السعودية وأميركا وبينهما قانون "جاستا"

14 سبتمبر 2016
+ الخط -
مرّر مجلس النواب الأميركي، قبل أيام، قانوناً يتيح لعائلات ضحايا أحداث "11 سبتمبر" 2001 مقاضاة المملكة العربية السعودية، تحت ما يُعرف بـ "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"، والذي يتم اختصاره بقانون "جاستا" JASTA، وهو الذي كان مجلس الشيوخ قد وافق عليه بالإجماع في مايو/ أيار الماضي، قبل إحالته إلى مجلس النواب.
لن يصبح القانون نافذاً إلا بعد موافقة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عليه خلال فترة لا تتجاوز شهرين. وقد صدر القانون قبل أيام قليلة من الذكرى الخامسة عشرة للأحداث المروّعة، التي راح ضحيتها ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص في الولايات المتحدة، ناهيك عن آلاف الضحايا الآخرين الذين سقطوا في أفغانستان والعراق بعد شن الحرب عليهما من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما غيّر وجه العالم، وأعاد تعريف ثوابت السياسة الخارجية الأميركية مذّاك.
من الناحية الإجرائية، يحق للرئيس أوباما تعطيل صدور القانون، باستخدام حق "الفيتو" الذي كفله له الدستور، وهو ما يراه بعضهم وارداً، خوفاً من تداعيات ذلك على العلاقات بين واشنطن والرياض. وكانت الأخيرة قد هدّدت ضمناً، حين وافق مجلس الشيوخ على مشروع القانون في مايو/ أيار الماضي، بسحب مليارات الدولارات التي تضخها في الاقتصاد الأميركي، سواء في شكل استثمارات أو سندات حكومية، وذلك قبل أن يصرح وزير الخارجية، عادل الجبير، لوكالة رويترز، إن ما قيل ليس تهديداً، وإنما تحذير بتداعيات هذا القانون على "ثقة المستثمرين في الولايات المتحدة".
ينص مضمون القانون على أحقية المحاكم الأميركية في محاكمة الدول، التي تستهدف التراب الأميركي أو المواطنين الأميركيين في الخارج، كما يسمح لعائلات ضحايا اعتداءات "11 سبتمبر" برفع قضايا في المحكمة الفدرالية ضد حكومات أجنبية كالسعودية، والمطالبة بالتعويض في حال ثبتت مسؤولية هذه الدول عن الهجمات. وقد ظل القانون في حالة مراوحةٍ ونقاشٍ داخل أروقة الكونغرس طوال السنوات الماضية، ولم يتم تمريره إلا بعد ضغوط كبيرة من أهالي ضحايا أحداث سبتمبر ومحاميهم، كما ساهم في إنضاجه الموسم الانتخابي الساخن في الولايات المتحدة، ورغبة المشرّعين الأميركيين في إرضاء دوائرهم الانتخابية.
ينطوي القانون، في حال نفاذه، على أبعاد قانونية وسياسية خطيرة، فمن الناحية القانونية، يوفّر غطاء قانونياً لكل من يريد مقاضاة أية دولةٍ أو حكومةٍ أمام المحاكم الأميركية، واتهامها بالتورط في مقتل أميركيين، داخل أميركا وخارجها. وهو ما يمثل خروجاً عن المألوف والمستقر في العلاقات الدولية والقانون الدولي الذي يمنح الدول والحكومات ومسؤوليها حصانةً سياديةً، تمنع من مقاضاتهم خارج بلدانهم، إلا إذا تورّطوا في جرائم حرب. كما أن القانون الدولي الإنساني يكفل بالفعل محاكمة المتورّطين في أية أحداث إرهابية، وهو ما يتم في إجراءات وتدابير معقدة بعيداً عن القضاء المحلي.
سياسياً، يبدو الأمر أكثر تعقيداً، سواء لجهة تداعياته علي العلاقات بين واشنطن والرياض، أو
لجهة استغلاله من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الحملة الانتخابية الجارية، فعلى الرغم من أن القانون لا ينص على دولٍ أو حكومات بعينها، لكنه يبدو أنه يستهدف السعودية تحديداً، نظراً للادعاءات المستمرة بتورطها رسمياً في أحداث "11 سبتمبر". وعلى الرغم من أن تقرير لجنة المحققين في تلك الأحداث، بما في ذلك الثماني وعشرين ورقة التي لم تنشر في التقرير الأول قبل نشرها أخيراً، لم يشر إلى وجود تورط سعودي رسمي، أو إلى علاقة بين المهاجمين الذين شاركوا في الأحداث وأي مسؤول سعودي، إلا أن ثمة إصراراً لدى ذوي الضحايا، وبعض الساسة والمحامين الأميركيين، على وجود مثل هذا الدور، وهو ما يثير أسئلةً كثيرة خلف هذا الإصرار.
وفي ظل التوتر المكتوم، الذي تعرفه العلاقات السعودية-الأميركية، فإن صدور مثل هذا القانون بشكل نهائي سوف يزيد من التوتر، ويدفع العلاقات نحو مصير مجهول، خصوصاً إذا رفع بعض أهالي الضحايا قضايا على المملكة أمام المحاكم الأميركية. ولا يفيد في ذلك قول السيناتور، تشارلز شومر، الذي اقترح القانون إن "على المملكة أن لا تقلق، طالما أنها غير متورطة". كما أنه لا يمكن إغفال البعد الانتخابي في صدور القانون، فمن الواضح أن ثمّة توظيفاً من محامي ضحايا "11 سبتمبر" للأجواء الانتخابية الساخنة، من أجل الضغط على البيت الأبيض لتمرير القانون، مثلما كانت هي الحال مع أعضاء الكونغرس، فبعد أقل من شهرين سوف تُجرى ليس فقط الانتخابات الرئاسية الأميركية، وإنما أيضا انتخابات الكونغرس، ويسعى كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، إلى الفوز بأغلبية المقاعد. ولذا، كان إجماع بين مجلسي الكونغرس على تمرير القانون، وإرساله إلى الرئيس أوباما. وكان من الصعب على أي عضو يريد إعادة انتخابه في الكونغرس أن يعترض على قانونٍ كهذا، حتى لا يخسر مقعده الانتخابي.
وعلى الرغم من هذه الضغوط، من غير المتوقع أن يمرّر الرئيس أوباما القانون، وقد يستخدم حق الفيتو لتعطيله، وإعادة إرساله إلى الكونغرس بغرفتيه. وفي هذه الحالة، يكون على الكونغرس أن يعيد التصويت على القانون، وإذا حاز أغلبية الثلثين يصبح نافذا. وهو ما سوف يضع الرئيس أوباما في حرجٍ كبير، إذ لا يريد أن ينهي فترته الرئاسية الثانية (والأخيرة) بتوتر آخر في الشرق الأوسط، وذلك ما لم يفاجئ أوباما الجميع، وهو كثيراً ما فعل ذلك في سياقاتٍ أخرى، ويقوم بتمرير القانون ليس فقط مسألة أخلاقية، حسبما يرى أميركيون، وإنما أيضا خطوة لتعزيز حظوظ زملائه في الحزب الديمقراطي، خصوصاً المرشحة الرئاسية، هيلاري كلينتون.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".