دخلت معركة انتزاع السيطرة على مدينة الرقة السورية مرحلة جديدة إثر سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" التي يدعمها "التحالف الدولي"، على مناطق هامة جنوب المدينة، ما يعني إحكام الطوق عملياً على مسلحي تنظيم "داعش". وبات من المتوقع أن تزداد المواجهات البرية شراسةً في ظل اعتماد مسلحي "داعش" خيار القتال حتى النهاية، واضطرار "التحالف الدولي" بالتالي والقوى المتعاونة معه لإرسال تعزيزات على الأرض لخوض حرب شوارع. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تكرار سيناريو الموصل الكارثي، حيث أبيد مئات المدنيين ودُمرت المدينة، وسط مأساة كبرى لحقت بأهلها.
ولا تزال تدور معارك كر وفر داخل مدينة الرقة، بين "قوات سورية الديمقراطية" وقوات "النخبة" السورية من جهة، ومسلحي "داعش" من جهة أخرى، والذين يتعرضون لضغط عسكري كبير من الجهات الشرقية والغربية والجنوبية، إذ اشتد الخناق عليهم، ما يفتح المعركة على عدة احتمالات.
ولا يزال التنظيم يحتفظ بالجسر القديم على نهر الفرات، ولكن لا يمكنه استخدامه، إذ باتت "قوات سورية الديمقراطية" في الطرف المقابل في قرية كسرة شيخ الجمعة، فضلاً عن كون الجسرين (القديم والجديد) دُمّرا بشكل شبه كامل من قبل طيران "التحالف الدولي" قبيل بدء المعركة. ويفصل نهر الفرات بين "قوات سورية الديمقراطية" ومدينة الرقة من الناحية الجنوبية. وليس أمام هذه القوات إلا القيام بإنزال جوي في منطقتي نزلة شحادة والبانوراما، لتصبح على تخوم الرقة الجنوبية، بحيث لا يعود يفصلها سوى كيلومتر واحد عن قصر المحافظة وميدان "الساعة القديمة" في قلب المدينة، مما يعني انهيار "داعش" بشكل كامل.
ومنذ بدء معركة انتزاع الرقة في السادس من شهر يونيو/حزيران الحالي، تطفو على السطح بين الحين والآخر مسألة عقد "صفقة" مع تنظيم "داعش" شبيهة بتلك التي أبرمت معه في مدينة الطبقة، تتيح لمسلحيه الانسحاب إلى مناطق في البادية السورية يسيطر عليها. ولكن قيام طيران "التحالف الدولي" بقصف أرتال التنظيم المنسحبة من الطبقة، على الرغم من الاتفاق، ربما تدفع التنظيم لإتباع حرب شوارع في المدينة تطيل عمر المعركة، وترهق القوات المهاجمة في تكرار لسيناريو مدينة الموصل شمال العراق. كما أن تحذيرات روسية من عقد هذه الصفقة مع التنظيم، وتهديد موسكو بقصف أي أرتال منسحبة إلى البادية، ربما تُخرجها من حسابات "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
وقد خسر التنظيم منذ السادس من الشهر الحالي العديد من أحياء المدينة الهامة، ومنها: المشلب، والصناعة في شرقي المدينة، والسباهية، والرومانية، وجزء من حي الدرعية في غربي المدينة، فيما لا تزال أحياء جنوب المدينة، وشمالها بيد التنظيم الذي تقلصت مناطق سيطرته وبات يتحرك ضمن مساحة جغرافية لا تتعدى الأربعة كيلومترات مربعة. ويعتمد التنظيم على عمليات القنص المستمرة والهجمات المعاكسة لإعاقة تقدم "قوات سورية الديمقراطية" وقوات "النخبة" السورية في غربي الرقة، وشرقها، في حين تعد الجهة الشمالية الأكثر تحصيناً، وهذا ما يفسر عدم تحقيق اختراق كبير، على الرغم من وجود قوات أميركية تساند "سورية الديمقراطية" في المعارك.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن عدد مسلحي "داعش" داخل مدينة الرقة لا يتعدى بضع مئات "بينهم أطفال ومصابون"، مشيرةً إلى أن ما يجري في الرقة هو "استعراض للقوة من قبل التحالف الدولي، وقوات سورية الديمقراطية يدفع ثمنه المدنيون"، وفق المصادر. وأشارت إلى أن مدينة الرقة لا تزال تحوي عشرات آلاف المدنيين الذين "باتوا وقوداً وضحايا لهذه المعارك التي لا تكاد تنتهي".
وأضاف الشاكر في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لم يعد أمام مسلحي تنظيم داعش إلا الاستماتة في القتال حتى النهاية في مدينة الرقة بعد حصارهم"، مبدياً خشيته من "حل أميركي" على طريقة مدينة الموصل في شمال العراق. وتعد محافظة الرقة التي سيطر عليها التنظيم في بدايات عام 2014، رابع المحافظات السورية الأربع عشر من حيث المساحة بعد محافظات حمص ودير الزور والحسكة، وتبلغ مساحتها نحو 20 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل أكثر من 10 بالمائة من مساحة سورية، وتمتد على طول أكثر من 150 كيلومتراً من الغرب للشرق، وعلى طول 200 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، حيث تصل حدودها الإدارية إلى قلب بادية الشام.
وتوغلت قوات النظام السوري بالتزامن مع معركة انتزاع السيطرة، في ريف المحافظة الجنوبي الغربي، وباتت تسيطر على مساحات واسعة في مسعى لخلط أوراق الصراع، وإغلاق الباب أمام أي انسحاب محتمل لمسلحي تنظيم "داعش".