يولي المصريون اهتماماً كبيراً لتحضيرات العام الدراسي الجديد، على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي يواجهونها. وقد حرصوا على تأمين مستلزمات أبنائهم قبل أن تفتح المدارس أبوابها لاستقبالهم في 22 سبتمبر/ أيلول.
اليوم، يبدأ العام الدراسي الجديد في مصر. في الواقع، موسم العودة إلى المدرسة انطلق قبل أيام لا بل أسابيع. فالأسر المصرية كلها تأهّبت من أجل تهيئة أبنائها لسنتهم الجديدة، لجهة تأمين مستلزماتهم من زيّ مدرسي وقرطاسية وأدوات مختلفة وحقائب وغيرها. صُدمت تلك الأسر بالارتفاع غير المسبوق الذي طاول أسعار المستلزمات كلها، وسُجّلت حالة من الاستياء البالغ بينها، خصوصاً تلك التي تضمّ أكثر من تلميذ في مراحل تعليمية مختلفة. والغلاء يحاصر الأهالي من كل جانب، لدرجة أنّهم باتوا غير قادرين على تحمّل الأحوال المعيشية الصعبة على الصعد كافة. لكنّ مستلزمات المدرسة تُعَدّ من الأساسيات، ولا يستطيع أيّ تلميذ الاستغناء عنها، لا سيّما أنّ التعليم يبقى في مقدمة اهتمامات الأسر المصرية.
قد تكون تكاليف هذا العام العليا على الإطلاق، غير أنّ الغلاء أمر يتكرر مع بداية كل عام دراسي جديد. ويرى الأهالي أنفسهم في كل مرّة مضطرين إلى مواجهة أعباء المدارس، لا سيّما ارتفاع أسعار الكراسات والأقلام والأدوات الهندسية وكذلك الحقائب، في حين يُعَدّ الزيّ المدرسي أزمتهم الكبرى. في كل عام، تعمد المدارس إلى تغيير الزيّ، الأمر الذي يزيد امتعاضهم.
وقد اعتادت بعض المدارس الحكومية في المحافظات المصرية تغيير الزيّ سنوياً، من خلال اللجوء إلى تصميمات جديدة يراها كثيرون نوعاً من "البيزنس". يأتي ذلك بالاتفاق مع أصحاب مصانع الملابس والمحال لإجبار أولياء الأمور على شراء الزيّ الجديد من نقاط بيع محددة، في حين تحتفظ إدارات المدارس بحقها ونسبتها من قيمة المبيعات الإجمالية. وثمّة مدارس تلجأ إلى بيع الزيّ المدرسي بنفسها، وبسعر أعلى، لإجبار أولياء الأمور على الشراء بالأسعار التي تحددها في ظل غياب الرقابة. وقد وصل الاحتكار إلى درجة أنّ المدارس اشترطت على المحال والمؤسسات المتعاقدة معها وضع "بادج" (شارة) يحمل اسم المدرسة على الزيّ، لمنع التلاميذ من شرائه من الخارج ولتفويت الفرصة على المصانع المنافسة وحرمانها من صناعة الزيّ نفسه. وهو ما زاد حالة الاستياء بين أولياء الأمور إذ إنّهم رأوا أنفسهم ضحايا.
في جولات على أسواق القاهرة خلال الأيام التي سبقت انطلاق العام الدراسي الجديد، كان من الممكن ملاحظة الارتفاع الكبير في أسعار الزيّ المدرسي الذي بلغ الضعفَين بالمقارنة مع أسعار العام الماضي. وهذا ما دفع أسراً مصرية كثيرة إلى الاكتفاء بشراء قطعة واحدة من الزيّ المدرسي، في حين اضطرت أخرى إلى شراء الأطقم الكاملة بسبب إقبال أبنائها على مرحلة تعليمية جديدة. وقد تراوح سعر الزيّ المدرسي الخاص بالفتيان في المرحلة الابتدائية والإعدادية بين 500 و600 جنيه مصري (28 - 35 دولاراً أميركياً) وهو عبارة عن سروال جينز وقميص، أمّا الزيّ الخاص بالفتيات في المرحلة نفسها فتراوح بين 450 و550 جنيهاً (25 - 31 دولاراً). وتراوح الزيّ الموحّد للفتيان والفتيات في المرحلة الثانوية بين 600 و700 جنيه (35 - 40 دولاراً). وفي ما يخصّ سعر الطقم الخاص برياض الأطفال، فقد تراوح بين 250 و300 جنيه (14 - 17 دولاراً).
وفي خلال الأيام الماضية، شهد سوق الفجالة في القاهرة إقبالاً من قبل الأهالي الذين يقصدونه في كل عام لشراء الكتب والكرّاسات والأقلام وغيرها من المستلزمات المدرسية. وهؤلاء أتوا من المحافظات المصرية المختلفة، خصوصاً تلك التي تجاور القاهرة. ففي الفجالة، يتمّ البيع بسعر الجملة بالمقارنة مع بعض المكتبات في المحافظات. لكنّ أسعار المستلزمات المدرسية تختلف وفقاً لعلامتها التجارية ولبلد المنشأ. من جهة أخرى، ارتفعت أسعار الكتب الخارجية بنسبة 30 في المائة تقريباً، لكلّ المراحل الدراسية الأساسية، الابتدائية والإعدادية والثانوية. وفي حين حرص تلاميذ كثر على اقتناء تلك الكتب قبيل انطلاق الدراسة، فإنّ آخرين فضّلوا شراءها في بداية العام الدراسي بعد تحديد المدرّس الخصوصي وبالتالي الكتاب الخارجي الذي يفضّله عن غيره من الكتب.
لم يخفِ الأهالي ردود أفعالهم الغاضبة على خلفية ارتفاع الأسعار إلى ضعفَيها بالمقارنة مع ما كانت عليه في العام الماضي، وذلك يشمل الزيّ المدرسي والمستلزمات الأخرى من كشاكيل وكرّاسات وأقلام وحقائب مدرسية وغيرها. وتشكو هدى عبد الفتاح وهي والدة ثلاثة تلاميذ في مراحل مختلفة، من ارتفاع الأسعار، قائلة إنّها دفعت نحو ألفَي جنيه (110 دولارات) لشراء أزياء أطفالها. أمّا أمل محمود وهي والدة تلميذَين في المرحلتَين الإعدادية والثانوية، فتقول إنّها اعتادت في كلّ عام شراء طقمَين لكلّ واحد من الولدَين. لكنّها في ظل هذه الأسعار المرتفعة، اكتفت بشراء طقم واحد فقط للولد.
من جهته، يشير شقير علي وهو والد ثلاثة تلاميذ، إلى أنّ "الحالة صارت لا تحتمل والأسعار نار وفي ارتفاع يومي". يضيف أنّه "لم يعد من السهل على أيّ أسرة تحديد ميزانية لشراء مستلزمات المدارس مسبقاً في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، وصار البعض يشتري ما يحتاجه على مراحل حتى يسهل عليه الوفاء بكل الاحتياجات". ويتابع علي أنّ "المواطن المصري لا يعرف كيفية الاستمرار في ظل غلاء المعيشة من حوله. ونحن مضطرون إلى شراء الزيّ الذي يتغيّر في كل عام، والكتب، والحقائب، والأحذية، في حين نواجه التدني في الأجور". أمّا حنان محمد وهي والدة تلميذَين، فتقرّ بأنّها فشلت في "وضع ميزانية محددة للشراء في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار الذي لمسته خلال جولتي على مكتبات الفجالة وغيرها من المكتبات في الخارج. الأسعار تضاعفت تقريباً بالمقارنة مع العام الماضي". بالنسبة إلى نجوى علي، فإنّ "أسعار الملابس هذا العام نار. لديّ أربعة أطفال، اثنان منهم في المرحلة الابتدائية واثنان في المرحلة الإعدادية، ونحن نعاني في كل عام من ارتفاع أسعار الزيّ. وعلى الرغم من تكرار شكوانا لإدارة المدرسة والتوسّل لعدم تغيير الزيّ نظراً إلى أوضاعنا المادية التي لم تعد تحتمل وسط الغلاء، فإنّ أحداً لم ينصت إلينا". تضيف: "نتعرّض إلى ضغوط وأعباء مالية كثيرة من زي مدرسي وكتب خارجية ودروس خصوصية وما إلى ذلك، في حين أنّ قدراتنا المالية محدودة جداً".
تجدر الإشارة إلى أنّ عدداً من البائعين رفع شعار "مفيش فصال". ويؤكد حامد متولي وهو صاحب محل ملابس، أنّ "ارتفاع سعر الزيّ المدرسي يرتبط بارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج"، مشيراً إلى أنّ "موسم المدارس هو من أنجح المواسم. فأولياء الأمور مضطرون إلى الشراء ولا بديل أمامهم، على الرغم من أنّ بعضهم يقلل في الكمية لمصلحة مستلزمات أخرى". يضيف متولي أنّه "على الرغم من الغلاء، فإنّ عملية البيع نشطة". أمّا ممدوح عبد الكريم وهو بائع في سوق الموسى في وسط القاهرة، فيقول إنّ "أسعار الزيّ المدرسي ارتفعت أكثر من 100 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي"، موضحاً أنّ "الأسعار عموماً تختلف بحسب نوع القماش والمقاس". ويكمل أنّ الأمر "لم يختلف كثيراً بالنسبة إلى الأحذية والحقائب".