السجون السرّية في اليمن.. قتلة مستوردون

20 يوليو 2017
(سجن صنعاء المركزي، الصورة: فرانس برس)
+ الخط -
يضيق هامش الحياة السياسية في جنوب اليمن، وتضيق حرّية الرأي بصورة لم يسبق أن عاشتها البلاد من قبل. قتل وتعذيب في سجون سريّة أنشأتها قوّات أمنية بعضها تابع لدولة الإمارات والبعض الآخر تديره قوّات أمنية جنوبية وتشرف عليه الإمارات إشرافًا مباشرًا.

الحديث عن سجون سريّة تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، لم يعد مجرّد إشاعات أو تسريبات أو حديث صادر عن مواطنين. فهذه المرّة صدرت تقارير دولية عن جهات ومنظمات حقوقية، كشفت وجود هذه المعتقلات والسجون السريّة وجوانب كثيرة مما يجري ويمارس داخلها، وما يتعرّض له المعتقلون والسجناء اليمنيون الذين أكدت التقارير أنهم اعتقلوا خارج القانون.


تقارير دولية: هذا ما حدث
كشفت "منظمة سام للحقوق والحريات" -ومقرها جنيف-عن سجون سريّة في مدن عدن والمكلا وسقطرى وحضرموت جنوب اليمن، تدار خارج القانون من قبل تشكيلات عسكرية خارجة عن سيطرة السلطة اليمنية، مضيفة أن هذه التشكيلات تُشرف عليها قوّات إماراتية.

وقال الناشط الحقوقي، عضو المنظمة، موسى النمراني، لــ "جيل": "إن السجون السريّة لجماعة الحوثي وصالح أصبحت تُشكّل ظاهرة خطيرة في اليمن، خاصة في العاصمة صنعاء، وقد انتشرت أيضًا في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية -لاسيما محافظتي عدن وحضرموت- بعيدًا عن رقابة وإشراف السلطة القضائية.

وقال النمراني "إن المنظمة توصّلت في تقريرها إلى أن هذه المعتقلات تديرها تشكيلات عسكرية، منها قوّات الحزام الأمني في عدن، وقوات النخبة الحضرمية في المكلا الخاضعتان بصورة مباشرة لإشراف دولة الإمارات المنتسبة لعضوية "التحالف العربي"".

المعتقلون في هذه السجون السريّة، وطبقًا للمصدر، يتعرّضون لصنوف شتى من التعذيب الجسدي والنفسي، ويُحرمون من أبسط الحقوق المكفولة بموجب الدستور اليمني والقوانين الدولية.

ويؤكد المصدر نفسه، أن القبض على المتهمين يتمّ بدون أوامر قضائية وبأمر مباشر ممن يشرف على قوّات النخبة الحضرمية، وهي تعمل خارج سيطرة السلطة المحليّة وقراراتها مستقلة.

من جهته، قال مسؤول الرصد في المنظمة الحقوقية توفيق الحميدي لــ "جيل" إن لدى منظمته كافة الوثائق والدلائل التي تثبت ما جاء في التقرير، مؤكدًا أن اتهام هذه القوّات قائم على أدلّة وحقائق وثقتها فرق رصد ميدانية تابعة للمنظمة الحقوقية.

وأضاف الحميدي أن منظمته وثقت 450 اسما في عدن والمكلا، منهم من تمت تصفيتهم ومنهم من تعرّضوا للتعذيب. وكانت كل من وكالة "أسوشييتد برس" ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" قد نشرت تقارير مطلع يوليو/ تمّوز الجاري عن وجود شبكة سجون سريّة تديرها الإمارات في اليمن، يخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب.

وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إن الإمارات تقدّم الدعم لقوات يمنية احتجزت تعسفًا وأخفت قسرًا عشرات الأشخاص خلال عمليات أمنية.

وأشارت "رايتس" إلى أن الإمارات تدير مركزي احتجاز غير رسميين على الأقل، ووثّقت 49 حالة -من بينها 4 أطفال-تعرّضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري بمحافظتي عدن وحضرموت العام الماضي، وأن قوّات أمنية مدعومة من الإمارات اعتقلت أو احتجزت 38 شخصًا منهم على الأقل.

وكالة "أسوشييتد برس" هي الأخرى، نشرت تحقيقًا قبل أسبوعين عن سجون سريّة في اليمن تديرها الإمارات، يتعرّض فيها المعتقلون لعمليات تعذيب يوميًا، تصل أحيانًا إلى وضع السجناء على النار، وتحدثت عن عمل محقّقين عسكريين أميركيين في تلك السجون.

نواب بارزون في الكونغرس الأميركي، وجّهوا رسالة إلى وزير الدفاع جيمس ماتيس لمطالبته بإجراء تحقيق فوري في التقارير المنشورة بشأن السجون السريّة لتعذيب المعتقلين في اليمن، وطالب النائبان الجمهوري جون ماكين والديمقراطي جاك ريد بالكشف عن المعلومات التي يملكها البنتاغون في هذا الصدد.


هيومن رايتس: حكومة هادي والإمارات لم يردا على تقريرنا
الخميس الماضي الموافق لـ 13 يوليو/ تموز الجاري، قالت ناشطة حقوقية في منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن حكومة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، والسلطات الإماراتية، لم تردا على تقريرها بشأن السجون السريّة في اليمن.

وأشارت الناشطة كريستين بيكيرلي، في مقال نُشر على موقع المنظمة، إلى أنهم "وجهوا رسائل إلى حكومة هادي والحكومة الإماراتية، عارضين النتائج التي توصلوا إليها بشأن السجون السرية، وطالبوا بالرد عليها"، مضيفة أنه "لم يُجِب أي منهما".

ولفتت بيكيرلي إلى أن المنظمة تعرّضت لـ "هجوم علني"، على خلفية الكشف عن دور الإمارات وحلفائها اليمنيين في حالات الإخفاء والتعذيب في عدن وحضرموت، متحدّثة عن قيام مواقع إخبارية يمنية بتسريب نسخة من جواز سفرها، و"زعمها أننا أجرينا البحث بناء على طلب من مسؤولين يمنيين يؤيّدون قطر أو حزب الإصلاح اليمني".

وأضافت المتحدّثة أن تلك المواقع "ادعت أننا مارسنا حيلًا مختلفة لدخول البلاد، ونشر معلومات كاذبة لأغراض سياسية، بهدف إضعاف الإمارات، كنا نأمل بزيارة عدن لمناقشة مخاوفنا مع المسؤولين، ولكن تم مؤقتًا تعليق استخدامنا رحلات الأمم المتحدة. علمنا لاحقًا أن التحالف الذي تقوده السعودية يقيّد الوصول إلى اليمن".

ورأت بيكيرلي أن "أحد الأثمان العديدة للحرب في اليمن هو اختفاء المساحة المتاحة للعمل أمام المجتمع المدني المحلي"، مبينة أن "النشطاء والصحافيين والمحامين والحقوقيين اليمنيين يخشون يوميًا الاعتقال، كما يخشون حملات التشهير والعنف الموجه، والانضمام إلى قائمة المختفين في اليمن".

الناشطة الحقوقية ذكرت أنه في المناطق الخاضعة لسيطرة "أنصار الله"، بما فيها العاصمة صنعاء، يُعتقل الصحافيون والناشطون منذ أكثر من عامين. وزادت أنه في المناطق التي تحتفظ فيها حكومة هادي بالسلطة، ولاسيما قرب مدينة عدن الساحلية الجنوبية، تعرّض الناشطون للضرب والاعتقال والاختفاء القسري.

تردف بيكيرلي: "على مدى 6 أشهر، وثقنا 49 حالة انتهاك، وأجرينا عشرات المقابلات، فتحدثنا إلى محامين، ناشطين، أقارب محتجزين، محتجزين سابقين، ومسؤولين حكوميين، ونشرنا النتائج التي توصلنا إليها لأن ملف المفقودين آخذ في الاتساع في جميع أنحاء اليمن، والأسر تستحق أن تعرف أين هم أبناؤها". واعتبرت المتحدّثة أن الهجمات التي تعرّضت لها "هيومن رايتس ووتش" توفّر مثالًا بسيطًا على لجوء الأطراف المتحاربة إلى "إضعاف النشطاء الحقوقيين اليمنيين الشجعان أو تخويفهم".


انتهاك المواثيق الدولية
من جهته الكاتب جمال حسن، يقول: "وقائع السجون السريّة في عدن وحضرموت والتي أشرفت عليها قوات الإمارات، انتهاك لكل المواثيق والأعراف، وهي قبل كل شيء إجراءات لم تتبع أي شكل قانوني. هذا أولًا على صعيد الإجراء نفسه في حملة اعتقالات مواطنين يمنيين تحت مبرّر الانتماء لتنظيم القاعدة، ثم جرعات التعذيب التي تعرّض لها المعتقلون، لإرغامهم على اعترافات معينة، وهذا انتهاك واضح لحقوق المواطنين اليمنيين واختراق للمواثيق الدولية".

ويتابع حسن حديثه لــ "جيل" "هناك كما يبدو توظيف لمسألة مكافحة الإرهاب، وعليه تتطاول تلك الجهات، وبإشراف دولة الإمارات التي يفترض أن تكون فقط جزءًا من تحالف عربي مهمته إعادة الحكومة الشرعية إلى عدن، لكن هناك ازدواجا؛ لا يقتصر على التجاوز والإشراف على عملية تعذيب مواطنين يمنيين، بل هناك دعم لأطراف تعيق عودة الحكومة الشرعية إلى عدن، وتثير البلبلة، كما لو أنها تبحث عن أعذار فقط لإبقاء البلد في حالة من الفوضى".

ومن وجهة نظر المتحدّث، فإن مكافحة الارهاب تتطلّب أولًا إعادة السلطة الشرعية وتمكين الأجهزة الحكومية من أداء مهامها، ومساعدتها أيضًا في إعادة بناء المؤسسات الأمنية والمدنية، ودعمها اقتصاديًا. لكن هناك دعما لمتمردين على قرارات الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، أي المجلس الانتقالي الذي يتزعّمه محافظ عدن السابق والزعيم السلفي هاني بن بريك.


حملة تحريض وفتاوى دينية
في الوقت الذي تتحدّث التقارير الدولية عن القمع والاعتقالات، تسعى الجماعات المدعومة من دولة الإمارات نحو تكثيف التحريض، متجاهلة كل الدعوات الدولية إلى وضع حد لتلك التصرّفات، وكما لو أن شيئًا لم يكن.

خطيب الجمعة بـ معلا عدن (جنوب اليمن) وفي فعالية ذكرى 7/7 التي أقامها "المجلس الانتقالي الجنوبي"، عضو الهيئة، الشيخ محمد رمزو، هاجم كل من يخالف "المجلس"، معتبرًا إيّاه "خائنًا للوطن، ويتبع دولة الاحتلال اليمنية".

هذه المواقف خلقت حالة من الجدل والرفض من قبل أوساط سياسية ودينية وشعبية، معتبرين ذلك تحريضًا واضحًا على السياسيين والناشطين، وإصدار فتاوى دينية بقتلهم وهذا إرهاب في حد ذاته حسب يمنيين.

"الهيئة الشرعية الجنوبية للإفتاء والإرشاد"، انتقدت خطيب صلاة الجمعة، بساحة المعلا في عدن، مؤكّدة رفضها ما ورد من مواقف خلالها. وعبّرت الهيئة في بيان لها عن "قلقها الشديد جراء التداعيات الأخيرة التي يشهدها الجنوب"، مشيرة إلى "وجود تباينات واختلافات أدّت إلى الشطط في حديث بعض طلاب العلم، وإطلاق مواقف من شأنها تهيئة الظروف لمن أرادوا الاصطياد في الماء العكر لإثارة الفتنة بين أبناء الجنوب".

وقالت الهيئة إن "كل فتوى تؤدي إلى شقّ الصف وإهدار الدم والتخوين بمجرّد التباين في الآراء وبدون حق فهي باطلة ومردودة على صاحبها ولا يعتدّ بها قولًا وعملًا ولا تمثل إلا رأي من قالها فقط".

الكاتب اليمني، جمال حسن وفي حديثه عن هذه النقطة، قال لــ "جيل": "خطبة أحد الأئمة تدعم المجلس الانتقالي وتدعو إلى قتل المعارضين لهذا الموقف"، حيث قال فيها إن "دم الجنوبي على الجنوبي حرام، إلا من يعارض المجلس الانتقالي الجنوبي" وهذا تصريح واضح، وفيه توظيف للعنصر الديني، بإباحة دم أي جنوبي يعارض دعوات الانفصاليين، وفي الوقت نفسه يُبيح دم المواطنين الشماليين. أو على الأقل هذا ما سيتمّ تأويله من المناصرين. وهذا الخطاب خطير وغير مقبول، لأنه يدعو للتحريض. وبالتالي ستكون تلك الأطراف والجهات الداعمة له، مسؤولة عن أي انتهاكات ضد المواطنين الجنوبيين أو الشماليين على حد سواء، وهو في طياته يحمل رسالة تهديد من مهمتها تخويف الناس واستلاب مواقفهم أو إسكاتهم بكل الوسائل القسرية".


رابطة أمّهات المختطفين في عدن
يشار إلى أن حجم الاعتقالات التي مارستها مليشيات الحوثي وصالح في صنعاء، كانت قد دفعت أمّهات المعتقلين إلى تشكيل رابطة أطلق عليها "رابطة أمهات المعتقلين"، حيث تقوم هذه الرابطة بتنفيذ وقفات احتجاجية أمام السجون والمعتقلات في صنعاء بشكلٍ مستمر.

اليوم صار في مدينة عدن عاصمة اليمن المؤقتة، رابطة أمهات مشابهة للرابطة التي تشكّلت في صنعاء، ما يعني أن حجم الاعتقالات التي تمارسها قوات أمنية محسوبة على دولة الإمارات وصلت بممارستها إلى ما وصلت إليه مليشيا الانقلاب في صنعاء.

يقول الكاتب الصحافي محمد جميح: "كان لدينا رابطة واحدة لأمهات المختطفين في صنعاء، أصبح اليوم لدينا رابطة جديدة لأمّهات المخفيين قسرًا، في عدن. السجون السريّة والمليشيات تتناسل في الشمال والجنوب على السواء. التعذيب موجود في سجون مليشيات صنعاء ومليشيات عدن. والإماراتيون صراحة هم المسؤولون عن الملف الأمني، في عدن وحضرموت تحديدًا. وأمس نفّذت أمهات المخفيين قسرًا وقفة احتجاجية أمام بوابة معسكر التحالف بالبريقة-عدن، وفي الوقفة تعرّضت الأمهات للضرب المبرح والإهانات اللفظية من قبل شرطة نسائية تتبع مليشيات الحزام الأمني".

ويضيف جميح "حتى الأم المفجوعة لم تسلم من بلطجة المليشيات الأمنية دون رحمة" موجهًا رسالة إلى كل العاملين في منظمات حقوق الإنسان في صنعاء وعدن وحضرموت وتعز، بأن يتحملوا مسؤولية جمع هذه الحالات، وإيصالها إلى العالم "أمهاتنا الكريمات في صنعاء وعدن وحضرموت وتعزّ وكل البلاد يجب دعمهن في رحلة البحث الطويلة عن أبنائهن المختطفين في دهاليز الظلام".

ووجه جميح استفسارات إلى شرعية الرئيس هادي وقوّات التحالف العربي، مخاطبًا إياهم بالقول: "الإخوة في وزارة حقوق الإنسان في حكومة ابن دغر: ما هو دور الوزارة أمام انتهاكات حقوق اليمنيين جنوبًا وشمالًا؟".

وإلى قيادة التحالف وجه جميح سؤاله قائلًا "إخوتنا في قيادة التحالف: هل جاءت العمليات العسكرية والأمنية لاستبدال المليشيا بالمليشيا والسجون السرية بالسجون السريّة، وهل جاءت العمليات لتفريخ رابطات أمّهات المخفيين قسرًا في سجون مليشيات عدن وحضرموت كما هو الحال مع مليشيات صنعاء؟".

وفي ختام حديثه يقول الرجل "هذه الممارسات تسيء للتحالف بشكل كارثي، وتجعل المواطن اليمني يبدأ بالتفكير حول مشروعية كل ما يجري. وإذا تم تكريس هذا التفكير لدى الشارع اليمني بمثل هذه الممارسات فإن الأوضاع سوف تكون صعبة. هناك غضب مكبوت يتحول رويدًا رويدًا إلى غضب متفجّر، والنَّاس لن تصبر كثيرًا. اليمنيون يبحثون عن دولة، وهذا هو الهدف المعلن للتحالف والشرعية، فإذا انحرف الهدف، فلن تنحرف بوصلة الشعب الذي يعرف جيدًا ما يريد، والذي يراقب بصمت-ولكن بذكاء-كل ما يجري".

المساهمون