الروبل الروسي قضية أمن قومي

25 يناير 2016
أزمة اقتصادية في روسيا بسبب العقوبات وأسعار النفط(فرانس برس)
+ الخط -

يتدحرج سعر صرف الروبل الروسي بشكل سريع أمام الدولار الأميركي، حيث تراجع إلى أدنى مستويات لم يصل إليها مطلقا من قبل، ودفع التراجع الحاد في سعر الروبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي، بحث خلاله تطورات الأوضاع الاقتصادية في البلاد، والأسباب التي أدت للتدهور السريع في سعر صرف عملة بلاده، وكيفية التعامل مع هذه الأزمة الخطيرة التي قد تفوق تأثيراتها تداعيات أزمتي تهاوي أسعار النفط والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

وجاء تحرك بوتين السريع لإدراكه أن استمرار تراجع الروبل وتفاقم أزمته يمكن أن "يلخبط" حساباته السياسية والاقتصادية. فتراجع الروبل يضعف القدرة الشرائية للروس، ويعني مزيدا من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، خاصة المستوردة من الخارج، كما قد يؤدي لهروب استثمارات خارجية إذا ما صاحبه تذبذب في سوق الصرف، ورفع لأسعار الفائدة المحلية، والتوسع في الاقتراض الخارجي، إضافة إلى أن خفض قيمة العملة سيدفع مؤسسات التصنيف العالمية لخفض تصنيف روسيا، وهو ما يزيد مخاطرها الاستثمارية والائتمانية.

وقد تؤدي التقلبات الحادة في سوق الصرف الأجنبي بروسيا إلى تأجيل خطة خفض أسعار الفائدة وزيادة كلفة الأموال داخل السوق الروسي، وهو ما يصعّب من عملية الاقتراض ويزيد أعباء الاستثمار.

ولأن بوتين يدرك أيضا أن استمرار تراجع احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، والذي فقد 100 مليار دولار في العام الماضي 2015، لا يعطي المرونة الكافية للبنك المركزي الروسي في الدفاع عن الروبل ووقف نزوح الاستثمارات الخائفة، فقد بعث برسالة للأسواق ورجال الأعمال، يوم الأربعاء الماضي، مفادها ان العامين الماضيين كانا الأصعب بالنسبة إلى كل قطاعات الاقتصاد الروسي، وهو ما يعني أن التراجع التاريخي للروبل أمام الدولار يرجع بالدرجة الأولى لعوامل خارجية وليس لإخفاقات في حكومته، وفشلها في إدارة المشهد الاقتصادي.

لم يقف تحرك مواجهة أزمة تهاوي الروبل عند هذا الحد، فقد واكبت خطوة اجتماع بوتين بمجلس الأمن القومي خطوات، منها محاولة الكرملين طمأنة مخاوف المستثمرين والأسواق عبر إعلان رفضه الحديث عن انهيار الروبل الذي خسر أكثر من 12% من قيمته منذ بداية العام الحالي 2016، وطلب من البنك المركزي علاج الموقف بسرعة.

ولأنه المسؤول عن إدارة السياسة النقدية، فقد سارع بنك روسيا المركزي بعقد اجتماع مع كبار المصرفيين، مساء الخميس الماضي، لبحث كيفية احتواء الهبوط التاريخي للروبل، وألغت محافظة البنك، ألفيرا نابيولينا، مشاركتها في منتدى دافوس حيث كان يفترض أن تلقي خطابا، وسارع رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف للإعلان أن الحكومة تحضّر إجراءات لمواجهة الأزمة ودعم الاقتصاد.

بالطبع هناك أسباب منطقية لتراجع الروبل، فروسيا تواجه أزمة اقتصادية حقيقية ناجمة عن تهاوي أسعار النفط وفقدانه نحو 80% من قيمته منذ منتصف العام 2014، وكذا هناك مشكلة تراجع أسعار الغاز الذي تعد روسيا أحد أبرز منتجيه، مع الإشارة هنا إلى أن اقتصاد روسيا يعتمد على النفط والغاز اللذين يشكلان أكثر من نصف عائداتها، إضافة لأسباب أخرى منها تأثيرات العقوبات الغربية المفروضة على البلاد بسبب الأزمة الأوكرانية.

ومع تفاقم هذه الأسباب واستمرارها يواجه البنك المركزي الروسي مشاكل عدة في التعامل مع تحدي تهاوي الروبل، خاصة وأن الاحتياطيات الأجنبية لديه تسجل أدنى مستوياتها منذ أوائل عام 2009، ومن الصعب عليه التضحية بـ 17 مليار دولار للدفاع عن قيمة الروبل خلال شهر واحد كما حدث في أكتوبر الماضي، ومن هنا تظل أزمة الروبل مصدر قلق شديد لحكومة بوتين خاصة وأنه يصاحبها ارتفاع غير مسبوق في الأسعار.

اقرأ أيضا: النزيف المالي يعيد روسيا إلى أكبر أزمة اقتصادية

المساهمون