعركة مع الحزب الجمهوري خلال انتخابات الكونغرس النصفية في عام 2018، وانتخابات الرئاسة في عام 2020.

وسجلت أسهم شركات السلاح في "وول ستريت" ارتفاعاً كبيراً تجاوز العشرة في المائة، بعد ساعات قليلة من وقوع مجزرة لاس فيغاس، ما يعني أن شركات السلاح الأميركية تستفيد بشكل مباشر من انتشار الجرائم في المجتمع الأميركي، وتستثمر في الخوف الذي تزرعه حوادث إطلاق النار في نفوس المواطنين، ويترجم ذلك إقبالاً كبيراً على شراء الأسلحة الفردية من أجل الدفاع عن النفس. يشار إلى أن سوق السلاح في الولايات المتحدة ازدهر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في عام 2001، ما أسفر عن سقوط ثلاثة آلاف قتيل أميركي، وعشرين ألف جريح. الصدمة التي أحدثتها تلك الهجمات في الوعي الأميركي العام، والخوف من الإسلاموفوبيا، دفعت المواطنين الخائفين من الإرهاب إلى شراء الأسلحة، إما بهدف التأكيد على مشاعر الوطنية الأميركية التي أججتها هجمات سبتمبر/ أيلول، أو للدفاع عن النفس ضد أي إرهابي مفترض.

وتشير إحصائيات رسمية أميركية إلى أن أسهم شركات السلاح في أسواق المال تسجل قفزات كبيرة بعد وقوع عمل إرهابي على أرض الولايات المتحدة أو خارجها. ففي عام 2016، ارتفعت أسهم تلك الشركات بعد الهجوم على الملهى الليلي في أورلاندو، الذي نفذه أميركي مسلم من أصول أفغانية.

ومع تزايد حوادث إطلاق النار خلال العام الماضي، زادت الأرباح الصافية لشركة "سميث آند ويسون" على سبيل المثال، أكثر من 50 في المائة، لتصل إلى 293 مليون دولار. وأعلنت الشركة أن مبيعاتها من الأسلحة في السوق المحلية الأميركية، بلغت في العام نفسه 722 مليون دولار، بزيادة نحو 30 في المائة بالمقارنة مع العام السابق، علماً أن مبيعات "سميث آند ويسون" تضاعفت نحو 200 مرة بعد وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض في عام 2009. وهذا مؤشّر على حجم نفوذ شركات الأسلحة وتأثيرها على القرار السياسي في واشنطن، وقدرتها الجبارة على منع رئيس البلاد من تنفيذ وعوده الانتخابية بإدخال تعديلات على قوانين حيازة الأسلحة، ووضع ضوابط على صناعتها والاتجار بها.