السقوف الواطئة

12 سبتمبر 2016
+ الخط -
وفق التسريبات التي ترد على مدار الساعة عن المفاوضات الروسية الأميركية بخصوص حل الأزمة السورية، ووفق ما خرج من لقاء الرئيسين، باراك أوباما وفلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين، فنحن أمام سقف منخفض جدا للحلول المنتظرة. ومرة أخرى، على السوريين أن يفلتوا الأمل الذي تعلقوا به، وبنوا عليه أحلاماً بأن حربهم ستنتهي، وأن عذاباتهم سيكون لها نقطة نهاية.
ومن قبل أن تفشل هذه المفاوضات، فهي فاشلة، أي أنها في حال نجاحها ستكون تعبيراً عن فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل للأزمة السورية، فبعد خمس سنوات من الحرب، وبعد كل الويلات التي حصلت، والملايين التي تهجرت، تجتمع القوتان الكبريان في العالم، وتتفاوضان على مراحل وجولات، وتعقدان اجتماعات عديدة وعلى مستويات عديدة، وتسرّبان التصريحات عن قرب التوصل إلى اتفاق، والبعد عن الوصول إلى اتفاق، ثم فجأة يتبين أنه سيكون بخصوص انسحاب قوات النظام من طريق الكاستيلو، ومنع طائراته من تجاوز حدود محافظة حماة، وأشياء من هذا القبيل.
وفي النهاية، تفشل المفاوضات، حتى في الوصول إلى اتفاق على نقاطٍ كهذه، إنها إذاً حلول السقوف الواطئة، وأقصى ما يحق للسوريين أن يحلموا به هو حلول كهذه، أي وقف لإطلاق النار في منطقة محدّدة، أو فك اشتباك القوات في حي ما، والسماح بوصول الدواء والخبز إلى حي آخر. ويبدو أن قدر السوريين هذا نهائي، وأن عليهم أن يعيشوا هذه الحرب سنواتٍ طويلة، وأنهم إذا ما أرادوا أن يخففوا من حجم مأساتهم، فما عليهم سوى أن يتأقلموا مع هذا الواقع الأليم، ويتعاملوا معه كأنه الحياة الطبيعية.
كل ما يبدر عن العالم بخصوص هذه الأزمة من شهور ليس سوى تمضية للوقت، من دون أي اكتراثٍ حقيقيٍّ بإيجاد حلول، ولا أحد مستعد لبذل جهد جدّي، أو تقديم تنازلٍ في جزء صغير من مصالحه الذاتية، من أجل الشعب السوري، فكل القوى الدولية والإقليمية باتت لها مناطق نفوذ في الأراضي السورية، تحقّق لها مصالحها وتخدم مخططاتها على حساب الوطن السوري والمواطنين السوريين، والوقت الذي يمر يفعل شيئاً واحداً فقط، يثبّت مناطق النفوذ هذه، ويحولها إلى واقع نهائي.
قدمت الهيئة العليا للتفاوض، في المؤتمر المصغر لوزراء خارجية أصدقاء سورية، رؤيتها للحل السياسي للأزمة السورية، وهو كلام يتكرّر منذ خمس سنوات، من دون أي انعكاس واقعي له. وهو من وجهة نظر ثوارٍ كثيرين في الداخل من مقاتلين ومدنيين، تراجع عن مطالب الشعب السوري، وتخفيض لسقف المطالب. ومع ذلك، لا إمكانية لتطبيق هذه الرؤية السياسية على الواقع، لأنها تنطلق من أرضيةٍ لم يعد لها وجود، وهي أرضية أن سورية دولة واحدة، يمكن لأبنائها، موالين ومعارضين، أن يتفقوا على حلٍّ من نوعٍ ما. وتعود هذه الرؤية في جذرها أربع سنوات إلى الوراء، يوم لم يكن على الأراضي السورية قوى عسكرية مباشرة تتبع لست أو سبع دول، وفصائل محلية ترتبط بدول أخرى، فالسقف المنخفض للرؤية السياسية القائم على مرحلة تفاوض، ثم مرحلة انتقالية من سنة ونصف السنة، ثم انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية، تفترض أن يسحب الروس طائراتهم والإيرانيون قواتهم، وحزب الله مقاتليه، وتركيا دباباتها، وتزيل أميركا قواعدها الجوية، وتفكّك "الدولة الإسلامية" نفسها وتعلن إنهاء الخلافة، وتغير جبهة النصرة رأيها (مثلما غيرت اسمها) وتتوقف عن السعي إلى إقامة خلافةٍ أخرى غير خلافة البغدادي، وتوافق على سورية "علمانية تعددية ديموقراطية". وقبل ذلك أن يوافق نظام الأسد على تسليم السلطة لمجلس انتقالي توافقي، ثم لمجلس منتخب، وهو الأمر الذي قتل النظام مئات الآلاف من السوريين، ودمر نصف البلاد، لكي لا يفعله، لكنه سيقبل به الآن، لأن الهيئة العليا للتفاوض طرحته على شكل رؤية متكاملة، وقدمه رئيسها، رياض حجاب، أمام وزراء خارجية "أصدقاء سورية".
بعض الطروحات، مثل الاتفاق الذي تفاوض عليه الوزيران، الأميركي كيري والروسي لافروف، يمكن تسميته اتفاق السقف المنخفض. ولكن، هناك طروحات أخرى يمكن اعتبارها أكثر انخفاضاً، (حتى لو كان مضمونها مرتفعاً) لأنها غير قابلة للتطبيق، ولا تتناسب مع الواقع الميداني. وبناءً على ذلك، فإن كل ما يطرح الآن بخصوص الأزمة السورية هو أفكار تحت سقف واطئ، والسوريون يحتاجون حلولاً تصعد بهم إلى السماء.

A78EE536-6120-47B0-B892-5D3084701D47
علا عباس

كاتبة وإعلامية سورية