19 أكتوبر 2019
الزواج دليلاً على يأس سوريين
في إحدى صالات الأفراح في مدينة غازي عينتاب التركية، التي سميت في مرحلة سابقة، "عاصمة الحراك السوري"، لكثرة الناشطين والمنظمات والمؤسسات المعنية بالشأن السوري فيها، أقيمت، قبل أيام، حفلة زفاف لعروسين سوريين من نشطاء حلب. كان عرساً طبيعياً في ظاهره؛ موسيقى، ورقص، ودبكة شارك فيها معظم الحاضرين، مع ارتفاع أصوات الضحك، الموتور أحياناً، ومحاولة من الجميع، لرسم معالم الفرح على وجوههم. كان المدعوون بعض أفراد عائلتي العريسين وأصدقاء عديدين من الناشطين والإعلاميين السوريين أيضا.
مرت سنة منذ التقيت ببعضهم آخر مرة، زمن لا يمكن وصفه بالطويل في الحالات الطبيعية، لكنه، هذه المرة، كان حافلا بالتغيرات، إلى درجة يمكن معها اعتباره دهراً كاملا.
لم تستطع محاولات الأصدقاء الجادة اصطناع الفرح أن تمحو ما حفرته هذه السنة في ملامحهم، هذه السنة بالذات، وخصوصا أشهرها الأخيرة التي أغرقت الجميع في حالة من اليأس، كانوا يقاومونها طوال أربع سنوات، لكن عيونهم وشت بحقيقة ما يُثقل أرواحهم.
تقول تقاسيم وجوه السوريين في عينتاب حقيقة مرّة، لم نصل إليها من قبل. بدأنا نفقد الأمل. لربما كانت أحداث السنة الأخيرة وتطوراتها الميدانية، أو ثباتها الميداني بين المد والجزر في كل تفاصيل الشأن السوري، إضافة إلى الشعرة الأخيرة القاصمة، وهي التدخل الروسي السافر والمخيف، بعد تعب التمسك بالحلم في انتصار الثورة السورية، على الرغم من كل انتكاساتها، وتحولاتها، وابتعادها عن الشكل الجميل الذي بدأت به، ذلك التمسك المضني بحفنة أمل تسربت تدريجياً من بين أصابعنا في السنوات الماضية، لربما كانت تلك الأشهر بكل ثقلها السبب الأوضح وراء هذا التغير الهائل في ملامح السوريين ونبرة أصواتهم ومفرداتهم التي يستخدمونها في الأحاديث، وحتى اهتماماتهم اليومية وأحلامهم.
في كل النقاشات التي تدور حاليا في مجتمع الشباب السوريين الناشطين (سابقا)، والمقيمين حالياً في غازي عينتاب، يغيب تماما الأمل بانتصار الثورة، كما يغيب احتمال العودة إلى البلاد، لتحل مكانهما محاولات تمرير السيناريوهات الأقل سوءاً وتصديقها، حسب رؤية المتحدث وانتمائه، وبلغة باردة محايدة لم تعد تضج، كما كانت، بالعزم والرغبة بالاستمرار مهما كلف الأمر، إضافة إلى الحديث الذي لا يغيب عن جلسة اثنين منهم، حول خيارات الإقامة في تركيا أو الهجرة إلى أوروبا للحصول على اللجوء.
وليس العرس الذي تم منذ أيام، وغيره أعراس عديدة مشابهة، بعيداً عن أن يكون تعبيراً آخر عن اليأس. قد يبدو الأمر غريبا لارتباط الأعراس والحفلات عادة بالأمل والتفاؤل ببدايات جديدة، كما يعني الزواج في مجتمعاتنا حالة استقرار، لكن قرار الاستقرار هذا بحد ذاته، في هذه المرحلة، هو الدليل الأكبر على اليأس.
شهد صيف العام الجاري في المدينة التركية، وبشكل غير مسبوق، عشرات الأعراس، لنشطاء وثوار ومنشقين ومهجّرين حياديين. ويقودنا انتشار الظاهرة إلى السؤال الموجع: لماذا قرّر الشباب الزواج الآن، بعد أن كانوا عازفين عنه، طوال السنوات الماضية، بدافع تأجل الأفراح والاستقرار إلى ما بعد انتصار الثورة؟ قبل سنة، كان جواب الأصدقاء لدى سؤالهم عن نية الزواج، ولو بصيغة المزاح أو التعليق أحيانا، أنهم يؤجلون السعي إلى تحقيق كل الأحلام الشخصية، لانشغالهم فكريا وعاطفيا وزمنيا، بنشاطاتهم في ما يحاولون تقديمه للثورة، وتمسكهم بحلم العودة إلى سورية أولاً، ثم التفكير بما يريدونه شخصياً بعد ذلك.
ليس مصادفة أن يبدأ هؤلاء بالتفكير بالاستقرار خارج سورية، بل لهذه الظاهرة مدلولات بعيدة. وعلى الرغم من عدم رغبتنا في تصديق ما تعكسه لنا، فإن ملامح السوريين وقراراتهم الشخصية باتت تفضح، غصباً عنهم، انكسار أحلامهم وتعمشق اليأس على حطامها.
مرت سنة منذ التقيت ببعضهم آخر مرة، زمن لا يمكن وصفه بالطويل في الحالات الطبيعية، لكنه، هذه المرة، كان حافلا بالتغيرات، إلى درجة يمكن معها اعتباره دهراً كاملا.
لم تستطع محاولات الأصدقاء الجادة اصطناع الفرح أن تمحو ما حفرته هذه السنة في ملامحهم، هذه السنة بالذات، وخصوصا أشهرها الأخيرة التي أغرقت الجميع في حالة من اليأس، كانوا يقاومونها طوال أربع سنوات، لكن عيونهم وشت بحقيقة ما يُثقل أرواحهم.
تقول تقاسيم وجوه السوريين في عينتاب حقيقة مرّة، لم نصل إليها من قبل. بدأنا نفقد الأمل. لربما كانت أحداث السنة الأخيرة وتطوراتها الميدانية، أو ثباتها الميداني بين المد والجزر في كل تفاصيل الشأن السوري، إضافة إلى الشعرة الأخيرة القاصمة، وهي التدخل الروسي السافر والمخيف، بعد تعب التمسك بالحلم في انتصار الثورة السورية، على الرغم من كل انتكاساتها، وتحولاتها، وابتعادها عن الشكل الجميل الذي بدأت به، ذلك التمسك المضني بحفنة أمل تسربت تدريجياً من بين أصابعنا في السنوات الماضية، لربما كانت تلك الأشهر بكل ثقلها السبب الأوضح وراء هذا التغير الهائل في ملامح السوريين ونبرة أصواتهم ومفرداتهم التي يستخدمونها في الأحاديث، وحتى اهتماماتهم اليومية وأحلامهم.
في كل النقاشات التي تدور حاليا في مجتمع الشباب السوريين الناشطين (سابقا)، والمقيمين حالياً في غازي عينتاب، يغيب تماما الأمل بانتصار الثورة، كما يغيب احتمال العودة إلى البلاد، لتحل مكانهما محاولات تمرير السيناريوهات الأقل سوءاً وتصديقها، حسب رؤية المتحدث وانتمائه، وبلغة باردة محايدة لم تعد تضج، كما كانت، بالعزم والرغبة بالاستمرار مهما كلف الأمر، إضافة إلى الحديث الذي لا يغيب عن جلسة اثنين منهم، حول خيارات الإقامة في تركيا أو الهجرة إلى أوروبا للحصول على اللجوء.
وليس العرس الذي تم منذ أيام، وغيره أعراس عديدة مشابهة، بعيداً عن أن يكون تعبيراً آخر عن اليأس. قد يبدو الأمر غريبا لارتباط الأعراس والحفلات عادة بالأمل والتفاؤل ببدايات جديدة، كما يعني الزواج في مجتمعاتنا حالة استقرار، لكن قرار الاستقرار هذا بحد ذاته، في هذه المرحلة، هو الدليل الأكبر على اليأس.
شهد صيف العام الجاري في المدينة التركية، وبشكل غير مسبوق، عشرات الأعراس، لنشطاء وثوار ومنشقين ومهجّرين حياديين. ويقودنا انتشار الظاهرة إلى السؤال الموجع: لماذا قرّر الشباب الزواج الآن، بعد أن كانوا عازفين عنه، طوال السنوات الماضية، بدافع تأجل الأفراح والاستقرار إلى ما بعد انتصار الثورة؟ قبل سنة، كان جواب الأصدقاء لدى سؤالهم عن نية الزواج، ولو بصيغة المزاح أو التعليق أحيانا، أنهم يؤجلون السعي إلى تحقيق كل الأحلام الشخصية، لانشغالهم فكريا وعاطفيا وزمنيا، بنشاطاتهم في ما يحاولون تقديمه للثورة، وتمسكهم بحلم العودة إلى سورية أولاً، ثم التفكير بما يريدونه شخصياً بعد ذلك.
ليس مصادفة أن يبدأ هؤلاء بالتفكير بالاستقرار خارج سورية، بل لهذه الظاهرة مدلولات بعيدة. وعلى الرغم من عدم رغبتنا في تصديق ما تعكسه لنا، فإن ملامح السوريين وقراراتهم الشخصية باتت تفضح، غصباً عنهم، انكسار أحلامهم وتعمشق اليأس على حطامها.