ما من صفة رسمية يحملها جبريل الرجوب ليلتقي وزير الخارجية الإيراني. رئيس اللجنة الاولمبية الفلسطينية لم يتحدث في شؤون الرياضة، بل رفع اللهجة سياسيا وعسكريا معلنا لواء المقاومة الاستراتيجية لحركة "فتح".
اللواء، وهذه رتبته العسكرية، بعدما انتزعت منه الحقيبة الأمنية ورئاسته للامن الوقائي الفلسطيني، أكد على عمق العلاقة الفلسطينية ــ الإيرانية، فهل كلفه الرئيس الفلسطيني بهذه الزيارة؟ وإن كانت زيارته بصفته التنظيمية "نائب أمين السر للجنة المركزية لحركة فتح"، فهل أخذ تفويضاً فتحاوياً بذلك؟
الرجوب، المعروف بخفة الظل والصوت المرتفع والظرافة في تخفيف ثقل القضايا الكبرى، اجتمع قبل فترة بالسفير الإيراني في بيروت، غضنفر ركن ابادي. كانت خلوة فتحت فيها الخطوط بين طهران ورام الله منذ سنوات. يتقن "ابو رامي" اللعب على حبال السياسة والامن وتقلب المواقف. أعلن الخصام مع "حماس" وشقيقه "الحمساوي"، ورفض مقاومتها على اساس ان الصورايخ لا تقتل اي اسرائيلي، ولأن الطائرات الاسرائيلية قتلت 1200 فلسطيني في عدوان 2008-2009.. الآن يدعو للمصالحة معها وقتال إسرائيل عسكرياً إن فشلت المفاوضات. وقبل زيارته إلى طهران بيومين، فتح النار على إسرائيل مؤكداً عودة السلاح الى الضفة الغربية إن فشلت المفاوضات.
أيام رئاسته للأمن الوقائي، طبّق "العقيد" في حينها نظرية "تنسيق أمني إلى الابد"، فكيف ترى فيه إيران مقاوماً؟ ربما تركن الى إرثه البعيد حين كان يقبع في زنازين الاحتلال لأكثر من 17 عاماً، أو لم يصل للمسؤولين الايرانيين اعتداء مرافقي الرجوب على النائب جمال ابو الرب لأسباب شخصية، أو لم يعرفوا كيف استهزأ به زميله في اللجنة المركزية لـ"فتح" توفيق الطيراوي. حتى إنه يُحكى أن الطيراوي رمى حذاءه في وجه الرجوب قبل أن يفصل بينهما الرئيس محمود عباس، والخلاف كان حول المصالحة مع "حماس" والفصل بين "فتح ــ غزة" و"فتح ــ الضفة". هذا ليس الاعتداء الاول فتحاوياً، فالرئيس الراحل ياسر عرفات صفع الرجوب وشهر مسدّسه بوجهه عام 2002 بسبب اعتقالات في الخليل وهروب سجناء. "الصفعة" لا بد أن الرجوب يتذكرها، لذلك يحرص على عدم مناكفة "أبو مازن"، فالرئيس ذو "الكرافات" المنمقة لا يكتفي بصفعه. والدليل أن مسألة محمد دحلان لم تحل الى الآن على الرغم من كل الوساطات العربية والدولية. تقول مصادر من مقر المقاطعة ان احدهم سأل "ابو مازن" عن "ابو رامي" فقال عباس: "الرجوب جيد في الرياضة ونقل الكرة الفلسطينية الى مكان جيد واتى لنا بفريقَي برشلونة وريال مدريد الى فلسطين". هذا يعني ان دوره رياضي فقط وإذا ظهر التفاف الرجوب بزياته الى ايران، وفتح تلك الخطوط من دون التنسيق مع الرئاسة، فإن حسابه سيكون شديداً... فهل تعرف ايران كل هذا؟
إن كانت الاجابة سلبية، بكل تأكيد عرف المسؤولون الايرانيون بنعت وزير النقل والمواصلات الاسرائيلي، يسرائيل كاتس، للرجوب بـ"الحقير" حين اتهم الرجوب شارون بقتل عرفات وأنه مجرم حرب. ولأن الايرانيين يرصدون الاعلام الاسرائيلي، ربما يلاحظ الراصدون طلاقة الرجوب بالعبرية حين كان يشرح ان السلام لا بد أن يتحقق. وإن لم يستمعوا لتصريحاته لوسائل الاعلام الاسرائيلية، فإنهم يراهنون على تقرير صحيفة "وورلد تريبيون" الاميركية حين وصفت الرجوب بـ"رجل ايران في فتح".
ما تحاول ايران فعله هو ابتزاز "حماس" بعد عودتها الى المربع التمويلي لإيران، لا السياسي كلياً حتى الان. كما تسعى طهران إلى فتح بطاقات ائتمان للأطراف كافة، ولو شكلياً، علّ رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، خالد مشعل، "يندم"، ويزور ايران ويجلس كما جلس الرجوب شاكياً أمام ظريف وروحاني وخامنئي، ولاعناً تلك الساعة التي ترك فيها دمشق وهاجر الى الدوحة.
وان كانت ايران مستفيدة من زيارة الرجوب، فحتماً الرئيس عباس ايضاً مستفيد في حال كان هو عرّاب تلك الزيارة، ذلك أنه يناور بين السعودية واسرائيل والولايات المتحدة، وهذا الثلاثي يمارس عليه ضغطاً مهولاً لقبول تسوية جون كيري المقترحة ويهودية الدولة. وان لم يكن أبو مازن يعرف بزيارة الرجوب، فهو حتماً سيكون واقعاً بين فكَّي كماشة: الفك الاول ذو أسنان خليجية بقيادة محمد دحلان، والثاتي ذو أسنان ايرانية بقيادة جبريل الرجوب.