كلها عوامل دفعت بالرياض إلى قطع علاقاتها مع إيران، والتوعد بمواجهة سياساتها في المنطقة العربية على حد تعبير وزير الخارجية السعودية، عادل الجبير. وعلى الأرجح، أدت ردود الفعل على إعدام النمر في الداخل الإيراني إلى تسريع القرار السعودي، ولعلّ أهم التصريحات الرسمية تلك التي جاءت على لسان المرشد الأعلى، علي خامنئي الذي اعتبر أن السعودية "ستدفع ثمن فعلتها هذه، وسيطاولها انتقام إلهي" على حدّ تعبيره، مطالباً المجتمع الدولي ودول العالم الإسلامي بتحمل المسؤولية إزاء ما يجري، بحسب ما نقلت عنه المواقع الرسمية الإيرانية، أمس الأحد.
وسبق تصريحات المرشد، صدور دعوات موجّهة للخارجية الإيرانية من قبل مجلس الشورى الإسلامي القادر على تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي السعودي في البلاد، بإخضاع الملف لتصويت برلماني، وهو ما لم يعد له قيمة بعد قرار الرياض قطع العلاقات مع طهران.
وعلى الرغم من كل هذا التصعيد، حاولت حكومة "الاعتدال" الإيرانية بقيادة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، على الرغم من تنديدها بحكم الإعدام، أن تحتوي الأمر، من خلال اعتقال مقتحمي السفارة، ومطالبة الخارجية الإيرانية مواطنيها بالتزام الهدوء وعدم التعرض للسفارات والدبلوماسيين. كما نفت الخارجية في بيان رسمي صدر، أمس الأحد، أن تكون الرياض قد طردت سفير البلاد، ليل السبت. وعاد روحاني وحذّر من مغبّة حصول توتر طائفي جديد في المنطقة بسبب الإجراءات السعودية الأخيرة.
اقرأ أيضاً يوم إعدامات السعودية: استنفار في المملكة وخارجها
المشهد الفعلي القائم اليوم، ناتج عن تراكمات سابقة. لم ينس الإيرانيون حادثة التدافع في مشعر منى، أثناء أداء مناسك الحج قبل أشهر معدودة، والتي أودت بحياة مئات الإيرانيين، منهم دبلوماسيون ومسؤولون وأبرزهم سفير إيران السابق في لبنان، غضنفر ركن أبادي. واتهم الإيرانيون حينها، المملكة بالتقصير في الإعلان عن نتائج تحقيقات حادثة التدافع، فضلاً عن التأخر في تسليم جثامين ضحايا الحادثة. بل وتحدثت طهران بشكل رسمي عن سيناريوهات خطف واعتقال، وهذا قبل الكشف عن مصير المفقودين من ضحايا منى. وانتقل التوتر إلى الشارع الإيراني، ووصل إلى ذروته في ذلك الوقت.
وقبل حادثة منى، تعرّض شابان إيرانيان في مطار جدّة لتفتيش وصفته المواقع الإيرانية بـ"المهين"، فرفعت الخارجية الإيرانية قضية في محكمة سعودية وطالبت بمحاسبة شرطيين سعوديين. كما رفضت السلطات السعودية هبوط طائرة إيرانية مدنية تحمل على متنها 250 معتمراً إيرانياً، وقالت السعودية عن الأمر، إن الطائرة لم تحصل على الإذن والتصريح المطلوب. وأدى ذلك، إلى تعليق إيران لرحلات العمرة للمملكة منذ شهر أبريل/نيسان العام الماضي. واستؤنفت الرحلات مع بدء موسم الحج الماضي، الذي انتهى بكارثة منى وتوتر جديد.
وفي الفترة الماضية، بات استدعاء القائم بالأعمال السعودي، أحمد المولد، العائد إلى بلاده مساء أمس الأحد، إلى الخارجية الإيرانية، أمراً اعتيادياً.
وتلقي الظروف الإقليمية بظلالها الثقيلة على هذه العلاقات الثنائية. فالخلاف الإيديولوجي أولاً، لا يُخفي أنّ كلاً من طهران والرياض أصبحتا تتزعّمان قطبَين متصارعَين في معظم ملفات المنطقة. عاصفة الحزم في اليمن وضرب مواقع للحوثيين المدعومين من إيران، والموقف المتباين مما يجري في سورية، كلها ملفات إقليمية تفتح ساحات صراع كبرى بين البلدين، لكن خارج حدودهما. إلّا أن البعض يتحدث عن مواجهة إيرانية ــ سعودية محتملة بعد اقتحام السفارة، إما في الداخل السعودي، في حال اشتدت الاحتجاجات هناك على أحكام الإعدام بحق النمر، وهو ما تحدثت عنه صحف إيرانية، أو بتشديد دعم إيران للحوثيين في اليمن ولبقية حلفائها خارج اليمن.
المعايير التي تحكم العلاقة بين طهران والرياض اختلفت خلال السنوات الماضية. فإيران قبل "الثورة الإسلامية"، والتي كانت تحرص على علاقة إيجابية مع المملكة لتشكيل جبهة ضد العراق المدعوم من السوفييت حينها، اختلفت بعد تأسيس جمهوريتها الإسلامية. وعلى الرغم من أنّ العلاقات شهدت تحسناً نسبياً بقيادة عرّابها، أكبر هاشمي رفسنجاني خلال دورته الرئاسية، لكن الظروف الإقليمية والخلاف الإيديولوجي بات يحكم معادلة العلاقة بينهما أكثر.
ومع أن تيار الاعتدال يقود السياسات الخارجية الآن، ورغم الحديث قبل أيام عن فتح قنوات تماس إيرانية سعودية للتفاهم على ملفات المنطقة، يبدو أن الخلاف بات أثقل بكثير من سياسة انفتاح الحكومة الإيرانية الحالية، والتوقعات تصبّ لصالح توتر أكبر في المنطقة طالما أن أي تسوية إقليمية تحتاج اتفاق الطرفَين المتنازعَين وقد باتا اليوم بلا علاقات دبلوماسية في أسوأ أزمة بينهما منذ الحرب العراقية ــ الإيرانية ربما.
اقرأ أيضاً: إيران تصعّد بعد إعدام النمر ... وشقيقه يدعو لـ"الهدوء"