كشف رئيس "الموساد" السابق، إفرايم هليفي، الذي شغل منصباً رفيعاً خلال حكومة إسحاق رابين (بين 1992 و1995)، في أوج العمليات التفاوضية مع الفلسطينيين والأردن، على حد سواء، النقاب عن أن البند التاسع من إعلان واشنطن الصادر بتاريخ 25 يوليو/ تموز 1994 بشأن التوصل إلى اتفاق سلام أردني-إسرائيلي، حول المكانة الخاصة للأردن في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، كان من صياغة رابين نفسه، الذي رفض اقتراح نص قدّمه ملك الأردن حسين.
وأضاف هليفي، في مقابلة مطولة مع صحيفة "مكور ريشون" التابعة للتيار الديني الصهيوني (حزب البيت اليهودي) وتحظى بتمويل من الثري اليهودي شلدون إدلسون، أن نص البند المذكور ظل سراً لم يعرفه في إسرائيل إلا أربعة أشخاص، وأن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز نفسه لم يكن مطلعاً عليه ولم يعرف بوجوده، بل امتعض عند الإعلان عنه، لأنه كما قال هليفي يناقض تفاهمات بيريز مع الفلسطينيين، من دون أن يكشف فحوى هذه التناقضات.
وتابع هليفي أن بيريز وفور عودته من اللقاء القصير مع الملك حسين، "ادعى أنه تم حل كافة القضايا العالقة بين الدولتين وتسوية كافة الأمور، وبعد مرور أسابيع استدعاني الملك حسين على نحو مفاجئ على جناح السرعة. كان سبب الدعوة المفاجئة، هو تلقيه رسالة من الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، يهنئه فيها على موافقته على توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل". وأضافت رسالة كلينتون الموجّهة إلى الملك حسين، بحسب رواية هليفي، أنه "بما أن العاهل الأردني على وشك التوجّه للولايات المتحدة لتلقي العلاج، فإنه يقترح استغلال الفرصة لإقامة مراسم التوقيع على اتفاقية السلام في البيت الأبيض. وقد اضطر الملك إلى الرد على رسالة كلينتون وإبلاغه بأن الخبر غير صحيح وأنه لم يتوصل إلى سلام مع إسرائيل".
وفي سرده تطور الموضوع، أضاف هليفي أن الملك حسين أبلغه بأنه تلقى رسالة من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اتضح له منها أن إسرائيل والفلسطينيين اتفقوا على أن يكون حسم ملف القدس بينهما فقط، من دون أن يكون للأردن دور على الإطلاق. وأثار هذا الأمر غضب حسين "وغلى دمه في عروقه" بحسب تعبير هليفي، "وتحدث معي بتأثر كبير، وبعد ذلك بأشهر فقط قرر الاتجاه نحو إبرام اتفاق سلام، خلال زيارة سرية كنت قمت بها للأردن بصحبة زوجتي، قبل أيام معدودة من الاحتفالات باستقلال إسرائيل في العام 1994 (أي في شهر مايو/ أيار)".
وبحسب هليفي، فإنه وأثناء التحضيرات للقاء علني هو الأول من نوعه بين الملك حسين ورابين، "فاجأنا الملك الأردني وطلب أن نضيف للاتفاق بنداً تضمَن فيه إسرائيل المكانة الخاصة للمملكة الأرنية الهاشمية في القدس". وبحسب الصحيفة، فقد امتنع هليفي عن إيراد نص البند الذي اقترحه العاهل الأردني، بحجة أن ما يهم هو أن رابين صاغ بنفسه البند التاسع الذي يظهر في إعلان واشنطن المذكور، تماماً كما يظهر حرفياً في اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية، وذلك رداً منه على البند الذي عرضه الملك حسين ورفضه رابين. ومع أن هليفي رفض القول إن ما صاغه رابين كان أكثر مما طلبه حسين، إلا أنه اكتفى بالقول إن رابين صاغ بنداً أكثر وضوحاً من النص الضبابي الذي قدّمه ملك الأردن. وبحسب هليفي، بذل رابين وحسين جهداً كبيراً لإبقاء أمر هذا البند سراً حتى إعلان الاتفاقية خوفاً من تداعياته ومن أن يثيرا غضباً في إسرائيل، مضيفاً أن عدد من علموا بأمره لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهم إضافة إليه، رئيس "الموساد"، ورابين، وشخص رابع، مؤكداً أن بيريز ظل خارج الصورة على الرغم من أنه كان وزيراً للخارجية.
لكن، بالعودة إلى خطاب رابين أمام الكنيست عند عرض بيان الاتفاق الأردني-الإسرائيلي للمصادقة عليه، وقد صوت إلى جانب الاتفاق 115 عضواً من أصل 120 وكان أبرز معارضيه هو أريئيل شارون، يتبيّن أن النص المقصود لا يحمل أي تنازل إسرائيلي عن سيادة دولة الاحتلال عن القدس المحتلة أو عن الحرم القدسي. بل إن رابين اهتم في الخطاب المذكور بالتشديد على أن الحديث يدور عن دور إداري يتعلق بإدارة الموقع، وفقاً لما ساد الوضع عليه منذ الاحتلال عام 1967 وسقوط الشطر الشرقي من المدينة تحت الاحتلال.
وأبرز رابين في خطابه المذكور في الجلسة التي عقدها الكنيست في 3 أغسطس/ آب 1994، العلاقات المميزة التي ربطت على مر السنين إسرائيل بالأسرة الهاشمية والمملكة الأردنية. وتوقف رابين عند البند التاسع في إعلان واشنطن ليؤكد لنواب الكنيست قبل الخوض في نص البند المذكور "أن هذه الحكومة، كسابقاتها، تؤمن بأن لا خلاف في هذا البيت (البرلمان الإسرائيلي) بشأن أبدية القدس كعاصمة لإسرائيل. القدس الكاملة والموحدة كانت وستبقى إلى أبد الآبدين عاصمة شعب إسرائيل، مركز أشواق وتطلعات كل يهودي. الحكومة مصممة على أن القدس ليست ورقة للمساومة، وستكون السنوات المقبلة برسم توسيع البناء في القدس الكبرى".
وأشار رابين بعد ذلك إلى نص البند التاسع من إعلان واشنطن ليقرأه كاملاً: "إسرائيل تحترم الدور الحالي المميز للمملكة الهاشمية الأردنية في الأماكن المقدسة للمسلمين في القدس. عندما تُجرى مفاوضات الحل الدائم، ستمنح إسرائيل أفضلية عالية للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن المقدسة. كما اتفق الطرفان على تعزيز العلاقات بين أبناء الديانات التوحيدية الثلاث".
وبحسب رابين في خطابه المذكور، إن البند يصوّر وضعاً قائماً يضطلع بموجبه الأردنيون في السنوات السبع والعشرين منذ العام 1967 بدور إداري للأماكن المقدسة للمسلمين. وتم وعد الأردنيين بأن تمنحهم إسرائيل، (إسرائيل هي التي تمنح وفق تعبير رابين في الخطاب)، أولوية عليا في هذا الدور، "وهذه الأقوال لا تعني ولا تنطوي على أي اقتراح لتنازلات في قضايا القدس أو في ما يتعلق بمكانة إسرائيل في المقدسات اليهودية"، وفق قوله.