16 نوفمبر 2024
السعودية.. استنزاف الرصيد والمكانة
لم تكن مصادفةً أن يتزامن إعلان السلطات السعودية إحباط محاولة الحوثيين استهداف الحرم المكي بالصواريخ، مع تصاعد الجدل حول ملف الحج وتسييسه.
حاولت الحكومة السعودية ترويج قصة استهداف الحرم المكي مراراً، فإعلانها المتكرّر اعتراض صواريخ أطلقها الانقلابيون الحوثيون باتجاه مكة المكرمة لا يبدو منطقياً، وهي لا تعدو أن تكون ادعاءات ومزاعم، تحاول استغلال المشاعر الدينية لدى المسلمين في العالم، لكسبهم إلى صفها في معركتها مع الحوثيين، إذ يحشد الإعلام السعودي، في كل مرة، دعاة ووعاظا ومشايخ للحصول على تصريحاتٍ منهم تستنكر تلك المحاولات المزعومة، وإعلان دعمهم السلطات السعودية. وقد سبق للحكومة السعودية أن زعمت القصة نفسها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ثم تبين أن الحوثيين استهدفوا مطار جدة، لتعطيل حركة الملاحة فيه، ردّا على ما يقوم به التحالف العربي في مطار صنعاء. كما يبدو إعلان الحوثيين استهدافهم مصافي تكرير النفط في محافظة ينبع في السعودية وقاعدة الملك فهد الجوية في الطائف الأكثر منطقية هذه المرة أيضا.
ويبدو أنه لم يدر بخلد المسؤولين السعوديين أن زعمهم وجود تهديد للحرمين الشريفين إنما سيؤثر على موسم الحج فعلا، وسيطعن في قدرة السلطات السعودية على حماية المشاعر المقدسة للمسلمين، الأمر الذي لا تريده المملكة بالطبع، لكن يبدو أن المملكة تعاني من مستشاري السوء الذين سبق أن ورّطوها في مغامراتٍ عديدة غير محسوبة، من جديدها حصار دولة قطر. بل وصل الانحدار الإعلامي لدول الحصار إلى مستويات غير مسبوقة، عندما زعمت وسائل إعلام سعودية وإماراتية، منها صحيفة البيان الإماراتية، أن تحريض قطر على السعودية هو ما أدّى إلى إطلاق الحوثيين الصواريخ على مكة المكرمة، أي أن إعلام دول الحصار أصبح يقوم بتركيب الأخبار المفبركة بعضها فوق بعض، ويقفز إلى نتائج زائفة، اعتمادا على مقدّمات كاذبة ومختلقة.
المفارقة أن دم المسلم الذي هو أعظم حرمة عند الله تعالى من هدم الكعبة التي زعمت المملكة أن الحوثيين يستهدفونها، أهدرته طائرات التحالف العربي، وهي تقتل 12 مدنيا، بينهم أطفال ونساء، بعد أن قصفت منزلهم في محافظة صعدة شمال اليمن، وجاءت الصور الفاجعة لانتشال الأطفال من تحت الأنقاض لتصدمنا، وتخبرنا بمدى تشابه تلك الصور مع استهداف المدنيين من الأطفال والنساء في سورية، وهي مجرد غيض من فيض القتلى المدنيين الذين سقطوا جرّاء قصف مقاتلات التحالف العربي منذ بدء الحرب في اليمن قبل نحو عامين ونصف العام، والذين بلغ عددهم أكثر من عشرة آلاف شخص، معظمهم سقطوا بسبب الغارات الجوية لطائرات التحالف، وفقا لتقديرات مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان العام الماضي.
وقد جاءت الاتهامات السعودية لدولة قطر بما سمته "تسييس ملف الحج" للتغطية على تسييس ملفاتٍ دينيةٍ عديدة، قامت بها المملكة منذ بداية الأزمة الخليجية، كان الحج نفسه من أبرزها. فمنذ بداية الأزمة، استخدمت المملكة الورقة الدينية مرارا لإجبار دولٍ على تأييدها في خلافها مع قطر. وكشفت صحيفة لوموند الفرنسية أن السعودية استخدمت تأشيرات الحج والعمرة لابتزاز دول إفريقية، لتأخذ جانبها في الأزمة، كما حشدت دعاةً غرّدوا على موقع تويتر للهجوم على قطر، بعد أن مارست عليهم ضغوطا كبيرة، أبرزهم الشيخ محمد العريفي. وركزت خطب الجمعة في السعودية على الهجوم على قطر، وصرح مفتي المملكة، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، إن حصار قطر إنما هو لمصلحتها ومصلحة شعبها (!). وأعلنت رابطة العالم الإسلامي (مقرها مكة المكرمة) تأييدها الكامل حصار قطر. وقالت، في بيان، إنه "جاء وفق المقتضى الشرعي والقانوني والمنطقي"، ليأتي ملف تسييس الحج ليندرج ضمن التسييس الديني الذي تمارسه السعودية.
وقد سبق للمملكة نفسها أن قامت بتسييس ملف الحج مرات، منها منع الحجاج الإيرانيين العام الماضي على خلفية مقتل أكثر من 1500 حاج، نصفهم من الإيرانيين في موسم الحج عام 2015، بل حمّلت وسائل الإعلام واللجان الإلكترونية السعودية الحجاج الأبرياء مسؤولية مقتلهم، بدلا من الحديث عن التقصير في حماية الحجاج، بل ولمحت إلى أن الحجاج الإيرانيين جزءٌ من مؤامرة إيرانية على السعودية لإحراجها! وكأنهم سيموتون لمجرد إحراج المملكة، وأخرج دعاة ومشايخ دين سعوديون هؤلاء الحجاج من الإسلام، وقالوا إن هؤلاء "مجوس" أو "صفويون" وغير ذلك من النعوت الطائفية. كما منعت السعودية أكثر من خمسة آلاف حاج يمني، بدعوى انتمائهم لجماعة الحوثيين في العام نفسه.
وفي الخلاف مع قطر، فرضت السعودية صعوبات جمة على الحجاج القطريين، من ضمنها قصر الحج جوا فقط، على الرغم من وجود حدود برية مشتركة، وأن يسافر الحجاج عبر أي خطوط طيران عدا الخطوط الجوية القطرية، وألا يسافروا من الدوحة مباشرة، كما امتنعت وزارة الحج السعودية عن التواصل مع وزارة الأوقاف القطرية لبحث تأمين حجاج قطر. وعلى الرغم من كل تلك الشروط إلا أن السلطات السعودية زعمت إن الحجاج القطريين والمقيمين فيها مرحّب بهم في الحج، كما أغفل المسؤولون السعوديون حملة التحريض التي تعرّض لها القطريون طوال الشهرين الماضيين، وهي حملة كراهية، أدت إلى وجود مخاوف حقيقية على سلامة الحجاج القطريين، وهو ما أدى إلى أن تطلب دولة قطر وقف تسييس ملف الحج، لكن السلطات السعودية بدلا من أن تعالج الأمر، إذا بها تتهم دولة قطر بأنها دعت إلى تدويل إدارة الحرمين الشريفين، واعتبر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، ذلك بأنه بمثابة "إعلان حرب"، مع أنه كان في وسعه، ببساطة، أن يتأكد من عدم وجود أي تصريح لمسؤول قطري يطالب بذلك، وهو ما يثبت وجود نية مبيتة لإطلاق قنابل دخان، للتغطية على السبب الحقيقي للأزمة، ولا تفوت هنا الإشارة إلى الصمت المطبق للمسؤولين السعوديين، وفي مقدمتهم الجبير نفسه، عندما طالبت إيران بصورة متكرّرة بتدويل الحرمين، لكنهم اليوم يستأسدون على قطر، بل ويدّعون أنها من تمنع مواطنيها من الذهاب إلى الحج.
تبدو مزاعم استهداف الحرمين الشريفين، والاستخدام المكثف للذرائع الدينية في الأزمة مع قطر، إذن، جزءا من استراتيجية خاسرة، تتبعها المملكة، تحرق فيها كل أوراقها "الدينية" إن صح التعبير، وهي استراتيجيةٌ ستؤدي إلى تدمير المكانة الدينية والرصيد الروحي الذي كانت تتمتع به وتستغله في تحقيق أهدافها، بعد أن كانت تصوّر نفسها راعية للحرمين، وهي ماضية في ذلك، من دون أن تراجع موقفها، وتوقف ذلك الاستنزاف الاستراتيجي لمكانتها الدينية والروحية، فما الذي سيتبقى من ذلك الرصيد إن استمرت السياسات نفسها؟
حاولت الحكومة السعودية ترويج قصة استهداف الحرم المكي مراراً، فإعلانها المتكرّر اعتراض صواريخ أطلقها الانقلابيون الحوثيون باتجاه مكة المكرمة لا يبدو منطقياً، وهي لا تعدو أن تكون ادعاءات ومزاعم، تحاول استغلال المشاعر الدينية لدى المسلمين في العالم، لكسبهم إلى صفها في معركتها مع الحوثيين، إذ يحشد الإعلام السعودي، في كل مرة، دعاة ووعاظا ومشايخ للحصول على تصريحاتٍ منهم تستنكر تلك المحاولات المزعومة، وإعلان دعمهم السلطات السعودية. وقد سبق للحكومة السعودية أن زعمت القصة نفسها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ثم تبين أن الحوثيين استهدفوا مطار جدة، لتعطيل حركة الملاحة فيه، ردّا على ما يقوم به التحالف العربي في مطار صنعاء. كما يبدو إعلان الحوثيين استهدافهم مصافي تكرير النفط في محافظة ينبع في السعودية وقاعدة الملك فهد الجوية في الطائف الأكثر منطقية هذه المرة أيضا.
ويبدو أنه لم يدر بخلد المسؤولين السعوديين أن زعمهم وجود تهديد للحرمين الشريفين إنما سيؤثر على موسم الحج فعلا، وسيطعن في قدرة السلطات السعودية على حماية المشاعر المقدسة للمسلمين، الأمر الذي لا تريده المملكة بالطبع، لكن يبدو أن المملكة تعاني من مستشاري السوء الذين سبق أن ورّطوها في مغامراتٍ عديدة غير محسوبة، من جديدها حصار دولة قطر. بل وصل الانحدار الإعلامي لدول الحصار إلى مستويات غير مسبوقة، عندما زعمت وسائل إعلام سعودية وإماراتية، منها صحيفة البيان الإماراتية، أن تحريض قطر على السعودية هو ما أدّى إلى إطلاق الحوثيين الصواريخ على مكة المكرمة، أي أن إعلام دول الحصار أصبح يقوم بتركيب الأخبار المفبركة بعضها فوق بعض، ويقفز إلى نتائج زائفة، اعتمادا على مقدّمات كاذبة ومختلقة.
المفارقة أن دم المسلم الذي هو أعظم حرمة عند الله تعالى من هدم الكعبة التي زعمت المملكة أن الحوثيين يستهدفونها، أهدرته طائرات التحالف العربي، وهي تقتل 12 مدنيا، بينهم أطفال ونساء، بعد أن قصفت منزلهم في محافظة صعدة شمال اليمن، وجاءت الصور الفاجعة لانتشال الأطفال من تحت الأنقاض لتصدمنا، وتخبرنا بمدى تشابه تلك الصور مع استهداف المدنيين من الأطفال والنساء في سورية، وهي مجرد غيض من فيض القتلى المدنيين الذين سقطوا جرّاء قصف مقاتلات التحالف العربي منذ بدء الحرب في اليمن قبل نحو عامين ونصف العام، والذين بلغ عددهم أكثر من عشرة آلاف شخص، معظمهم سقطوا بسبب الغارات الجوية لطائرات التحالف، وفقا لتقديرات مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان العام الماضي.
وقد جاءت الاتهامات السعودية لدولة قطر بما سمته "تسييس ملف الحج" للتغطية على تسييس ملفاتٍ دينيةٍ عديدة، قامت بها المملكة منذ بداية الأزمة الخليجية، كان الحج نفسه من أبرزها. فمنذ بداية الأزمة، استخدمت المملكة الورقة الدينية مرارا لإجبار دولٍ على تأييدها في خلافها مع قطر. وكشفت صحيفة لوموند الفرنسية أن السعودية استخدمت تأشيرات الحج والعمرة لابتزاز دول إفريقية، لتأخذ جانبها في الأزمة، كما حشدت دعاةً غرّدوا على موقع تويتر للهجوم على قطر، بعد أن مارست عليهم ضغوطا كبيرة، أبرزهم الشيخ محمد العريفي. وركزت خطب الجمعة في السعودية على الهجوم على قطر، وصرح مفتي المملكة، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، إن حصار قطر إنما هو لمصلحتها ومصلحة شعبها (!). وأعلنت رابطة العالم الإسلامي (مقرها مكة المكرمة) تأييدها الكامل حصار قطر. وقالت، في بيان، إنه "جاء وفق المقتضى الشرعي والقانوني والمنطقي"، ليأتي ملف تسييس الحج ليندرج ضمن التسييس الديني الذي تمارسه السعودية.
وقد سبق للمملكة نفسها أن قامت بتسييس ملف الحج مرات، منها منع الحجاج الإيرانيين العام الماضي على خلفية مقتل أكثر من 1500 حاج، نصفهم من الإيرانيين في موسم الحج عام 2015، بل حمّلت وسائل الإعلام واللجان الإلكترونية السعودية الحجاج الأبرياء مسؤولية مقتلهم، بدلا من الحديث عن التقصير في حماية الحجاج، بل ولمحت إلى أن الحجاج الإيرانيين جزءٌ من مؤامرة إيرانية على السعودية لإحراجها! وكأنهم سيموتون لمجرد إحراج المملكة، وأخرج دعاة ومشايخ دين سعوديون هؤلاء الحجاج من الإسلام، وقالوا إن هؤلاء "مجوس" أو "صفويون" وغير ذلك من النعوت الطائفية. كما منعت السعودية أكثر من خمسة آلاف حاج يمني، بدعوى انتمائهم لجماعة الحوثيين في العام نفسه.
وفي الخلاف مع قطر، فرضت السعودية صعوبات جمة على الحجاج القطريين، من ضمنها قصر الحج جوا فقط، على الرغم من وجود حدود برية مشتركة، وأن يسافر الحجاج عبر أي خطوط طيران عدا الخطوط الجوية القطرية، وألا يسافروا من الدوحة مباشرة، كما امتنعت وزارة الحج السعودية عن التواصل مع وزارة الأوقاف القطرية لبحث تأمين حجاج قطر. وعلى الرغم من كل تلك الشروط إلا أن السلطات السعودية زعمت إن الحجاج القطريين والمقيمين فيها مرحّب بهم في الحج، كما أغفل المسؤولون السعوديون حملة التحريض التي تعرّض لها القطريون طوال الشهرين الماضيين، وهي حملة كراهية، أدت إلى وجود مخاوف حقيقية على سلامة الحجاج القطريين، وهو ما أدى إلى أن تطلب دولة قطر وقف تسييس ملف الحج، لكن السلطات السعودية بدلا من أن تعالج الأمر، إذا بها تتهم دولة قطر بأنها دعت إلى تدويل إدارة الحرمين الشريفين، واعتبر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، ذلك بأنه بمثابة "إعلان حرب"، مع أنه كان في وسعه، ببساطة، أن يتأكد من عدم وجود أي تصريح لمسؤول قطري يطالب بذلك، وهو ما يثبت وجود نية مبيتة لإطلاق قنابل دخان، للتغطية على السبب الحقيقي للأزمة، ولا تفوت هنا الإشارة إلى الصمت المطبق للمسؤولين السعوديين، وفي مقدمتهم الجبير نفسه، عندما طالبت إيران بصورة متكرّرة بتدويل الحرمين، لكنهم اليوم يستأسدون على قطر، بل ويدّعون أنها من تمنع مواطنيها من الذهاب إلى الحج.
تبدو مزاعم استهداف الحرمين الشريفين، والاستخدام المكثف للذرائع الدينية في الأزمة مع قطر، إذن، جزءا من استراتيجية خاسرة، تتبعها المملكة، تحرق فيها كل أوراقها "الدينية" إن صح التعبير، وهي استراتيجيةٌ ستؤدي إلى تدمير المكانة الدينية والرصيد الروحي الذي كانت تتمتع به وتستغله في تحقيق أهدافها، بعد أن كانت تصوّر نفسها راعية للحرمين، وهي ماضية في ذلك، من دون أن تراجع موقفها، وتوقف ذلك الاستنزاف الاستراتيجي لمكانتها الدينية والروحية، فما الذي سيتبقى من ذلك الرصيد إن استمرت السياسات نفسها؟