السعوديون في موسكو

22 يونيو 2015

محمد بن سلمان وبوتين في سانت بطرسبورغ (18يونيو/2015/Getty)

+ الخط -
قدرت لي العودة إلى المملكة العربية السعودية، بعد غياب طويل في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وقدر لي مقابلة قيادات سامية وثلة من المستشارين، وكانت الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفييتي على أشدها، وليس سراً أن مقاتلين/ مجاهدين من دول عربية وخليجية، كانوا مشاركين في تلك الحرب ضد الشيوعية وجيشها السوفييتي، إلى جانب جمع التبرعات المالية من دول وأفراد في الوطن العربي، دعماً للمجهود الحربي هناك. 
في تلك اللقاءات، جرى حديث مطول عن الحرب الدائرة في أفغانستان، وكان رأيي، أنها لن تعود بالنفع على الوطن العربي، وأن عواقبها وخيمة، وعلى العرب أن لا يدخلوا في حروب تصفية حسابات بين القوى العظمى (الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة الأميركية) تذكيراً بحرب فيتنام. وقلت، إن الحرب ستنتهي لصالح الأميركان في المنطقة، لكننا في الخليج العربي سنخسر كثيراً. لم يوافقني أحد على ما قلت، وكانوا يجمعون على أن الخليج والعرب سيكونون في أمان، بعد خروج الشيوعيين من أفغانستان.
عدت لزيارة المملكة العربية السعودية (لأداء العمرة) منتصف عام 1991، وقدر لي مقابلة من قابلتهم في زيارتي الأولى، ودار الحديث، إلى جانب مواضيع أخرى، عن الحرب الدائرة في أفغانستان ونتائجها، وقدمت مقترحاً لمن قابلت بأن هناك فرصة ثمينة لا تعوض، وهي استقطاب العلماء المسلمين الذين يعملون في مجال التصنيع العسكري، قبل أن تختطفهم الدول الغربية، ترغيباً أو ترهيباً. وقلت أيضاً إنه يمكن، الآن، اندفاع رأس المال العربي السعودي/ الخليجي نحو الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، والاستفادة من الضعف لتحقيق أهداف استراتيجية كبرى. ومرة أخرى، ضاعت الفرصة منا، واستفادت منها الدول الغربية وإيران بكل معنى الكلمة.
(2)
والحق أن الدبلوماسية السعودية، لم تلتفت نحو الاتحاد السوفييتي طوال عقود، على الرغم من وقوف الاتحاد السوفييتي إلى جانب قضايانا العربية، ولم تهتم بروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وقد قدمت نقداً صريحاً للسياسة الخارجية في منتدى الجنادرية في الرياض، مبيناً تجاهلها القوى العالمية اللاعبة في النسق الدولي، وكذلك الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
اليوم، وفي ظل قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، اتجهت الدبلوماسية السعودية نحو الانفتاح على المجتمع الدولي، وراحت تعيد فتح الأبواب والنوافذ لدبلوماسية سعودية حية، من اليمن إلى تركيا إلى دول العالم الإسلامي عامة، ورأينا الاستجابة لتلك الدبلوماسية الحية في نصرة المملكة، عندما دعت إلى تحالف عربي وإسلامي ضد الباغين على اليمن الشقيق.
(3)
في ظل دبلوماسية سعودية خارجية حية، ونتيجة لها، جاءت زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ووزير الدفاع في المملكة العربية السعودية سانت بطرسبورغ. سبقتها اتصالات هاتفية بين العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منذ أبريل/نيسان الماضي، أعقبها اجتماع بين الملك سلمان وموفد من الرئيس بوتين إلى الرياض، في 27 مارس/آذار الماضي. وجاء اختيار الأمير محمد بن سلمان ليقوم بالمهمة في روسيا ذا دلالات خاصة، فالأمير أقرب إلى فكر والده الملك سلمان، ويعرف ما يجول في عقله، وهو الأقرب إلى قلبه، ولأن رسول الرئيس بوتين إلى الملك كان أقرب إلى فكر الأول، فهكذا تم اختيار الأمير محمد رسولاً إلى بوتين من والده الملك.
تفيد المعلومات من موسكو أن اجتماع الرئيس بوتين بولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، دام أكثر من مائة دقيقة، وهو أطول اجتماع عقده بوتين مع أي مسؤول سعودي منذ توليه قيادة الاتحاد الروسي في المرتين، ما يدل على أن العلاقات بين الرياض وموسكو في تحسن مضطرد، وقد قدمت دعوة إلى الرئيس الروسي بوتين للزيارة، كما وجهت الدعوة إلى الملك سلمان لزيارة موسكو، وسوف تحدد مواعيد الزيارتين لاحقاً.
(4)
كانت نتائج تلك الزيارة إيجابية على كل الصعد، فهناك ما يزيد عن ألف طالب سعودي في الجامعات والمعاهد الروسية، وتقرر زيادة أعداد المبتعثين إلى روسيا، وتم توقيع اتفاقيات بين السعودية وروسيا الاتحادية في مجال الاقتصاد والتصنيع العسكري والنووي السلمي والغاز والبترول، ومنحت الرياض الأولوية لموسكو لبناء المفاعلات النووية الستة المتفق عليها. وتأتي هذه الاتفافيات الاقتصادية في ظروف مواتية لموسكو، إذ إن الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية يفرضون حصاراً اقتصادياً على روسيا الاتحادية، لأسباب ما تفعله روسيا في أوكرانيا. ولا شك في أن الانفتاح السعودي على موسكو لا يريح المجموعة الغربية وأميركا. وأتمنى أن تنضم دول مجلس التعاون إلى منظمة شانغهاي ومنظمة البريكس، ولو بصفة مراقب في بادئ الأمر، وفي تقدير الكاتب، إنه سيكون مفيداً لو منحت روسيا قاعدة بحرية على مياه البحر الأحمر أو الخليج العربي، فذلك القرار سيجذر لعلاقات أقوى مع موسكو وضمانات أمنية لدول مجلس التعاون الخليجي، وسيغير الموازين في منطقة الشرق الأوسط لصالح دول المجلس، والسعودية تحديداً.
وقال الأمير محمد بن سلمان في ختام زيارته سانت بطرسبورغ "نرى في روسيا واحدة من أهم الدول في عالمنا المعاصر، وعلاقتنا ستدخل التاريخ". هذا بيان للناس، فهل أدرك بعضهم أنه يمكننا إيجاد حلفاء وأصدقاء إذا امتنع الآخرون عن الوقوف معنا، لمواجهة المتربصين بنا؟
آخر القول: نحن في أمس الحاجة، اليوم، للانفتاح على الجبهة الداخلية، وتثبيت قواعدها، بقدر الانفتاح على الخارج، فلا ضمان ولا أمان بدون جبهة داخلية محصنة، قائمة على العدل والمساواة، وإشراك الناس في أمر مستقبلهم وقهر الفساد والمفسدين.

EC78868B-7E9C-4679-9EB1-42A585C1A75D
محمد صالح المسفر

كاتب وباحث من قطر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، له عدة بحوث ومقالات وكتب.