أكثر من مرة، أطلق وكيل وزارة الزراعة والمياه السعودي السابق، الدكتور علي الطخيس، تحذيرات من خطر الجفاف الذي يهدد السعودية، في حالة الاستمرار في هدر المياه الجوفية التي لا تتجدد، على مشاريع زراعية ليست لها قيمة اقتصادية. أفلحت مساعي الطخيس، بالتعاون مع مختصين بالمياه، في وقف زراعة القمح، لكن ما زالت قطاعات زراعية سعودية تستهلك المياه الجوفية المحدودة.
على الرغم من أن السعودية ليست بلدا مائيا، ولا توجد بها أنهار، إلا أن معدل استهلاك الفرد من المياه يفوق الدول الأوربية الغنية بالمياه. ويكشف وزير المياه والكهرباء، المهندس عبدالله بن عبدالرحمن الحصين، أن معدل استهلاك المياه في السعودية تجاوز، في العام الماضي، 8 ملايين متر مكعب يومياً، بمعدل استهلاك للفرد بلغ 265 لترا يوميا، وهو ما يعادل ضعف استهلاك الفرد في الاتحاد الأوروبي.
وتأتي قرابة 40% من هذه المياه المهدرة من الآبار الجوفية. ويكاد الأمر يتحول إلى كارثة بيئية، فالآبار الجوفية في السعودية تتعرض للنضوب بشكل متسارع، حتى إن عيونا كانت أشبه بالبحيرات في الخرج والأفلاج (وسط السعودية) تحولت إلى حفر ضخمة من التراب، وتسير عيون الإحساء (شرق السعودية) إلى المصير ذاته، "والسبب هو الاستخدام المفرط للمياه في زراعة محاصيل غير مجدية"، بحسب عضو مجلس الشورى ووكيل وزارة المياه سابقا، الدكتور علي الطخيس.
يقول الطخيس لـ"العربي الجديد": "السعودية مقبلة على كارثة، لو لم يتم تغيير نمط الزراعة فيها، والحفاظ على ما تبقى من مياه جوفية، سنعاني إذا ما استمرت الممارسات الزراعية الحالية، والتي تستهلك 85% من المياه الجوفية غير المتجددة، وإذا لم يعالج هذا الجانب بشكل سريع ستعاني السعودية، وبعض مناطقها ستعاني أبكر من غيرها، خاصة المناطق الوسطى والجنوبية، وحتى المناطق الشمالية ستتأثر".
يطالب الدكتور الطخيس باتخاذ الخطوات الاحترازية اللازمة للحيلولة دون ذلك، كاشفا عن أن مياه الأمطار لا تغذي المياه الجوفية العميقة غير المتجددة، بل تغذي المياه السطحية فقط، ولكن الاعتماد الزراعي وفي الشرب يكون على المياه الموجودة في الطبقات العميقة التي لا تفيدها هذه الأمطار.
ويضيف: "لدينا محاصيل زراعية تستهلك كمية كبيرة من الماء، بينما قيمتها الاقتصادية محدودة، وغير مشجعة، مثل الأعلاف، فهي المستهلك الأساسي للمياه، مع أنه يمكن زراعتها في الخارج"، ويتابع: "نجحنا في الحد من زراعة القمح، وباق حل مشكلة الأعلاف. وأيضا النخيل مستهلك كبير للمياه، ويجب تغيير طريقه الري، فبدلا من الري بالغمر يجب التحول إلى الري بالتنقيط".
وبحسب وكيل وزراه المياه السابق، يملك المزارعون السعوديون 23 مليون نخلة، يفوق استهلاكها من المياه ما كان تستهلكه زراعة القمح التي تم وقفها قبل عدة سنوات.
ويتابع: "لدينا مشكلة زراعة الزيتون في حائل والمناطق الشمالية، فقد بات المزارعون يتباهون بكم مليون شتلة لديهم، وهي مشكلة كبيرة قائمة، فنحن لسنا بلدا لزراعة الزيتون لكي ننافس إيطاليا وإسبانيا، فهما يزرعان الزيتون على ماء الأمطار، بينما نحن نستهلك المياه الجوفية غير المتجددة". ويحذر الدكتور الطخيس من أنه لو استمرت الأمور على ما هي عليه الآن، فإن السعودية ستتعرض، خلال 30 عاما، لمشكلة جفاف كبيرة.
البحث عن المياه
تشعر الحكومة السعودية بخطر الكارثة المائية المقبلة، إذ أجبرت المزارعين على وقف زراعة القمح، مفضلة استيراده من الخارج. وفي عام 2010، قامت بالاستعانة بفريق من الباحثين الألمان، لاكتشاف المزيد من الآبار الجوفية التي قد لا تكون مستخدمة، ولكن النتيجة لم تكن مشجعة. وفي ذات الإطار، يؤكد المستشار الإقليمي لليونسكو لشؤون المياه، الدكتور رضوان الوشاحي، أن منطقة الخليج العربي، وخاصة السعودية: "تعاني أزمة مياه هي الأكثر تعقيدا في العالم، خاصة بعد أن وصل نصيب الفرد الخليجي إلى 1035 مترا مكعبا سنويا".
بحسب اليونسكو، يتراوح إجمالي الموارد المائية المتجددة لدول المجلس مجتمعة نحو 10 مليارات متر مكعب سنويا، وتتكون من أمطار وسيول ومياه جوفية ومياه مختزنة خلف السدود في المناطق الجنوبية من السعودية، إلا أنها في جميع الأحوال لا تكفي إلا لخمس سنوات فقط، خاصة أن هذه المياه معرضة للتبخر والضياع وسط الرمال، ولا يمكن استغلالها في الزراعة.
ولهذا يتم الاعتماد بصورة شبه كاملة على المياه الجوفية التي تقدر بنحو 361.5 مليار متر مكعب سنويًا، طبقا للإحصاءات الصادرة عن المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة. وهذه الكمية تتناقص بسرعة كبيرة جراء الزراعة والاستهلاك المفرط لها، كما أن جزءا كبيرا منها يقع على عمق بعيد جدا يصعب من خلاله استخراجه.
ويؤكد أستاذ المناخ المشارك، الدكتور عبدالله المسند، أن التوسع غير الحكيم في زراعة القمح الذي بدأ عام 1983 دفع الحاضرة والبادية إلى امتصاص الماء، لزراعة الصحراء، من دون سابق خبرة أو تجربة، مدعومين آنذاك بتسهيلات مالية كبيرة، حتى أصبحت السعودية سادس مصدر للقمح بالعالم في منتصف التسعينيات، وهي في الوقت نفسه لا تملك نهراً ولا بحيرات، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنا من حيث لا ندري نُصدر الماء بشكل غير مباشر لدول فيها البحيرات والأنهار والأمطار، وكان الحكماء ينادون بوقف العبث بمقدرات الأمة الطبيعية والمالية، وفعلاً استجابت الزراعة للمناداة، ولكن بعد خراب مالطا وبعد نحو 12 سنة، بعدما أهدرت مليارات مكعبة من المياه العذبة، تجمعت منذ أكثر من 10 آلاف سنة مضت".
ويحمل الدكتور المسند الخطط غير المدروسة لوزارة المياه مسؤولية هدر المياه الجوفية، ويضيف: "في الوقت الذي كنّا نزرع القمح المُدعّم فوق الكثبان الرملية الحارة والجافة وبتكلفة عالية، كنّا في الوقت نفسه نشرب من البحر، لشح مصادر المياه الجوفية لدينا، بينما تُراق المياه الجوفية العذبة فوق الكثبان الرملية الخشنة، من أجل أن يشرب محصول القمح، ومن ثمّ يصدر إلى الخارج بقيمة هي أقل بكثير من تكلفته"، ويضيف: "لو ضُيق علينا في استيراد القمح، لسبب أو لآخر، فمن الممكن عملياً وعلمياً العودة إلى زراعة القمح خلال 5 أشهر تقريباً".
غير أن المشكلة ليست في القمح وحده، كما يرى الدكتور المسند والدكتور الطخيس، لأن زراعة الأعلاف مشكلة كبيرة يجب أن تتوقف فورا، يقول الدكتور المسند: "الأعلاف محاصيل شرهة، وتستهلك مياها بشكل أكبر من القمح. ومن المفارقات الغريبة أننا حرمنا الإنسان السعودي من زراعة القمح، لأجل الحفاظ على المياه الجوفية، وفي ذات الوقت نزرع الأعلاف للحيوان".
من المفارقات السعودية، دعم زراعة النخيل التي تستهلك عشرة أضعاف المياه التي يستهلكها القمح، بحيث يتم إنتاج كمية تمور تزيد عن الحاجة، ويتم استخدام الفائض منها كعلف للمواشي لتوفره ورخص سعره، هذه الأمور يؤكد الدكتور المسند أنها "ستوصل السعودية إلى حالة الجفاف لا محالة".
مياه لا تتجدد
في الأعوام الثلاثة الماضية، هطلت الكثير من الأمطار على السعودية، بشكل غير معتاد، "لكن لا يمكن الاستفادة من هذه الأمطار لدعم المياه الجوفية"، كما يؤكد رئيس تحرير مجلة البيئة، الدكتور نجيب صعب، قائلا: "المياه الجوفية لا تتجدد، فهي مياه أحفورية مثل البترول، طبيعتها لا تتجدد إلا خلال آلاف السنين"، ويتابع لـ"العربي الجديد": "الأمطار قليلة، وهطول أمطار لعام أو عامين كل عشر سنوات لا يغذي المياه الجوفية، ويجب أن تكون الأمطار مستمرة لكي تفيد، ولكي تتجدد المياه الجوفية تحتاج لسنوات طويلة من الأمطار المستمرة".
في ذات الاتجاه، يكشف الخبير المائي، الدكتور محمد حامد الغامدي، عن استمرار نضوب المياه في السعودية، ويؤكد أن كل التقارير العالمية تشير إلى وجود أزمة مياه في المنطقة، ولكن هناك من ينفي أزمة المياه، ويتصدى لمن يتحدث عنها، ظنا أن الصمت أفضل الحلول، ويقول: "تواجه السعودية أزمة مياه جوفية حقيقية".
وبحسب الغامدي، فإن السعودية من بين أفقر عشر دول في العالم في مجال المياه؛ لأن مناطق الدرع العربي أصبح ماؤها غورا، مستشهدا بجفاف جميع أودية السعودية المشهورة، مثل الرمة في الشمال وفاطمة في الغرب والآبار التي تعتمد عليها قرى المنطقة. ويضيف: "كانت مياه الأحساء بارتفاع مترين فوق سطح الأرض، والآن أصبحت على بعد يزيد على 30 مترا تحت سطح الأرض".
ويتابع: "كانت عيون الماء منتشرة في جميع مناطق السعودية، مثل عيون وادي فاطمة، ولكن اليوم جميع هذه العيون جفت منذ سنوات، بسبب الاندفاع نحو التوسع الزراعي غير المدروس، والدخول في مرحلة الزراعة العشوائية".
ويكشف الدكتور الغامدي عن أن الزراعة العشوائية استنزفت، في 30 سنة مضت، ما يعادل إنتاج محطات التحلية لمدة 500 عام في زراعة غير مستدامة. في الاتجاه ذاته، يؤكد نجيب صعب أن سحب المياه الجوفية لاستخدامات غير مجدية خطأ كبير. ويضيف: "لا بد أن يتوقف سحب المياه لزراعة الأعلاف، هناك تأخير كبير في هذا الجانب، ولهذا المشكلة مستمرة، وسيكون لها تأثير سلبي كبير في المستقبل، فالسعودية ستعاني من مشكلة كبيرة، سيكون عليها الاعتماد كليا على تحلية مياه البحر".
على الرغم من أن السعودية ليست بلدا مائيا، ولا توجد بها أنهار، إلا أن معدل استهلاك الفرد من المياه يفوق الدول الأوربية الغنية بالمياه. ويكشف وزير المياه والكهرباء، المهندس عبدالله بن عبدالرحمن الحصين، أن معدل استهلاك المياه في السعودية تجاوز، في العام الماضي، 8 ملايين متر مكعب يومياً، بمعدل استهلاك للفرد بلغ 265 لترا يوميا، وهو ما يعادل ضعف استهلاك الفرد في الاتحاد الأوروبي.
وتأتي قرابة 40% من هذه المياه المهدرة من الآبار الجوفية. ويكاد الأمر يتحول إلى كارثة بيئية، فالآبار الجوفية في السعودية تتعرض للنضوب بشكل متسارع، حتى إن عيونا كانت أشبه بالبحيرات في الخرج والأفلاج (وسط السعودية) تحولت إلى حفر ضخمة من التراب، وتسير عيون الإحساء (شرق السعودية) إلى المصير ذاته، "والسبب هو الاستخدام المفرط للمياه في زراعة محاصيل غير مجدية"، بحسب عضو مجلس الشورى ووكيل وزارة المياه سابقا، الدكتور علي الطخيس.
يقول الطخيس لـ"العربي الجديد": "السعودية مقبلة على كارثة، لو لم يتم تغيير نمط الزراعة فيها، والحفاظ على ما تبقى من مياه جوفية، سنعاني إذا ما استمرت الممارسات الزراعية الحالية، والتي تستهلك 85% من المياه الجوفية غير المتجددة، وإذا لم يعالج هذا الجانب بشكل سريع ستعاني السعودية، وبعض مناطقها ستعاني أبكر من غيرها، خاصة المناطق الوسطى والجنوبية، وحتى المناطق الشمالية ستتأثر".
يطالب الدكتور الطخيس باتخاذ الخطوات الاحترازية اللازمة للحيلولة دون ذلك، كاشفا عن أن مياه الأمطار لا تغذي المياه الجوفية العميقة غير المتجددة، بل تغذي المياه السطحية فقط، ولكن الاعتماد الزراعي وفي الشرب يكون على المياه الموجودة في الطبقات العميقة التي لا تفيدها هذه الأمطار.
ويضيف: "لدينا محاصيل زراعية تستهلك كمية كبيرة من الماء، بينما قيمتها الاقتصادية محدودة، وغير مشجعة، مثل الأعلاف، فهي المستهلك الأساسي للمياه، مع أنه يمكن زراعتها في الخارج"، ويتابع: "نجحنا في الحد من زراعة القمح، وباق حل مشكلة الأعلاف. وأيضا النخيل مستهلك كبير للمياه، ويجب تغيير طريقه الري، فبدلا من الري بالغمر يجب التحول إلى الري بالتنقيط".
وبحسب وكيل وزراه المياه السابق، يملك المزارعون السعوديون 23 مليون نخلة، يفوق استهلاكها من المياه ما كان تستهلكه زراعة القمح التي تم وقفها قبل عدة سنوات.
ويتابع: "لدينا مشكلة زراعة الزيتون في حائل والمناطق الشمالية، فقد بات المزارعون يتباهون بكم مليون شتلة لديهم، وهي مشكلة كبيرة قائمة، فنحن لسنا بلدا لزراعة الزيتون لكي ننافس إيطاليا وإسبانيا، فهما يزرعان الزيتون على ماء الأمطار، بينما نحن نستهلك المياه الجوفية غير المتجددة". ويحذر الدكتور الطخيس من أنه لو استمرت الأمور على ما هي عليه الآن، فإن السعودية ستتعرض، خلال 30 عاما، لمشكلة جفاف كبيرة.
البحث عن المياه
تشعر الحكومة السعودية بخطر الكارثة المائية المقبلة، إذ أجبرت المزارعين على وقف زراعة القمح، مفضلة استيراده من الخارج. وفي عام 2010، قامت بالاستعانة بفريق من الباحثين الألمان، لاكتشاف المزيد من الآبار الجوفية التي قد لا تكون مستخدمة، ولكن النتيجة لم تكن مشجعة. وفي ذات الإطار، يؤكد المستشار الإقليمي لليونسكو لشؤون المياه، الدكتور رضوان الوشاحي، أن منطقة الخليج العربي، وخاصة السعودية: "تعاني أزمة مياه هي الأكثر تعقيدا في العالم، خاصة بعد أن وصل نصيب الفرد الخليجي إلى 1035 مترا مكعبا سنويا".
بحسب اليونسكو، يتراوح إجمالي الموارد المائية المتجددة لدول المجلس مجتمعة نحو 10 مليارات متر مكعب سنويا، وتتكون من أمطار وسيول ومياه جوفية ومياه مختزنة خلف السدود في المناطق الجنوبية من السعودية، إلا أنها في جميع الأحوال لا تكفي إلا لخمس سنوات فقط، خاصة أن هذه المياه معرضة للتبخر والضياع وسط الرمال، ولا يمكن استغلالها في الزراعة.
ويؤكد أستاذ المناخ المشارك، الدكتور عبدالله المسند، أن التوسع غير الحكيم في زراعة القمح الذي بدأ عام 1983 دفع الحاضرة والبادية إلى امتصاص الماء، لزراعة الصحراء، من دون سابق خبرة أو تجربة، مدعومين آنذاك بتسهيلات مالية كبيرة، حتى أصبحت السعودية سادس مصدر للقمح بالعالم في منتصف التسعينيات، وهي في الوقت نفسه لا تملك نهراً ولا بحيرات، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنا من حيث لا ندري نُصدر الماء بشكل غير مباشر لدول فيها البحيرات والأنهار والأمطار، وكان الحكماء ينادون بوقف العبث بمقدرات الأمة الطبيعية والمالية، وفعلاً استجابت الزراعة للمناداة، ولكن بعد خراب مالطا وبعد نحو 12 سنة، بعدما أهدرت مليارات مكعبة من المياه العذبة، تجمعت منذ أكثر من 10 آلاف سنة مضت".
ويحمل الدكتور المسند الخطط غير المدروسة لوزارة المياه مسؤولية هدر المياه الجوفية، ويضيف: "في الوقت الذي كنّا نزرع القمح المُدعّم فوق الكثبان الرملية الحارة والجافة وبتكلفة عالية، كنّا في الوقت نفسه نشرب من البحر، لشح مصادر المياه الجوفية لدينا، بينما تُراق المياه الجوفية العذبة فوق الكثبان الرملية الخشنة، من أجل أن يشرب محصول القمح، ومن ثمّ يصدر إلى الخارج بقيمة هي أقل بكثير من تكلفته"، ويضيف: "لو ضُيق علينا في استيراد القمح، لسبب أو لآخر، فمن الممكن عملياً وعلمياً العودة إلى زراعة القمح خلال 5 أشهر تقريباً".
غير أن المشكلة ليست في القمح وحده، كما يرى الدكتور المسند والدكتور الطخيس، لأن زراعة الأعلاف مشكلة كبيرة يجب أن تتوقف فورا، يقول الدكتور المسند: "الأعلاف محاصيل شرهة، وتستهلك مياها بشكل أكبر من القمح. ومن المفارقات الغريبة أننا حرمنا الإنسان السعودي من زراعة القمح، لأجل الحفاظ على المياه الجوفية، وفي ذات الوقت نزرع الأعلاف للحيوان".
من المفارقات السعودية، دعم زراعة النخيل التي تستهلك عشرة أضعاف المياه التي يستهلكها القمح، بحيث يتم إنتاج كمية تمور تزيد عن الحاجة، ويتم استخدام الفائض منها كعلف للمواشي لتوفره ورخص سعره، هذه الأمور يؤكد الدكتور المسند أنها "ستوصل السعودية إلى حالة الجفاف لا محالة".
مياه لا تتجدد
في الأعوام الثلاثة الماضية، هطلت الكثير من الأمطار على السعودية، بشكل غير معتاد، "لكن لا يمكن الاستفادة من هذه الأمطار لدعم المياه الجوفية"، كما يؤكد رئيس تحرير مجلة البيئة، الدكتور نجيب صعب، قائلا: "المياه الجوفية لا تتجدد، فهي مياه أحفورية مثل البترول، طبيعتها لا تتجدد إلا خلال آلاف السنين"، ويتابع لـ"العربي الجديد": "الأمطار قليلة، وهطول أمطار لعام أو عامين كل عشر سنوات لا يغذي المياه الجوفية، ويجب أن تكون الأمطار مستمرة لكي تفيد، ولكي تتجدد المياه الجوفية تحتاج لسنوات طويلة من الأمطار المستمرة".
وبحسب الغامدي، فإن السعودية من بين أفقر عشر دول في العالم في مجال المياه؛ لأن مناطق الدرع العربي أصبح ماؤها غورا، مستشهدا بجفاف جميع أودية السعودية المشهورة، مثل الرمة في الشمال وفاطمة في الغرب والآبار التي تعتمد عليها قرى المنطقة. ويضيف: "كانت مياه الأحساء بارتفاع مترين فوق سطح الأرض، والآن أصبحت على بعد يزيد على 30 مترا تحت سطح الأرض".
ويتابع: "كانت عيون الماء منتشرة في جميع مناطق السعودية، مثل عيون وادي فاطمة، ولكن اليوم جميع هذه العيون جفت منذ سنوات، بسبب الاندفاع نحو التوسع الزراعي غير المدروس، والدخول في مرحلة الزراعة العشوائية".
ويكشف الدكتور الغامدي عن أن الزراعة العشوائية استنزفت، في 30 سنة مضت، ما يعادل إنتاج محطات التحلية لمدة 500 عام في زراعة غير مستدامة. في الاتجاه ذاته، يؤكد نجيب صعب أن سحب المياه الجوفية لاستخدامات غير مجدية خطأ كبير. ويضيف: "لا بد أن يتوقف سحب المياه لزراعة الأعلاف، هناك تأخير كبير في هذا الجانب، ولهذا المشكلة مستمرة، وسيكون لها تأثير سلبي كبير في المستقبل، فالسعودية ستعاني من مشكلة كبيرة، سيكون عليها الاعتماد كليا على تحلية مياه البحر".