04 أكتوبر 2024
الساروت.. مسار ثورة
كل من ناصر الثورة السورية، منذ بدايتها، يعرف عبد الباسط الساروت. له معه حكايات عبر المقاطع المصوّرة التي كانت تخرج من المناطق الثائرة، والأناشيد التي كان يطلقها لتحفيز المتظاهرين السلميين، ولا سيما في حمص. راقبه من بعيد، وهو يتنقل بين أحياء بابا عمرو المحاصرة، لكنه كان يشعر دائماً بأنه قريب، وبأنه صوتٌ يعبّر عن الحلم الذي راود كثيرين، ليس السوريين فحسب، بل كل من تغنّى بالحرية والديمقراطية وزوال الاستبداد. لهؤلاء كان عبد الباسط الساروت رمزاً، خفت في أحيان قليلة، وتوارى عن صدارة المشهد بفعل التحوّلات التي شهدتها مسيرته في الثورة، وهي تحوّلات تشبه، إلى حد كبير، مسار الثورة السورية نفسها، وصعودها وهبوطها، من المدنية إلى العسكرة ونشوء فصائل الجيش الحر، مروراً بالتطرّف وبروز السلفية الجهادية، ووصولاً أخيراً إلى عودة العمل العسكري المعارض بشكل أساس للنظام.
ولكن يحسب للساروت أنه لم يدخل، مثل كثيرين غيره من الناشطين السياسيين والثوريين، في بازارات الدول والمنصّات والائتلافات والتحالفات التي شرذمت الثورة السورية أكثر مما خدمتها، وأدخلتها في متاهات إقليمية ودولية. حتى خروجه من سورية كان قليلاً، ربما مرة أو اثنتين، زار خلالهما إسطنبول، ليعود بعد ذلك إلى بلده. كان مقتنعاً أن عمله على الأرض في سورية، وليس في أي مكان لجوء آخر، على الرغم من الفرص التي أتيحت له، بحسب ما يخبر أصدقاء كثيرون له. آمن بالدور الذي عليه لعبه، لم تغرر به النجومية التي كسبها في بداية الثورة، وتحوّله إلى أيقونة يمكن أن يحتذي بها الناشطون. بل هو ضرب بكل ذلك عرض الحائط، حين قرّر التحوّل إلى التطرّف والانضمام إلى "جبهة النصرة" والاقتراب من مبايعة "داعش". في تلك اللحظة، كان الساروت يمثل واحدة من اللحظات المحورية في الثورة السورية، والتي اختصرت في الشعار الشهير "ما إلنا غيرك يا الله"، في مواجهة التجاهل الدولي العام للمحرقة السورية، وانضمام فاعلين دوليين وإقليميين لمد يد العون لنظام بشار الأسد في قتل شعبه على مرأى العالم ومسمعه. كانت ترجمة الشعار في ظهور هذه المجموعات المتطرّفة، والتي لم تكن بعيدة أيضاً عن الدعم الإقليمي، واستقطبت شبانا سوريين عديدين، والساروت كان منهم. ومع ذلك، بقيت سيرته حاضرة باعتباره "حارس الثورة ومنشدها"، حتى في مرحلة انفكاكه عن هذه الصفة. لم يرد أي من مناصري الثورة التي قامت على فكرة الحرية والعدالة أن يرى الساروت في هذا المكان، أو يقتنع بأنه انتقل إلى ضفةٍ مغايرةٍ لما كان ينادي به، تماماً مثلما يرفض هؤلاء الاقتناع بأن "داعش" وجبهة النصرة وغيرها من الحركات المتطرفة جزءٌ من الثورة السورية، بل هي مجرد انعكاس لتحولاتٍ مضت إليها الثورة، ولا بد أن تعود عنها. وهذا ما حصل مع الساروت، حين عاد إلى ساحة العمل الثوري، عسكرياً ومدنياً في إدلب وريف حماة، مبتعداً عن التحوّل الفكري الذي أصاب سيرته، محاولاً خط سطور أخيرة مشرفة من حياته القصيرة (27 عاماً)، والتي سجل خلالها الكثير.
لهذا، ولارتباط سيرة الرجل ومساره بثورة آمن كثيرون، ولا يزالون، بعدالتها، جاء وقع مقتله قاسياً ومؤلماً. كل من ناصر الثورة السورية، من بدايتها، شعر أنه فقد عزيزاً أو شخصاً يعرفه حق المعرفة، أو هكذا تخيّل، وهو يرى أن مساحة الحلم ضاقت، وخسرت واحداً من رموزها. أو ربما أسقط، في لا وعيه، نهاية الساروت على الثورة نفسها. هو حزنٌ مضاعف، أبعد من الساروت نفسه. حزنٌ لا بد أن تواجهه قناعةٌ أنه ما زال للحلم بقية، وأن النهايات الحقيقية لم تكتب بعد.
ولكن يحسب للساروت أنه لم يدخل، مثل كثيرين غيره من الناشطين السياسيين والثوريين، في بازارات الدول والمنصّات والائتلافات والتحالفات التي شرذمت الثورة السورية أكثر مما خدمتها، وأدخلتها في متاهات إقليمية ودولية. حتى خروجه من سورية كان قليلاً، ربما مرة أو اثنتين، زار خلالهما إسطنبول، ليعود بعد ذلك إلى بلده. كان مقتنعاً أن عمله على الأرض في سورية، وليس في أي مكان لجوء آخر، على الرغم من الفرص التي أتيحت له، بحسب ما يخبر أصدقاء كثيرون له. آمن بالدور الذي عليه لعبه، لم تغرر به النجومية التي كسبها في بداية الثورة، وتحوّله إلى أيقونة يمكن أن يحتذي بها الناشطون. بل هو ضرب بكل ذلك عرض الحائط، حين قرّر التحوّل إلى التطرّف والانضمام إلى "جبهة النصرة" والاقتراب من مبايعة "داعش". في تلك اللحظة، كان الساروت يمثل واحدة من اللحظات المحورية في الثورة السورية، والتي اختصرت في الشعار الشهير "ما إلنا غيرك يا الله"، في مواجهة التجاهل الدولي العام للمحرقة السورية، وانضمام فاعلين دوليين وإقليميين لمد يد العون لنظام بشار الأسد في قتل شعبه على مرأى العالم ومسمعه. كانت ترجمة الشعار في ظهور هذه المجموعات المتطرّفة، والتي لم تكن بعيدة أيضاً عن الدعم الإقليمي، واستقطبت شبانا سوريين عديدين، والساروت كان منهم. ومع ذلك، بقيت سيرته حاضرة باعتباره "حارس الثورة ومنشدها"، حتى في مرحلة انفكاكه عن هذه الصفة. لم يرد أي من مناصري الثورة التي قامت على فكرة الحرية والعدالة أن يرى الساروت في هذا المكان، أو يقتنع بأنه انتقل إلى ضفةٍ مغايرةٍ لما كان ينادي به، تماماً مثلما يرفض هؤلاء الاقتناع بأن "داعش" وجبهة النصرة وغيرها من الحركات المتطرفة جزءٌ من الثورة السورية، بل هي مجرد انعكاس لتحولاتٍ مضت إليها الثورة، ولا بد أن تعود عنها. وهذا ما حصل مع الساروت، حين عاد إلى ساحة العمل الثوري، عسكرياً ومدنياً في إدلب وريف حماة، مبتعداً عن التحوّل الفكري الذي أصاب سيرته، محاولاً خط سطور أخيرة مشرفة من حياته القصيرة (27 عاماً)، والتي سجل خلالها الكثير.
لهذا، ولارتباط سيرة الرجل ومساره بثورة آمن كثيرون، ولا يزالون، بعدالتها، جاء وقع مقتله قاسياً ومؤلماً. كل من ناصر الثورة السورية، من بدايتها، شعر أنه فقد عزيزاً أو شخصاً يعرفه حق المعرفة، أو هكذا تخيّل، وهو يرى أن مساحة الحلم ضاقت، وخسرت واحداً من رموزها. أو ربما أسقط، في لا وعيه، نهاية الساروت على الثورة نفسها. هو حزنٌ مضاعف، أبعد من الساروت نفسه. حزنٌ لا بد أن تواجهه قناعةٌ أنه ما زال للحلم بقية، وأن النهايات الحقيقية لم تكتب بعد.