لم تكتف سجون الانقلاب العسكري في مصر بما تعانيه أسر المعتقلين والمحتجزين لزيارة ذويهم، ولا بما تعانيه لتدبير مبالغ "الكفالة" المطلوبة للإفراج عنهم، حيث تتفنن في استنزاف هذه الأسر للحصول على أكبر قدر ممكن من أموالهم من خلال وسائل عديدة تتم تحت سمع وبصر الجميع، بما فيهم مديرو السجون.
بداية من خروج الأسرة من منزلها قاصدة أبواب السجن لزيارة أحد الأقارب المحتجزين، سواء على ذمة قضايا أو المحكوم عليهم بتهم خيالية من التهم الموزعة على رافضي الانقلاب العسكري، تبدأ رحلة الشقاء والإنفاق.
ويبلغ عدد المعتقلين المصريين في أعقاب انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013 أكثر من 20 ألف معتقل وفق تقديرات منظمات مصرية ودولية، بينما تتحدث بعض التقارير عن نحو 40 ألف معتقل.
الرحلة الشاقة سردها لـ"العربي الجديد" عدد من أسر المعتقلين، التفاصيل متشابهة، والقصص متكررة، والهم واحد والتعامل المهين لا يتغيّر.
تضطر الأسر لتأجير سيارة خاصة للذهاب إلى السجن القابع على أطراف المدينة أو فى قلب الصحراء، حاملين معهم كل ما يلزم معيشة إنسان داخل أربعة جدران من طعام وملابس وأدوات طبخ وأدوية وغيرها من اللوازم المطلوبة التي تكلفهم أموالا باهظة، ليست متاحة عادة، وكثير من الأسر تأتي من أقاليم بعيدة عن السجون مما يزيد تكلفة الانتقال.
عند وصولهم ينضمون إلى "طابور" طويل تحت أشعة الشمس الحارقة ليتم تسجيل أسمائهم قبل السماح لهم بالدخول، لتبدأ أولى خطوات الاستنزاف، فلكي يحظوا برضى الجندي المكلف بالمهمة، لابد أن يضعوا في يده عشرة جنيهات على الأقل حتى يميزهم في الدخول ويهون عليهم طول الانتظار.
تحكي "م . س" زوجة أحد المعتقلين في سجن وادي النطرون فتقول: "نضطر أن نترك هواتفنا المحمولة مع سيدة بالخارج تبعد عن مكان الزيارة، وتحصل عن الهاتف الواحد على جنيهين ونصف الجنيه أو ثلاثة جنيهات، وهي السيدة نفسها التي تقف عند باب الحمام لتأخذ من أي شخص يستخدمه نصف جنيه قبل دخوله للحمام الذي لا يتم تنظيفه بالمرّة، وللأسف فإنّه حمام مختلط (رجال ونساء)، ممتلئ بجميع أنواع الحشرات والقاذورات، ولا يصلح للاستخدام الآدمي".
وتضيف "س.ع" شقيقة أحد المعتقلين: "عند دخولنا لابد أنّ نستقل وسيلة نقل مخصصة لغير القادرين والعجائز اسمها "الطفطف"، وحاولنا ذات مرّة أنّ نسير على أقدامنا لعدم تحملنا انتظاره تحت أشعة الشمس، فمنعنا الجنود من الدخول وقالوا صراحة "استقلال الطفطف إجبارى" لزيادة حصيلة إيراد السجن، وتكلفة تذكرة الطفطف جنيه واحد لكل فرد".
في الزيارة نفسها لابد أن تملأ جيبك بأوراق مالية فئة العشرة جنيهات حتى ترضي كل شخص يقابلك، فإذا كنت تريد أن يتجاوزوا عن سخافاتهم ومنعهم لبعض الأشياء التي تريد إدخالها للمعتقل، فلابد أنّ "تغمز" (تعطيه في الخفاء) الجندي بعشرة جنيهات في جيبه على حد قول "م. ع" والدة أحد المعتقلين، وإذا كنت تريد أن تجلس أكثر من الوقت المسموح فلابد أن تعطى أمين الشرطة أو الضابط المشرف على الزيارة خمسين جنيها حتى يسمح لك بذلك.
وتلخص "ب. ح" زوجة أحد المعتقلين معاناة الأسر بقولها: "إذا كنت تريد أن يتعاملوا مع المعتقلين وأسرهم باعتبارهم بشر عاديين، فلابد أنّ "تشخشخ جيبك" في كل دقيقة، في إشارة إلى ضرورة منح الأفراد المسؤولين عن الزيارات الرشوة. وتضيف: "كأننا بنك بالنسبة لهم أو فريسة يريدون أن يستنفزوا أموالها قدر المستطاع".