السعودية وركلات الحزم
يصفع المسؤول الكبير مصوراً صحافياً، فيصدر أمر ملكي عاجل بإقالته من منصبه، وتفيض مواقع التواصل الاجتماعي، على شبكة الإنترنت، لا سيما في السعودية، مسرح الخبر المثير، بعشرات ألوف التعليقات المبتهجة، والمتفائلة بالتغييرات والتحولات التي تعيشها البلاد، والمنطقة عموماً، منذ أن تولى الملك سلمان مقاليد الحكم، وقدم ما يشير إلى أنه سيكون آخر الملوك من أبناء عبد العزيز آل سعود، إيذاناً ببدء زمن أبنائهم الشباب، نسبياً، ووجههم الأبرز، الآن، ولي العهد الأمير محمد بن نايف.
لن ينبش الكثيرون، هنا، أي في السعودية نفسها، جروح الماضي الذي يتهاوى، أمام أعينهم. وقد يكظمون، ومعهم عرب كثر، آلام ما تلقوا، في السابق، من صفعات وخيبات كثيرة، احتراماً، ربما، لحرمة موت فاعليها، أو خوفاً من بعض أشباحهم الباقية على مسرح الحدث، وفي القلوب، غير أن الفرح، وإذ يبلغ التعبير عنه حد إطلاق "التغريدات" الشامتة بـ"صاحب الصفعة" الذي تلقى "ركلة" أخرجته من الديوان الملكي، سيبدو كافياً ليكشف عطش الناس، في هذه البقعة من العالم، إلى العدل والكرامة الإنسانية، إنْ على المستوى الشخصي المتعلق بهم مواطنين، أو على المستوى السياسي المتعلق بمكانة أوطانهم في محيطها الإقليمي.
وتأسيساً على مثل هذا الفهم، لا يمكن النظر إلى رد الفعل الفوري على الصفعة إياها، سوى باعتباره ملمحاً داخلياً بسيطاً، للمتغيّرات التي عبّرت عن نفسها، خارجياً، بانتهاج سياسة سعودية جديدة، تطوي صفحة عجزٍ طال أمده، لتفتح صفحة حزم تبشّر بتصحيح الأخطاء التاريخية، وأشدها خطراً "ترك الحبل على الغارب" أمام التغوّل الفارسي الذي ابتلع، أو كاد، أربعة بلدان عربية، وبات نفوذه يمتد من سورية ولبنان على ساحل البحر المتوسط، إلى العراق، وحتى شواطئ اليمن على بحر العرب.
سيلزم، قطعاً، انتظار بعض الوقت، قبل إطلاق الأحكام على عمق التحولات السياسية التي تمر فيها السعودية، ومدى نجاحها في إحداث تغيير جدي ينقل البلاد وأهلها خطوات إلى الأمام على طريق الحداثة، ويعيد التوازن الإقليمي إلى المنطقة كلها. لكن التريث لا يمنع من رصد مؤشرات أوليةٍ إيجابية، لعلّ أكثرها وضوحاً ما أشاعته "عاصفة الحزم" من أجواء تفاؤل في أوساط العرب، تتعدى حدود الهم اليمني، والخليجي، لتظلّل سورية، وإلى حد ما ليبيا، بينما تقابلها مشاعر إحباط وبوادر خلافات وانقسامات معلنة، فضلاً عن هزائم عسكرية، في أوساط الحلف الإيراني، المتلحف علناً بالأردية المذهبية والطائفية.
نحلم بـ"عاصفة حزم" تقتلع نظام بشار الأسد، قال مئات ألوف السوريين، وهم يرون طائرات التحالف العربي تدك مواقع الحوثية السياسية الموالية لإيران، في اليمن، فبدوا كأنهم يفرطون في التفاؤل، ويبالغون في الرهانات غير المحسوبة على معطيات الواقع، قبل أن يتكشف ما قد يكون استجابة غير معلنة رسمياً بعد، ولها شكلها المختلف، باندفاع قوى المعارضة المسلحة إلى توحيد صفوفها، في ما سمته "جيش الفتح"، لتتمكن بـ"ركلات حزم" متتالية من دحر قوات النظام والمليشيات التي تحارب إلى جانبه، عن مناطق واسعة في إدلب وجسر الشغور وريف درعا والقنيطرة، وهو ما أفرز مخاوف واسعة بين أنصار ما يسمونه "حلف المقاومة والممانعة" من احتمال إقدام إيران، وقد أصابها الإنهاك وتكشفت محدودية قوتها، على التضحية بحليفها بشار الأسد، في إطار تسوية إقليمية، قد تذهب إليها كارهة، تحت ضغط المتغيّرات التي سيفرضها التحالف العربي، في سورية، بالتنسيق مع تركيا، ونزولاً منها عند متطلبات والتزامات اتفاقها الوشيك مع الغرب في شأن مشروعها النووي.
بالركلات، على الأرجح، ودونما حاجة للعواصف، قد يخرج بشار، من حكم سورية، وبالركلات، يمكن، بالمناسبة، تصحيح مسار المنطقة كلها، من اليمن، إلى العراق، ومصر، وليبيا، شرط أن يبقى الحزم قرين العزم على التغيير.