السعودية فاطمة المحسن: معرض "موشور" حافز حاسم

26 يوليو 2016
من أعمال السعودية فاطمة المحسن(العربي الجديد)
+ الخط -

دشَّنت الفنانة التشكيلية فاطمة المحسن، الأسبوع الماضي، معرضها الشخصي الأول في الرياض تحت عنوان "موشور". في لقاء أجرته "العربي الجديد" تحدثت المحسن قائلة: "موشور" حافزٌ حاسم بالنسبة لي، ويأتي كلقاء أول بعد تجربة طويلة لم تحظَ بالكثير من الفرص. أما عن طبيعة الاسم، فتقول المحسن إنه قادم من الاحتفاء بالوجود الإنساني كأعظم تفصيل يلفت الانتباه في الطبيعة، وتضيف: أحلِّل من خلال أعمالي الانفعالات إلى هيئات لونية، لذلك كلّ رسام بالضرورة هو "موشور حي".

أما عن اللوحات الموجودة في المعرض، فتقول المحسن: في المعرض 15 بورتريهًا ناطقة بالإكريليك والزيت والرصاص، تتفاوت بين شفافية لونية لا تقع في فخ السذاجة، وبين ثقل لوني لا يصل حد الثرثرة والصخب، يبطن اللوحات جو متآلف من ألوان منتقاة بعناية فائقة. أما عن الإقبال، فوصفته بـ"الإقبال الرائع" في اليوم الأول، متمنيةً أن يتواصل بهذا الشكل.

تعتقد المحسن أن أعمال الفنان تقوم بدور الانعكاس لمشاعره، تأملاته الخاصة، معاناته، وقصص الحياة، وإعارتها إلى أعماله الفنية، من هنا فإننا نشعر بأن ما يمكن التعبير عنه بروح الفنان تتسرَّب إلى لوحاته وقطعه الفنية، ومن هنا فإن الفنانة المحسن تؤكد بأن السيرة الذاتية للرسام موزَّعة بالتساوي على لوحاته، وهي من هذا المنظور ترى أن كل لوحاتها تحمل الأهمية ذاتها.

يعرض أحد الأعمال لوحةً لعيني رجل وامرأة، يربطهما خيطٌ دقيق وسط اللوحة تقف عليه ظلال لأجسام بشرية، يمكن للملاحظ أن يستنبط أكثر من معنى من هذه اللَّوحة، فقد تستنبط منها لغزًا عاطفيًا يبدأ بالتأكيد على ضرورة انفتاح البشر على العلاقات الإنسانية، تلك الانفراجة التي يمنحها المرء لنفسه لتنفذ منها مشاعره إلى الغير، وصولاً إلى الحبيب. أو قل إنها تعبير عن دعوة كونية لتكاملٍ يستجيب له كلا الجنسين، أما الخيط الرفيع الموصول بالعينين فيعكس النَّفاذ إلى الأعماق شرطًا. سنقف طويلاً أمام لوحة كهذه وحديث نفس يصاحبه شعور بالنشوة والإلهام
قبل أن نقرر الانحياز إلى أحد التفسيرات، فالمعنى الذي تراه قد يترجمه آخرون بمعنى آخر، وهنا يكمن سحر الفن.

ترتكز أغلب اللوحات على تيمة الوجوه، كما يمكن ملاحظة تجسيد واضح لبعض الحيوانات إلى جانب الإنسان في بعض أعمالها الفنيَّة، السمك والقطط تحديدًا. في أحد أعمالها يبدو أحدهم قاعدًا على طاولة فيما يشخص ببصره نحو سمكة محلِّقة في الأعلى، في تجسيد يبدو أقرب إلى أشواق الإنسان وتطلُّعاته الدائمة إلى الحرية، كتلك التي تعيشها سمكة تسبح لا يوقفها شيء، في عالم مفتوح كالبحر. أيضًا نجد لوحة أخرى تعرض امتدادا لشعر أنثى طويل بذيل قطة سوداء إلى الخلف منها، تفتح عيناها بيقظة شديدة؛ هل تعكس القطة هنا توقّد الأنثى، حرصها الدائم، واحتكارها لأدق التفاصيل؟

وعند سؤالنا لها حول تقييمها للنشاط الفني في السعودية، قالت فاطمة المحسن إن الاهتمام بالنشاطات الفنية في المملكة متزايد ولا يمكن المكابرة فيه، لكنها تأمل من المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي في الدولة أن تساهم في تعميق المعرفة الفنية وتنميتها عبر دعم الحركة الفنية والرسامين الشباب.

ووسط السياقات الرقمية التي ينتجها البشر في عالم أكثر قربًا من ذي قبل، يجد الفنان نفسه وسط هذا الزَّخم متحفَّزًا أكثر إلى مشاركة الناس هذه المحاكاة التي يعيشها كل يوم مع أعماله. يجتهد بعض الفنانين في تعليم المتابعين أساسيات الرسم، ويبدأ معهم في كلِّ عمل في هيئة بثٍ حي لأعماله، وحتى ينتهي منها. بعضهم قرَّر أن ينفتح على الآخرين ويستلهم من هذه الأعداد الكبيرة من البشر قصصهم وأفكارهم حول الأعمال التي يتابعهم بها.

لم تفوّت الفنانة المحسن الفرصة التي تمنحها الوسائط الرقمية، وقرَّرت أن تتفاعل مع جمهورها عبر تطبيق التواصل الاجتماعي اللَّحظي الشهير "سناپ شات"، حيث تقول في هذا الصّدد: "سناپ شات" استجاب لتطلّعاتي؛ فهو نافذة لطيفة لعرض الأعمال الفنية بجودة جيّدة والاستماع لآراء الجمهور بشكل مباشر، كما أتاح لي متابعة خطوات العمل للكثير من الرسامين والرسامات ومعايشة الأحاسيس ذاتها والتجارب ذاتها.

"الفن جزءٌ أصيل في تكويني"، هكذا عبَّرت المحسن عن حضور الفن في شخصيتها، وتضيف: لا أتذكر فترةً في حياتي كانت بلا حد أدنى من الخلق الفنّي، أو هذا ما أحاوله، لأن الإبداع ليس إشكالاً تكنيكيًا يمكن بلوغه بقواعد آلية؛ بل يحتاج إلى التماهي مع الفن وحبّه والتلطُّف له. وهنا نستذكر عبارة شهيرة للفنان التشكيلي الإسباني الذي خلَّده التاريخ بابلو بيكاسو، عندما قال مرة "الفنُّ يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية"، هو كذلك إذن؛ فلطالما حاول الإنسان القديم اللّجوء إلى لغةٍ تعبِّر عن آلامه وآماله، وخلجات النّفس، معاناته ولحظات الفرح الغامر، ليجد الفن يظهر من بعيد ملوّحًا بيده، من هنا - وتحديدًا - كان التحالف الأبدي بينهما عبر الرسم على الرمل والطين فالنحت على الصخور والأشجار تاليًا، وصولاً إلى اليوم.

توجِّه المحسن نصيحتها للموهوبين الذين بدأوا للتو مشوارهم الفنّي، فتقول: الاستفادة من كل شيء دون تقنين وحصر أمر حتمي، وهذا يتطلَّب الكثير من المطالعة والتجريب. من ناحيةٍ أخرى، الفن فرصة لتجاوز حدود المتاح وبلوغ مرتبة إنسانية أعلى، وهذا يتطلب الإخلاص للنّفس وللغايات النبيلة.

دلالات
المساهمون