السبسي يدخل قصر قرطاج متوِّجاً نجاح تجربة تونس الديمقراطية

تونس
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس

02 يناير 2015
3FB4C6D4-AC35-443D-BEE4-3BAF36264853
+ الخط -

تميّز نقل السلطة في تونس، بسلاسة لم يتوقّعها الكثيرون، خصوصاً الذين يتمنون الفشل للتجربة التونسية. الجميع حضروا تحت سقف البرلمان المنتخب بكثير من النزاهة والشفافية، ولم يتغيب أحد عن مراسم قسم الرئيس الجديد الباجي قائد السبسي اليمين الدستورية، متعهّداً باحترام الدستور التوافقي الذي يشكّل بداية الغيث في عملية الانتقال السياسي.

خطاب السبسي بعد أداء اليمين الدستورية، تميّز بكونه متوازناً، وتضمّن ترحيباً بالجميع بمن في ذلك خصومه، وتأكيداً من الرئيس الجديد بالالتزام بحماية الحريات وحقوق الإنسان، وتعهداً بالانفتاح على جميع الأحزاب والعائلات السياسية من دون استثناء. كما شكّل مناسبة للسبسي للإعلان أن من بين أولوياته محاربة الإرهاب وتعميق التعاون مع جميع الدول من دون التدخل في شؤون الآخرين.

واكتمل مشهد انتقال السلطة، بتوجّه الرئيس الجديد إلى قصر قرطاج، حيث كان في استقباله الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي. وبعد تبادل التحية بينهما، تتابعت مراسم البروتوكول، لتُطوى بذلك المرحلة الانتقالية وتبدأ مرحلة مؤسسات الدولة المنتخبة والدائمة، ما جعل من تونس البلد العربي الأول الذي يلتحق بنادي الدول الديمقراطية بعد الثورة التي شهدتها.

ولهذا الحدث التاريخي دلالاته الكثيرة، فهو لم يكن ثمرة جهد فردي لزعيم واحد يمكنه أن يدّعي لاحقاً بأنه بطل الديمقراطية في تونس، وقد يسمح لنفسه بفرض نوع من الوصاية على الشعب وأجياله المقبلة. فما حصل هذه المرة يختلف عما جرى في مطلع الاستقلال وتأسيس الدولة، إذ على الرغم من أن ما تحقق شاركت في صنعه قوى سياسية واجتماعية متنوعة وعديدة، إلا أن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة نجح في إقناع التونسيين، في ضوء ظروف استثنائية، بأنه "المجاهد الأكبر" الذي تمكن من أن يجعل منهم أمة قوية.

اليوم اختلف الأمر جذرياً، لأن ما حصل على الأرض تحقّق بفضل عوامل عديدة، وبمساعدة أحزاب ومجتمع مدني وأفراد من مواقع متعددة، فكانت هذه الثمرة التي تحتاج إلى رعاية الجميع.

وكان السبسي في مستوى الحدث، فلم يصبه الغرور، ولم يظهر في كلماته وسلوكه ما من شأنه أن يثير المخاوف التي راجت طيلة المرحلة السابقة. احترم الأصول، وألزم نفسه بما تقتضيه مسؤوليته اليوم وغداً. وبدأ يعيد للدولة معانيها الأساسية وحضورها المطلوب.

وتوجّه إلى منافسه المرزوقي الذي انقطعت كل السبل بينهما، ليحتضنه ويشكره، ويذكّر الجميع بأن الرئيس المنتهية ولايته سبق له وأن بادر برفع السماعة وتهنئته بالفوز بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية. فكان لذلك وقع طيب في النفوس. ويُنتظر من الرئيس الجديد أن يُقرن الصدق في القول بالإخلاص في العمل، لأن الوعود وحدها لا تكفي لامتلاك المصداقية.

كما كان المرزوقي أيضاً على موعد مع التاريخ عندما قبِل بنتيجة الانتخابات الرئاسية، ولم يسعَ إلى عرقلة انتقال السلطة على الرغم من قسوة ذلك، ورحّب بخلفه من دون أن يُظهر له أي عداء على الرغم من الجدار الكبير الذي يفصل بينهما. وعلى الرغم من أن المعركة الانتخابية كانت حامية جداً، لكنها لم تؤثر على الشعور بالمسؤولية لدى المرزوقي، الذي ظلّ يؤكد حتى اللحظة الأخيرة أن استمرارية الدولة ونجاح المسار يبقيان فوق كل الحسابات الأخرى، وهو ما إن غادر بوابة القصر الرئاسي حتى كان في استقباله بعض أنصاره الذين جاؤوا ليرفعوا من معنوياته، ويصفونه بأول رئيس عربي يغادر الرئاسة بكرامة.

بين هذا وذاك، يقف الآلاف ممن أسهموا في هذا المسار الديمقراطي، وهم ينتمون لليمين واليسار والوسط، ومن بينهم رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، الذي وضع نفسه في قلب العاصفة دفاعاً عن صحة المسار، وجعل مصلحة البلاد قبل مصلحة حركته، وقد كان لذلك تأثيره الكبير على مجرى الأحداث في تونس.

واليوم تتجه الأنظار إلى المستقبل، الذي يُتوقّع أن يكون مليئاً بالاحتمالات والأحداث الكبرى. ويبقى الأمل كبيراً في صمود التجربة الديمقراطية في تونس، ولكنه أمل حذر، وسط المنعرجات الكبرى التي تمر بها شعوب المنطقة.

ذات صلة

الصورة
مقبرة جماعية في منطقة الشويريف بطرابلس، 22 مارس 2024 (الأناضول)

مجتمع

أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الثلاثاء، أن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.
الصورة
مسيرات في تونس تنديداً بقصف خيام النازحين (العربي الجديد)

سياسة

شارك مواطنون تونسيون وسياسيون ومنظمات وطنية وحقوقيون، مساء اليوم الاثنين، في مسيرات في مدن تونسية تنديداً بالحرب على غزة، ولا سيما مجزرة رفح. 
الصورة
مسيرة في تونس ترفع شعارات الثورة التونسية، 24 مايو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

رفعت شعارات الثورة التونسية "شغل حرية كرامة وطنية" في احتجاج شبابي في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، تعبيراً عن رفض ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.
الصورة
طلاب من جامعات تونس في حراك تضامني مع غزة - 29 إبريل 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

انطلق حراك طلاب تونس التضامني مع غزة والداعم للانتفاضة الطالبية في جامعات العالم، ولا سيّما في جامعات الولايات المتحدة الأميركية، وذلك من العاصمة ومدن أخرى.
المساهمون