تعاملت كافة المواقع ووسائل الإعلام الإيرانيّة، بمختلف انتماءاتها، مع خبر وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز كخبر رئيسي، فالجميع في إيران يدرك أنّ الرياض هي الخصم الإقليمي الأول لطهران، وأنّ أي تغييرات فيها تعني بلدهم بشكل مباشر.
وعلى الرغم من اختلاف الآراء إزاء التعيينات الجديدة داخل البيت السعودي، لكنّ الجميع في طهران يعلم أنّ الخصومة بين البلدين لن تتوقف، على الأقل خلال الفترة المقبلة. فالخلاف بين البلدين إيديولوجي وينعكس على كلّ الملفات الإقليمية التي تتباين آراء الطرفين إزاءها.
وفي موازاة تركيز صحيفة "مردم سالاري" الإصلاحية، في عددها الصادر أول من أمس على رسائل التعزية التي وجهها كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني للمملكة، اعتبرت أن الإصلاحات المطلوبة في الداخل السعودي وفي المواقف إزاء قضايا الخارج، لن تتغير إلا بعد قدوم جيل جديد إلى الحكم، يتمثل بأحفاد الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، في إشارة من الصحيفة إلى أنّ التغييرات الحالية قد لا تعني الكثير بالنسبة لإيران.
وتبقى السعودية، وفق إحدى مقالات الصحيفة، المنافس الأول لإيران في المنطقة، وتشير إلى أنّ البلاد ستستمر بدعم جبهات "محور المقاومة" في كل من لبنان وسورية وحتى العراق، لمواجهة المحور المضاد الذي تدعمه الرياض.
وتقلّل صحيفة "كيهان" المتشدّدة، والتي كانت تنتقد سياسات الملك عبد الله باستمرار وتعتبرها المسبّب الأساس للتوتّر في المنطقة، من تداعيات وفاة الملك السعودي سياسياً. وتقول في افتتاحيتها، بقلم سعد الله زارعي، إنّ الأمر سيّان بالنسبة لإيران، فالرياض تبقى الابن البار للولايات المتحدة الأميركية والتي حرصت على ترتيب البيت السعودي، بما يتوافق ومصالحها حتى قبل وفاة الملك عبد الله. وتعتبر أنّ الرياض هي من تمثّل القدرة الأميركية في المنطقة، حيث تعمل على حفظ مصالحها السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة وتتحكم بمخالفي واشنطن في المنطقة.
وتذهب الصحيفة إلى حدّ توقّع نشوب خلاف من شأنه أن "يزعزع البيت السعودي عاجلاً أم آجلاً"، وترى أنّ "المعركة على تولي زمام الأمور في المملكة كبيرة رغم كل التوازن الذي تم الترويج له خلال جنازة الملك الراحل، فالمرحلة المقبلة، أي مرحلة ما بعد الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده مقرن بن عبد العزيز، ستشهد تسليم السلطة إلى الجيل الثالث، وسيبدأ الصراع بين أحفاد الملك المؤسس.
ومع ذلك، ترى الصحيفة أن تسلّم الملك سلمان للحكم الآن، يبقى أقل حساسية وأقل خطورة من تسلّم غيره، لكن يبقى ولي العهد مقرن بن عبد العزيز شخصيّة تبعث على الترقّب والحذر.
أما صحيفة "جمهوري إسلامي" المحسوبة على تيار رفسنجاني، الشخصيّة الإيرانيّة المعتدلة والأقرب للرياض وحاملة راية ضرورة التقارب معها على العلن رغم كل الخلافات، فنقلت المواقف الدولية والإقليمية تعقيباً على وفاة الملك، لكنها ركزت كذلك على أن الملك الحالي ينتمي للجناح السديري، الذي كان على تباين مع الملك عبد الله.
ويدرك الإيرانيون أنّ السعودية ستستمرّ في سياساتها الإقليميّة العامة، فالمعطيات الحالية قد تستدعي أخذ مواقف أكثر حسماً، ولا سيّما في اليمن، وهذا سيكون بتوحيد الجبهات المضادة للحوثيين. وفي وقت كانت تجري فيه الترتيبات للإعلان عن وفاة الملك عبد الله، استقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من منصبه وتقدّم الحوثيون في اليمن، وهو ما يعني أزمة بالنسبة إلى الرياض وخطوة لصالح إيران. كما قد تستدعي الأحوال في دول أخرى في المنطقة، اتخاذ قرارات قد لا تعجب طهران، التي وجّهت وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى الرياض في خطوة نوعية، للمشاركة في مراسم العزاء للملك الراحل.
ويعتبر رئيس تحرير القسم العربي في وكالة أنباء "مهر" الإيرانية، حسن هاني زاده، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أنّ "التغييرات الإقليمية هي التي تحكم العلاقات الإيرانيّة السعوديّة"، معتبراً أنّ "الخلافات بين الطرفين كبيرة وأن زيارة ظريف للمملكة رغم أنها نوعيّة، لكنها لن تستطيع تقليص الهوة بين الطرفين بالقدر الذي ترغب به الحكومة الإيرانيّة الحاليّة".
ويعرب عن اعتقاده "برغبة حكومة روحاني في حدوث تقارب، بات ضرورياً بالنسبة إليها مع وجود تحدٍّ جديد وضعته الرياض أمامها كحجر عثرة، وهو انخفاض أسعار النفط بشكل كبير، لكن هناك محددات كثيرة تعترض هذا الأمر، وتتعلق أساساً بالمواقف التي لن تختلف إزاء قضايا استراتيجيّة، منها ما يجري في سورية على سبيل المثال، وثانيها اعتراض المتشددين من كلا البلدين على تقارب من هذا النوع"، على حد تعبيره.
من جهته، يضع رئيس تحرير موقع "إيران ديبلوماتيك"، عماد ابشناسان، زيارة ظريف للتعزية في سياق "نقل حسن نيّة" بلاده إزاء الرياض، لكنّه يرى، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أنّ الأمر "سيبقى معتمداً على الإرادة السعوديّة، وعلى الرغبة بتحويل هذا التنافس إلى شراكة في ترتيب الأوراق الإقليميّة".
ويشير ابشناسان إلى أنّ "المفاوضات النووية والتي يقودها ظريف قد تكون مفتاحاً لحلّ بقية الأمور في ظلّ تعقّد الأوضاع على الحكومة المعتدلة". ويضيف: "في حال اقترب الوفد المفاوض من توقيع اتفاق نووي، فهذا يعني تقارباً إيرانياً أميركياً محتملاً، وهو ما سينعكس إيجاباً على العلاقات مع الرياض، وتحاول الحكومة الحالية الاستفادة من هذه الورقة قدر الإمكان".
يبقى أنّ المعطيات الإقليمية الراهنة وتلك الموجودة في الداخل الإيراني، وحتى السعودي، تنقل أنّ إمكانيّة التوافق بين طهران والرياض تكاد تكون معدومة، وطالما استمرت المفاوضات بين طهران وواشنطن على الملف النووي كما ينقل المسؤولون الإيرانيون، فهذا يعني استمرار الأزمة ولا سيما أنّ كلا البلدين يجلسان في زاويتين متقابلتين في وقت تحولت فيه ساحة الصراع في العديد من البلدان إلى ساحة تنافس إيرانيّة سعوديّة، قد يصعب تحويلها إلى ساحة شراكة لترتيب الأوراق حتى مع التغييرات في السعودية.