وتضيف: "بعد شطب الإشارة، ونظراً لغياب القانون المدني في لبنان، عدنا حكماً إلى القانون الفرنسي، الذي ينصّ على إعلان الزواج قبل عقده من خلال تعليقه على مكان العمل أو المنزل لمدة 15 يوماً (إجراء شكلي)، وكلّ من له أي اعتراض يسجّل ذلك عند البلدية، وبعدها أجرينا فحوصات طبية، ومن ثم تم عقد الزواج أمام كاتب العدل جوزف بشارة".
"زواجنا كان آخر عقد وقعه وزير الداخلية مروان شربل في عهده" تقول فاطمة بينما يكمل المهندس جان قائلا :"القضية تستحقّ، ومن حقّ كلّ لبناني أن يعقد زواجه في بلده بكل حرية، مع المساواة في الحقوق والواجبات".
أول حالة زواج أمام كاتب العدل
بتاريخ 25 إبريل/نيسان 2013، وقّع وزير الداخليّة والبلديّات (حينها)، مروان شربل، على تسجيل عقد زواج نضال درويش وخلود سكرية (مسلمان من مذهبين مختلفين) المعقود في 10 ديسمبر/كانون الأول من عام 2012 أمام كاتب العدل جوزف بشارة، بعدما تقدما من سجل النفوس وشطبا مذهبيهما، وهما أوّل ثنائي لبناني يفتتح الزواج المدني في سجلات المديرية العامة للأحوال الشخصيّة.
الخطوة التي قام بها الوزير السّابق مروان شربل، أقدم عليها، لاعتبارات عدّة، وفق ما كشف لـ"العربي الجديد"، ومنها اعتراف الدولة اللبنانيّة بالزواج المدني الذي يعقد في الأراضي الأجنبيّة، وتسجيله مع إعطائه كافة المفاعيل القانونيّة، في خطوة تدلّ على أنّها تعترف بطريقة غير مباشرة بالزواج المدني.
كذلك، أراد شربل من خلال هذا التصرّف، التخفيف من الأعباء التي يتكبّدها اللبنانيّ بغية إقامة زواجه في دولة أجنبية، إذ إن الكثير من اللبنانيين غير قادرين على عقد زواج في الخارج. وهنا يسأل: "لماذا يسافر المواطن اللبناني ويتزوج فيعود ويسجل زواجه؟ وإذا كانت الدولة اللبنانيّة حقيقة ضدّ هذا النوع من الزواج فلمَ لا تصدر قراراً بعدم الاعتراف بالزواج المدني ككلّ؟".
ومن الأسباب أيضاً، يقول شربل، كان هناك زواج على طريقة المساكنة من خلال عقد شرعي، لكن أي طفل يولد من هذا الثنائي يكون لقيطاً أو مكتوم القيد. وهذه مسألة لا يمكن القبول بها.
كما استند العميد شربل إلى آراء مجموعة من القانونيين والحقوقيين، بعدما أوكلهم دراسة القضية منذ عقد زواج خلود ونضال ومن مختلف جوانبها وإجراءاتها، ودرست الهيئة الاستشاريّة في وزارة العدل والمؤلفة من 3 قضاة (شيعي - مسيحي - سني)، الملفات والأسئلة التي طلبت الداخلية استيضاحها والتي استعان بها وزير العدل شكيب قرطباوي لأخذ رأيها، وأصدرت تأييداً للقرار رقم 6 ر.م. الصادر عام 1936 الذي ينظم الأحوال الشخصيّة.
ويكمل شربل: "طبقت القرار وأنا مقتنع به، وعلى الرغم من رفض مديرية الأحوال الشخصية الخطوة لعدم وجود قانون للزواج المدني في لبنان، أصررت، ودوّنت الإصرار، فأخذت به وسجّل الزواج".
شطب القيد
بلغ عدد من شطبوا قيدهم 150 شخصاً خلال آخر ثلاثة أعوام، فيما يعقد أربعون ألف لبناني زواجاً بشكل سنوي من ضمنهم ألف ومئتا زواج مدني، وفق ما كشفه لـ"العربي الجديد" الباحث في "الدولية للمعلومات" (شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلّة) محمد شمس الدين، والذي لفت إلى أنّ "700 شخص يعقدون زواجاً مدنيّاً في قبرص التي تعدّ من أكثر الدول جذباً لهذا النوع من الزواج، يليها كذلك فرنسا وغيرها من الدول".
وتابع أنّ 13 زواجاً مدنيّاً سجّل في لبنان من ضمنها زواج نضال وخلود، في حين هناك 45 طلباً تنتظر موافقة وزير الداخلية. وهي اليوم الوزيرة ريا الحسن. وعن موقف اللبنانيين، كشف شمس الدين، أنّ 46% بحسب آخر استطلاع للرأي أجري عام 2016 هم مع الزواج الديني، و18% ضد الزواج المدني، و33% يفضلون الزواج الاختياري، و3% لم يحدّدوا موقفهم".
الزواج في قبرص
تشير ساندي أبو خليل، وهي مساعدة إدارية في شركة "ترافل أسوسيتس" للسفريات، إلى أنّ "الأوراق المطلوبة لعقد زواج بين لبنانيين اثنين في قبرص، هي إخراج قيد عائلي، إخراج قيد فردي، وثيقة طلاق (في حال الطلاق)، وتفويض عند كاتب العدل لممثل شركة السفريات في قبرص ليتمكن من تسجيل الزواج".
وتضيف: "جميع المستندات يجب أن تكون مترجمة ومصدّقة من وزارة الخارجيّة وسفارة قبرص. في حين أن جلب الشهود ليس إلزاميّاً إذ يمكن تأمينهم من قبرص". وتلفت إلى أنّ "مراسم الزفاف تحصل في بلدية لارنكا، فيما ترسل وثيقة الزواج بحقيبة دبلوماسيّة من خلال سفارة لبنان في نيقوسيا إلى وزارة الداخليّة في لبنان بغية تسجيل الزواج".
أما التكلفة فتبلغ 1400$، بحسب أبو خليل، وتتضمّن "تذكرة سفر لشخصين، إقامة لليلة في فندق 4 نجوم، مواصلات من وإلى المطار ومن وإلى البلدية، الشهود، تصديق المعاملات، فيزا لشخصين، تكاليف الزفاف".
ومن بين من عقدوا زواجهم في قبرص، الإعلامي زافين قيومجيان والخبيرة في مجال حوكمة النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان، اللذان تزوجا مدنياً في قبرص في الأوّل من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2002، على الرغم من أنّهما من الطائفة الأرمنيّة نفسها، وذلك لإيمانهما بالمجتمع المدني. كما تقول لوري لـ"العربي الجديد".
وأكّدت أنّ "زواجهما المدني لم يحمل أيّ تأثيرات على حياتهما أو عملهما في لبنان، خصوصاً أنّ الزواج المدني المعقود في الخارج معترف به من قبل الدولة اللبنانيّة". مشيرةً إلى أنّ "الزواج مدنيّاً في الخارج لم يكن رائجاً كاليوم باستثناء حالات الزواج المختلط إذ كان الإقبال عليه أكثر".
موقف القانون اللبناني
بسبب غياب القانون الوطنيّ الذي يرعى وينظّم الزواج المدني في لبنان، يتحتّم تطبيق القانون المدني حيث مكان عقد الزواج في الخارج، وفق الصيغة المحدّدة في البلد الأجنبي، مع كافة مفاعيله، أيّ لناحية البنوّة الشرعيّة والطلاق، بحسب ما أوضحته المحامية يمنى مخلوف، والتي تؤكّد في حديثها إلى "العربي الجديد"، أنّ "الزواج المدني المعقود خارج الأراضي اللبنانيّة، لا يعدّ مخالفاً للنظام العام، وذلك سنداً للمادة 25 من القرار رقم 60 ل.ر"، كما يسجّل في قيود النفوس وسجلات الأحوال الشخصية اللبنانيّة، وتضيف قائلة :"إلى جانب ذلك، يحق لكلّ مواطن لبنانيّ أن يعقد زواجاً مدنيّاً، عملاً بالمادة 9 من الدستور، وأوضحت مخلوف، أنّه عملاً بالمادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة، فإنّ "المحاكم اللبنانيّة المدنيّة، تختصّ بالنظر في النزاعات الناشئة عن الزواج المدني الذي عقد في بلد أجنبي بين لبنانيين اثنين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المدني المقرّر في قانون ذلك البلد. أما إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمديّة وأحدهما على الأقلّ لبنانيّاً، فعندها تكون المحاكم الشرعيّة والدرزية هي صاحبة الاختصاص".
وفي حال أراد الطرفان، الزواج مدنيّاً في لبنان لدى الكاتب العدل وفق القانون المدني الذي يختارانه من خلال إزالة الإشارة إلى الطائفة في سجلاّت النفوس، فنّدت مخلوف المادة 10 من القرار 60 ل.ر، (والمعدلة بالمادة 1 من القرار 164 تاريخ 18 ت2 1938)، وأشارت إلى أنّ هذه الحالة لجأ إليها بعضهم، على اعتبار أنّ اللبنانيّين الذين لا ينتمون لطائفة ما، يخضعون للقانون المدني في ما خصّ الأمور المتعلّقة بالأحوال الشخصيّة"، إلا أنها تطرح إشكاليات عديدة باعتبار أنه يسودها نظرة تعاقدية للزواج بامتياز.
ولفتت في هذا السّياق، إلى أنّ كل لبناني راشد، يمكن أن يلجأ إلى شطب قيده المذهبي، فيصبح بالتالي غير مصنّف أو مطيّف لناحية علاقته بالدولة، ولكنّ هذا لا يعني التخلّي عن الانتماء الديني بل يقتصر على رفض التصريح بالانتماء الديني. مشيرة، إلى أنّ "المشاكل التي تحدث في هذه الحالة، ترتبط بالوضع القانوني للشخص خصوصاً لناحية الإرث وأي قانون يجب تطبيقه في ما يتعلّق بمواد الأحوال الشخصية والإرث، وكذلك في ما خصّ وظائف الفئة الأولى في الدولة التي توزّع بحسب الطوائف والمذاهب".
ولجهة اختيار اللبنانيّين قبرص بشكل خاص عن غيرها من الدول، ربطت المحامية ذلك بأسباب كثيرة، منها قرب المسافة، أو التكلفة الماديّة الأقلّ مقارنةً مع دول أخرى، بالإضافة إلى سهولة إتمام مراسيم الزواج المدني، حيث لا شروط قاسية كما تلزم دول أوروبيّة على سبيل المثال إقامة الزوجين في البلد لعقد الزواج المدني فيه. فمثلاً في فرنسا هناك شروط معينة للزواج منها إقامة أحد الزوجين خلال شهر قبل الزواج أو إقامة أحد والديه".
بين القانون والعرقلة الواقعية
كاتب العدل جوزف بشارة الذي عقد أول زواج مدني في لبنان مع نضال وخلود، أوضح أنّ "الزواج المدني الذي عقد على الأراضي اللبنانية سبقه إجراء قام به بعض المواطنين وتم التثبت من قانونيته، وهو عملية شطب الإشارة إلى قيدهم المذهبي، وهذا نوع من شطب الانتماء الإداري للطوائف. وبالتالي، فإنّ هؤلاء باتوا خاضعين للقاعدة المدنية في شؤونهم خصوصاً بأحوالهم الشخصية، وصاروا حكماً محالين بموجب القوانين إلى القاعدة المدنية في الزواج الذي هو حق أساسي معترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور اللبناني، والحق لا قيمة له من دون القدرة على التمتع به وهو مصان ومكفول بالدستور والمواثيق الدولية".
وأضاف: "وفقاً لذلك، أبرزوا صفتهم أنهم شطبوا القيد، وتم عقد زواجهم المدني لدى الكاتب العدل والمراجع المختصة القانونية تثبتت من القانونية وأقرت بقانونيته وسجل ونفذ 13 زواجاً مدنيّاً وسجّل أولادهم وصارت سابقة إدارية وحقوق مكتسبة". مشيراً إلى أنّ "المراجع المختصة المقصودة هي الهيئة العليا للاستشارات في وزارة العدل، فيما تتلقى وزارة الداخلية تصاريح المواطنين".
ولفت إلى أنّ "شطب الإشارة، تجعل من علاقة المواطن مباشرة مع الدولة من دون أي وسيط، فيتمتع بحقوقه ويلتزم بواجباته، أما في حالة الطلاق، فتطبق القواعد المدنيّة المحال لها بعقد الزواج وتنظر به المحاكم المدنيّة المحال لها بعقد الزواج وتنظر به المحاكم المدنيّة".
اليوم، يؤكّد كاتب العدل، أنّ "الزواج لشاطبي القيد مجاز قانوناً، لكن معرقل واقعيّاً، وهناك 45 شابة وشاباً، من الذين حجبوا الإشارة إلى القيد الطائفي من سجلاّت نفوسهم وعقدوا زواجاً مدنياً على الأراضي اللبنانية، قبل أن يتولى وزير الداخلية السّابق نهاد المشنوق عام 2014 وزارة الداخلية والبلديات، لتمتنع عندها مديرية الأحوال الشخصيّة عن تسجيل هذه العقود، ونقل البيانات وتسليم الوثائق النهائيّة للمواطنين، ما دفع عدد من الحالات إلى السفر والزواج مدنياً في الخارج خصوصاً من رزق بطفل حتى يكون زواجهما رسميّاً وكذلك وضع أولادهما قانوني، في حين لا يزال بعضهم ينتظر رفع الظلامة عنهم ولم يتمكنوا من عقد زواج مدني في الخارج".
وختم مشيراً، إلى أنّ "لا فوارق مهمة في القوانين المدنية لناحية الزواج، فأغلب القوانين الوضعية التي تحكم الزيجات المدنية تقوم على قيم ومبادئ، أهمها المساواة وإعلاء شأن الإرادة بين الزوجين وحقوق الطفل، والمشاركة في تحديد موقفهما من النظام المالي للزواج والقرارات الخاصة بحياتهم الزوجية مثل مكان السكن والعمل وطريقة تربية الأولاد أي الاختيار والمساوة واحترام الإرادة عبر قواعد وقيم واضحة ومحددة في القانون". مشدّداً على أنّ من يعقد زواجاً مدنياً له كل حقوق المواطنة والجنسيّة اللبنانيّة التي تنصّ على أنّ "حرية الاعتقاد مطلقة. والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على ألا يكون في ذلك إخلال في النظام العام، وهي تضمن أيضا للأهلين اختلاف مللهم واحترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية".