الرهان الصعب... الجزائر تضع إجراءات حمائية لتحجيم الواردات

23 أكتوبر 2017
مخاوف من نقص السلع في الأسواق (Getty)
+ الخط -
تسابق الحكومة الجزائرية الزمن، من أجل تقليص فاتورة الواردات، عبر فرض جملة من الإجراءات الجديدة على عمليات الاستيراد، بهدف مواجهة الأزمة المالية التي تعاني منها، نتيجة تهاوي أسعار النفط.

ووضعت الحكومة الجزائرية رقم 30 مليار دولار سقفاً لقيمة الواردات في العام المقبل، حيث قال وزير التجارة، محمد بن مرادي، قبل أيام، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، إن "الحكومة تقترح وضع المزيد من إجراءات الحماية، تهدف إلى توجيه منحنى الواردات نحو الانخفاض، ما يسمح بالانتقال من فاتورة إجمالية للواردات من حوالى 40 أو 41 مليار دولار في 2017 إلى حدود 30 مليار دولار في 2018".

وتتمثل هذه الإجراءات، حسب الوزير، في رفع الرسوم الجمركية، وإعادة تفعيل الحقوق الجمركية والرسوم الداخلية على الاستهلاك بالنسبة لبعض المنتجات المستوردة.
كما أشار بن مرادي إلى تقليص استيراد أنواع أخرى من المنتجات التي تثقل كاهل الميزان التجاري، موضحا أن نحو 20 منتجا فقط تمثل 50% من الواردات الجزائرية منذ 10 سنوات.

وتبني الحكومة الجزائرية خططها لتقليص الواردات على نظام الرخص الذي استُحدث عام 2015 ودخل حيز التنفيذ في العام الماضي، والذي يُخضع عمليات استيراد بعض المنتجات والسلع إلى عملية استصدار رخصة إدارية من وزارة التجارة.

ويخضع لهذا الإجراء 36 صنفا من السلع والمنتجات، كالسيارات ومواد البناء والمواد الزراعية، بالإضافة إلى المواد الغذائية والتجميل، وحتى المواد الأولية.

وتعتزم الحكومة توسيع هذه القائمة لتشمل مواد أخرى ظلت خارج المحظورات، كالأدوية التي توجد لها بدائل محلية والمنتجات النسيجية.

وفي السياق، كشف حسين لبراوي، مسؤول التنظيم بقسم التجارة الخارجية في وزارة التجارة الجزائرية، أن الجزائر تسعى إلى تقليص فاتورة الواردات بعشرة مليارات دولار على الأقل نهاية 2018، وهو أمر ممكن بالنظر للتجارب السابقة، حيث استطاعت الحكومة أن تقلص الواردات من 64 مليار دولار سنة 2014 إلى حوالي 47 مليار دولار نهاية السنة الماضية و40 مليار دولار نهاية السنة الحالية".

وأضاف لبراوي، لـ "العربي الجديد"، أن الخطة الحكومية مبنية على محورين، الأول متعلق بالسلع؛ حيث سيعاد النظر في قائمة المواد الخاضعة لرخص الاستيراد من حيث الكميات المسوح باستيرادها، بعد أن كشف تسقيف حجم استيرادها عن عدم تأثر السوق المحلية بتراجع العرض، خاصة في الفواكه الموسمية والمستحضرات الموجهة للأكل كالصلصات وبعض مواد البناء كالرخام وغيرها، وذلك بسبب تغطية الإنتاج المحلي للطلب.

وأوضح أن وزارة التجارة تتجه لوضع استيراد مادتي الحديد والإسمنت في قائمة الممنوعات، بعد تحقيق الجزائر وفرة في إنتاجهما، ما سيوفر للخزينة العمومية بين 4 و5 مليارات دولار في العام المقبل، مع توفير قرابة مليار دولار في عملية توسعة قائمة الأدوية الخاضعة لرخص الاستيراد بعد إحصاء أنواع جديدة مصنّعة محليا.

أما المحور الثاني في الخطة الحكومية، فهو متعلق بالتعريفات الجمركية والرسوم الضريبية وتوفير البنك للأموال المخصصة لعمليات الاستيراد، حسب لبراوي، الذي قال إن وزارة التجارة تحصي حاليا أكثر من 300 نوع من السلع والمنتجات تخضع لإعفاءات جمركية، بحجة ارتفاع الطلب عليها محليا أو لكونها مستوردة من دول تربطها مع الجزائر اتفاقيات تجارية، بالرغم من تصنيعها محلياً.

وتابع قائلا: "سنرفع الإعفاء الجمركي عن هذه السلع، بداية من السنة القادمة، مع إخضاعها لضريبة الاستهلاك الداخلي التي لم تكن تطبق على تلك السلع، ما يجعل عملية استيرادها غير مربحة".

أما فيما يتعلق بمراجعة قائمة المواد الخاضعة لإجراء الاعتمادات المستندية التي توفر عبرها البنوك الأموال الموجهة لتمويل عمليات الاستيراد، يؤكد مسؤول التنظيم في قسم التجارة الخارجية في وزارة التجارة، أن العملية تتم بالتنسيق مع وزارة المالية، وذلك بغرض تقوية عقد الشراء أو طلب الشراء، وجعل إجراءات تقنين التجارة الخارجية أكثر فعالية.

وقد سمحت عمليات المراجعة التي تُجريها وزارة التجارة على الواردات، بإخضاع عمليات استيراد المواد والسلع الموجهة للبيع على الحالة (غير تحويلية) إجباريا للاعتمادات المستندية، مع إشعار مسبق عن كل عملية استيراد للمنتجات والسلع، بدءاً من الأحد 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وليست هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها الحكومة الجزائرية عن تقليص فاتورة الواردات إلى 30 مليار دولار، حيث كان رئيس الوزراء الأسبق، عبد المالك سلال، أول من تحدث عن هذا المستهدف، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، وهو نفس الرقم الذي وضعه خلفه عبد المجيد تبون في مخطط عمل حكومته التي لم تعمّر سوى 98 يوما.

وبالرغم من التأكيد المتواصل من طرف الحكومة، إلا أن الخبراء والمتتبعين للاقتصاد الجزائري يجدون صعوبة في الاقتناع بالرهان الذي رفعته الحكومة، بالنظر إلى طبيعة الاقتصاد الجزائري الريعي، حيث أكد مراقبون لـ "العربي الجديد" أن كبح الواردات يبقى مجرد علاج لأعراض المرض وليس للأسباب الحقيقية للأزمة، بعدما كشفت الأرقام أن الإجراءات الحكومية ابتعدت عن الأهداف التي وضعتها.

ويؤكد الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، أن رخص الاستيراد تبقى حلاً جزئياً يُطبّق على بعض المواد والسلع، فيما تبقى الحكومة عاجزة عن تخفيف استيراد الأدوية والحليب بالإضافة إلى السكر، وهي سلع تكلف خزينة الدولة عشرات المليارات من الدولارات، وذلك لارتفاع الطلب الداخلي عليها وعدم إنتاجها وصناعتها محلياً بكمية تحقق الاكتفاء.

ولفت نور الدين، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أن "تقليص الواردات إلى 30 مليار دولار يعني عدم استيراد الكثير من السلع والمنتجات، ما يعني نقصا في العرض في الكثير منها، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها".

وأردف قائلا: "منع استيراد السيارات أدى إلى ارتفاع أسعارها بنحو 40%، بعدما جمدت الحكومة عمليات استيرادها إلى يومنا هذا، نفس الشيء بالنسبة لمواد البناء كالرخام والخشب التي قفزت أسعارها بنحو 25%، حتى مواد التجميل والمواد الغذائية الثانوية ارتفعت أسعارها بسبب تقليص الكميات المسموح باستيرادها، ما جعل المنافسة تقل بين أسعارها وسعر المواد المستوردة".

وأدى التضييق الذي فرضته الحكومة على عمليات الاستيراد إلى تراجع فاتورة الواردات إلى 33.92 مليار دولار، في الأشهر التسعة الأولى من السنة الحالية، مقابل 34.93 مليار دولار في نفس الفترة من السنة الماضية، حسب آخر أرقام الجمارك الجزائرية.

وكانت الأرقام الرسمية المتتابعة لاحتياطي صرف الجزائر تظهر تآكلاً متسارعاً لاحتياطي النقد الأجنبي، التي كان يحوز مصرفها المركزي ثاني أكبر كتلة عملة صعبة في المنطقة بعد السعودية، قبل عامين ونصف العام، حيث تراجع احتياطي النقد الأجنبي بالجزائر من 192 مليار دولار بالنصف الأول من عام 2014 (قبل أزمة النفط) إلى قرابة 143 مليار دولار بنهاية عام 2015، فيما تتوقع الحكومة أن ينتهي العام الجاري باحتياطي نقد أجنبي تحت عتبة 100 مليار دولار، حسب تقارير رسمية.
المساهمون