الحصول على الماء أبسط مقومات الحياة، وهو حق طبيعي للإنسان، لكن في موريتانيا يتطلب ذلك مالا كثيرا وجهدا طويلا، ليس بسبب قلة المياه، فالبلاد تتوفر على كميات هائلة من المياه الجوفية، لكن بسبب البيروقراطية والفساد الإداري في الشركة الوطنية للمياه، وفق من تحدثوا لـ"العربي الجديد".
ويتطلب الحصول على خدمات الماء في موريتانيا، تقديم نسخ من وثيقة الهوية وأوراق المنزل وتسديد ثمن قسيمة الاشتراك والأنابيب وبقية الأدوات، لكن هذه بداية الرحلة الشاقة والمتعبة ماليا وجسديا، حسب سيد عبد الله ولد الحاج، وهو صاحب منزل جديد في شمال العاصمة نواكشوط.
ويقول ولد الحاج: "المشكلة الأساسية متى ستحصل على الماء، لأن توفير كل الطلبات لن يأتيك بالماء، لأن شركة الماء ستقول لك: عندما يصل الدور عليك سيأتيك الماء"، ويستطرد: "الدور لن يأتيك إلا بعد أشهر في أحسن الأحوال، لأن فرق الشركة تعمل بالواسطة ولمن يدفع فقط، وإذا جلست تنتظر وصول هذه الفرق إلى منزلك فلن يصل الماء، لكن إذا دفعت لهؤلاء العمال وليس للشركة، فسيصلك الماء في غضون يوم واحد".
سيد عبد الله صمم على الرفض في البداية عندما عرض عليه أحد عمال الشركة بعدما انتحى به جانبا مبلغا ماليا مقابل توصيل الماء إليه في اليوم نفسه، لكنه اضطر إلى ذلك بعدما سئم من مواعيد الشركة وتأخر فرقها في الوصول إلى المنطقة التي يسكن فيها.
دفع عبد الله نحو 30 ألف أوقية (حوالى 90 دولارا) مقابل توصيل الماء إلى منزله الجديد، وعاش معركة أخرى مع عمال الشركة الذين أخذوا ماله ثم بدأوا في التسويف وطلب المزيد، فقد تأخرت فاتورة الماء عدة أشهر، وهو ما نبه سيد عبد الله إلى أن إجراءات الاشتراك في الشركة لم تكتمل، وحين رجع إلى الشركة وجد مزيدا من العقبات الإدارية التي يستلزم تجاوزها مزيدا من المال أو الواسطة.
إفكُ ولد محمود، صاحب منزل بمقاطعة الرياض جنوب العاصمة نواكشوط، حكى لـ"العربي الجديد"، من أمام أحد مقرات شركة المياه، عن تجربته مع عمال الشركة الذين وصلوا منزله وسحبوا العداد، وحين راجعهم لم يجد العداد ولا من يعترف بأنه سحبه، ما جعله يشتري عدادا جديدا ويدخل في دوامة دفع لا تنتهي.
السالم ولد بركة، متقاعد عمل سابقا في الشركة الوطنية للمياه، قال إن سبب الفساد المستشري في الشركة أنها تتعاقد مع موظفين متعاونين برواتب زهيدة لا تصل في الغالب إلى 100 دولار شهريا، غير أن الشركة تغض الطرف عن تحصيلهم أموالا طائلة من خلال "النصب على المواطنين" أو تقديم مختلف الخدمات لهم بما فيها خدمات توصيل الماء.
هذا الأمر جعل الفساد والرشوة ينتشران في هذا القطاع بشكل كبير، لأن العمال يستغلون عملهم في الشركة لجمع الأموال، ولا يعتبرون الأمر رشوة بل ثمن خدمة، وهذا صحيح في جانب منه، يقول ولد بركة.
ويعتبر ولد بركة أن هناك حالة من اليأس من إمكانية إصلاح قطاع الماء والكهرباء، لأن الفساد انتشر فيهما منذ عقود وأصبح عصيا على كل الجهود، لكن ذلك لا يعفي الحكومة من المسؤولية، إذ إن عليها أن تتخذ خطوات حاسمة في سبيل إصلاح هذه المؤسسة العتيدة المرتبطة بحياة الناس ومصالحهم.
ولا تقتصر شكاوى المواطنين على تعقيد خدمات الماء وإنما من انقطاعه المتكرر ودون سابق إنذار، خاصة في العاصمة نواكشوط، كما أن عمال الشركة الذين يجوبون الشوارع يمكنهم أن يقطعوا الماء عن هذا أو ذاك بحجج واهية، الأمر الذين جعل سكان الأحياء يعمدون إلى تكوين صداقات معهم وتقديم رشى، بل يمتد الأمر أحيانا إلى غض الطرف عن الذين يستخدمون الماء دون اشتراك وصولا إلى التصرف في الفواتير والعدادات.
وتتزود مدينة نواكشوط من الماء من خلال بحيرة "إدين" (60 كيلومترا شرقي العاصمة) عبر الأنابيب، كما أن مشروع أفطوط الساحلي الذي بدأ قبل سنوات وفّر للعاصمة التي يقطنها نحو مليون نسمة حاجتها من مياه البحر المعالجة.