خطاب السبسي، أمس الأحد، بمناسبة عيد المرأة في تونس، لم يتوقف عند مسألة المساواة في الميراث فقط، بل شملت أيضًا دعوته للنظر في مسألة زواج المرأة التونسية من غير المسلم، والحريات الفردية، وكلُّها مواضيع ستلهب النقاشات التونسية في الأيام والأشهر القادمة، مع تقدم أشغال لجنة "الحريات الفردية والمساواة" التي شكلها السبسي لبحث كل هذه المواضيع.
أما رئيسة اللجنة، النائبة بشرى بالحاج حميدة، فقالت في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، إن اللجنة ستعمل بالتنسيق مع مؤسسة رئاسة الجمهورية، وستبحث في تحديد الاقتراحات التقنية والتشريعية الممكنة لتجسيد التوجهات العامة التي أقرها رئيس الجمهورية بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة، مؤكدة أن هذا التقرير سيتضمن جملة الحجج والتفسيرات الدامغة والمقنعة التي تفرض هذه الإصلاحات، وفق تعبيرها.
وجاءت أولى ردود الفعل من القيادي في حركة "النهضة"، عبد اللطيف المكّي، الذي اعتبر أن ما جاء على لسان السبسي يتطلّب تفسيرًا، "لأنه أمر خطير قد يدخل البلاد في أجندات سياسية، في حين أن تونس تحتاج لأجندة تنموية تنهض بالاقتصاد"، على حدّ قوله.
وأضاف المكّي، في تصريح صحافي، أن "موضوع المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة أمر مفصول ومضبوط في المدوّنة الفقهية الإسلامية، والدستور التونسي يتضمن نصًّا واضحًا في عدم مخالفة النص القانوني لما جاء في النّص الديني".
من جهتها، ردت النائبة عن حركة "النهضة"، يمينة الزغلامي، على دعوة الرئيس السبسي بأن "مجلس نواب الشعب في نظام ديمقراطي هو صاحب السلطة في صياغة القوانين، وبعد قانون القضاء على العنف ضد المرأة والأطفال، سنصادق على قانون عطلة الأمومة والأبوة، وعلى مجموعة من النصوص تحمي وتقضي على التمييز ضد المرأة الريفية... العدالة الاجتماعية للنساء الكادحات هي قضيتنا الحقيقية"، وفق ما جاء على صفحتها الرسمية.
وفي المقابل، ساند محسن مرزوق، رئيس حزب "مشروع تونس"، دعوة السبسي للمساواة في الإرث، واعتبر في نص مطول على صفحته الرسمية، أن "المعارضة لهذا الأمر إما اجتماعية ونفسية... وإما من قوى مقاومة التماشي مع العصر ومقتضياته، وهؤلاء عارض أسلافهم القطار والتلغراف والكهرباء والبنطلون والكرافات بحجة الدين والعادة".
واعتبر مرزوق أن "من يقول منهم إن النص القرآني صريح في موضوع أو غيره، فهو ينسى أن نصوصًا أخرى صريحة لا تطبق الآن؛ مثل قطع يد السارق أو حد الحرابة، لأن المجتهدين قالوا إن الله سبحانه هدى بها المسلمين في زمن محدد، وتوجه لحالات في سياقات محددة تغيرت بتغير الأزمنة... وإذا تعلق الأمر بالمرأة، يصبح الموضوع ذَا قداسة خاصة".
ومن جانب آخر، نشر ديوان الإفتاء في تونس، ظهر اليوم، بيانًا اعتبر فيه أن الاقتراحات التي أعلن عنها الرئيس السبسي، تعتبر "تدعيمًا لمكانة المرأة وضمانًا وتفعيلًا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات التي نادى بها ديننا الحنيف في قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، فضلًا عن المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية، والتي تعمل على إزالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين".
واعتبر البيان أن تونس "رائدة في مجال التقدم والحداثة ومواكبة العصر، فالمرأة التونسية هي نموذج المرأة العصرية التي تعتز بمكانتها".
هذه العينات من ردود الفعل، تعكس في الواقع انقسامًا سياسيًّا حول هذه المواضيع، إضافة إلى جدلها الاجتماعي والقانوني والديني، وستعيد طرح أسئلة بدايات الثورة التونسية حول قضايا الهوية، ولكنها ستضع كل المعنيين أمام اختبارات سياسية صعبة للغاية: الرئيس السبسي وحركة "النهضة" وبقية الأحزاب الأخرى، وستقود إلى فرزها من جديد على قاعدة "حداثي أو رجعي"، و"مدافع عن الإسلام" أو "ضده"، وربما تقود مرة أخرى إلى زجّ الجميع في معسكرين متقابلين.
فهل أن الرئيس السبسي يرى أن المجتمع السياسي والشعبي التونسي أصبح جاهزا لهذا الموضوع، أم أن للأمر أبعادًا سياسية بحتة؟