السعودية تسعى إلى وقف فوضى التمويل

20 يونيو 2015
شركات التمويل تنافس المصارف في السعودية (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

بدأت عدة جهات حكومية في السعودية باتخاذ قرارات وإجراءات جديدة تهدف لإعادة تنظيم قطاع التمويل في البلاد، وتوقع خبراء أن تدفع الأنظمة الجديدة بكثير من شركات التقسيط والتمويل الصغيرة إلى الخروج من السوق وتغيير نشاطها، خاصة مع انتهاء مهلة تصحيح أوضاع الشركات العاملة في هذا المجال بعد 4 أشهر لعدم قدرتها على تطبيق الأنظمة الجديدة.

وكانت مؤسسة النقد العربي السعودي (المصرف المركزي)، قد مددت مهلة تقديم طلبات الحصول على ترخيص بممارسة أنشطة التمويل للمصارف والشركات والمؤسسات العاملة، التي تزاول نشاط التمويل، لأربعة أشهر إضافية بعد أن كان مقررا لها أن تنتهي بعد 45 يوماً.

وتعاني سوق التمويل (خارج المصارف) في السعودية من فوضى عارمة، خاصة في تمويل السيارات، وسط شروط تصب كلها في صالح الممول ضد العميل، وتسببت الفوائد الباهظة التي تفرضها الشركات والتي تصل لأكثر من 60% عن العام الواحد في تعثر الآلاف من العملاء عن التسديد ودخولهم في مشاكل قضائية مع مموليهم.

ووصف مصدر في الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة) معظم شركات التقسيط الموجودة في السوق حالياً، بأنها (دكاكين تقسيط)، مشيراً إلى أن عدد الشركات المسجلة في (سمة) لا يزيد عن 48 شركة من أصل أكثر من ٧٥٠ شركة تمارس التقسيط.

وشدّد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، على أن أموال كثير من هذه الشركات مجهول المصدر، وتدور حولها شبهات بغسيل الأموال.

وتكشف اللجنة الوطنية السعودية لشركات التمويل والتقسيط عن أن القطاع يحقق نسبة نمو بمعدل سنوي يتراوح بين 15 و20 % على مدى الأعوام العشرة الماضية، مع توقعات باستمرار هذا النمو لزيادة الطلب على الاقتراض.

ومن جانبه كشف رئيس لجنة شركات التمويل والتقسيط بمجلس الغرف السعودية، خالد السناني، عن تقدم أكثر من 70 شركة جديدة لمنحها الترخيص.

وتقود وزارة التجارة والصناعة عملية إعادة تنظيم قطاع التقسيط من جديد، بمساندة من مؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة العدل، واشترطت الوزارة تحويل مكاتب التقسيط في البلاد إلى شركات قائمة برؤوس أموال تزيد قيمتها عن 100 مليون ريال (26.6 مليون دولار)، حسب مصادر لـ "لعربي الجديد"، بهدف قيام كيانات تجارية عملاقة تستطيع حفظ التوازن في قطاع التقسيط في السوق المحلية، والتخلص من الشركات الفردية التي سببت الكثير من الخلل في سوق التمويل.

اقرأ أيضاً: توظيف 357 ألف سعودية بالقطاع الخاص في أربع سنوات

ويتوقع الخبير المالي، فيصل الراشد، في تصريحات لـ "العربي الجديد" أن تفشل هذه الشركات المجهولة في الدخول في المنظومة القانونية الجديدة وبالتالي خروجها من السوق، أو العمل في الخفاء.

ويرى الراشد أن شرط الـ26.6 مليون دولار، سيكون مشكلة كبيرة أمام مكاتب ومؤسسات التقسيط الصغيرة، التي تنشط في السوق منذ 20 عاما.

وبحسب اللجنة الوطنية لشركات التقسيط، يتجاوز حجم التمويل الشخصي خارج المصارف 120 مليار ريال (32 مليار دولار)، فيما تقدر الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية، حجم قروض الأفراد بأكثر من 400 مليار ريال (116 مليار دولار).

ويؤكد المحلل المالي، عبدالله العبدان، لـ "العربي الجديد"، أن نسبة كبيرة من التمويل تتم عن طريق أفراد غير مرخصين، وهؤلاء يشكلون نسبة 20% من السوق، ويلجأ لهم من لا يحق له الحصول على قروض من المصارف أو شركات التمويل لتجاوزه حد الاستقطاع الشهري من الراتب، والذي لا يمكن أن يتجاوز 50% من قيمة الراتب حسب نظام مؤسسة النقد.

وبحسب الإحصاءات تستحوذ الرياض على النصيب الأكبر من شركات التقسيط بـ 168 شركة، تليها جدة بـ 92 شركة، ثم مدينة الدمام بنحو 8 شركات، فيما تستحوذ العقارات والسيارات على النسبة الكبرى في عمليات الإقراض في سوق التقسيط في السعودية، في الوقت الذي يتفوق فيه الطلب على العرض في هذا القطاع.

ويرى محللون أن شركات التقسيط تعد خطراً كبيراً يهدّد الاقتصاد السعودي، بسبب الفوائد العالية التي تفرضها على طالبي التقسيط، والتي تصل في معظم الحالات لأكثر من 180% من قيمة القروض.

ويؤكد رئيس المركز السعودي للدراسات، ناصر القرعاوي، لـ "العربي الجديد"، أن مثل هذه الشركات تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني كونها تثقل كاهل المواطنين بفوائد عالية دون رقابة حقيقية.

ويشدّد القرعاوي على أهمية أن تراقب مؤسسة النقد عمليات هذه الشركات بنفس صرامة مراقبتها للمصارف، فهي تدخل في سوق المال وتنافس المصارف.

وأشار إلى أن هذه الشركات ستزج بالكثيرين في السجون لعدم قدرتهم على السداد في نهاية المطاف لارتفاع الفائدة غير المنطقي، ويضيف:"نواجه خطر الزج بالآلاف في السجون لعدم قدرتهم على السداد خاصة وأن هذه الشركات تلجأ لأساليب ملتوية، منها الحصول على شيك دون تاريخ محدد لتتحول القضية لشيك دون رصيد بدلا من قرض لم يسدد".

ومن جهته، يؤكد المحلل الاقتصادي، جابر الأحمدي، أن تحركات وزارة التجارة الأخيرة جاءت متأخرة، وكان يجب أن تكون منذ زمن طويل، من أجل الحد من خطرها على الاقتصاد.

وفي المقابل، انتقدت شركات التقسيط الإجراءات الأخيرة، واعتبرتها تضييقاً على أعمالها. وفي هذا الإطار يؤكد صاحب إحدى شركات التقسيط، أحمد النفيسي، أن الأنظمة الجديدة لم تراع مصالح الشركات الصغيرة التي تعمل وفق رأس مال محدود ولا تستطيع توفير رأس المال المطلوب، على الرغم من أنها تقدم خدمة كبيرة للمجتمع.

ويقول النفيسي لـ "العربي الجديد": "صحيح أن هناك شركات تستغل هؤلاء من خلال فرض فوائد عالية جدا، ولكن بدلاً من وضع شروط تتسبب في خروجها من السوق، كان من الأجدى وضع قواعد للعمل وتحديد نسب الفوائد لحماية مصالح الطرفين".

ويتوقع النفيسي أن يتسبب خروج نحو 80% من الشركات الصغيرة من السوق في إحداث هزة اجتماعية كبيرة.


اقرأ أيضاً: %70 من نساء الأعمال بالخليج يعتمدن على التمويل الذاتي

دلالات
المساهمون