27 سبتمبر 2018
الرجل الذي لم يوقّع
"الرجل الذي لم يوقّع" سلسلة وثائقية تبثّها قناة الميادين، عن حافظ الأسد، وكيف أنه لم يوقع على "اتفاق سلام" مع الدولة الصهيونية، لتهدف إلى إظهار "الوجه الناصع" له. العنوان لافت، حيث أظهر أن حافظ الأسد قد أُدرج في صفوف الممانعة. لكن الأمر يتعلق كذلك بـ "لغز" يخصّ جملة "لم يوقّع" في وضع يظهر فيه أن هناك من سيوقّع. وبالتالي يظهر وكأنه استعادة أيديولوجية لموقفٍ جرى اتخاذه منذ عقود. حيث يظهر واضحاً أن "اتفاق سلام" بات "ممكناً"، بل مفروضاً الآن. وربما يكون ذلك هو الأساس الذي يمكن أن يحقّق استقرار النظام، بعد أن تهالك.
طبعاً سأقول إن حافظ الأسد هو "الرجل الذي لم يوقّع"، لكنه حمى حدود الدولة الصهيونية أكثر من أي رئيس آخر. هذا يعيدنا إلى اتفاق فصل القوات الذي جرى توقيعه سنة 1974 مع الدولة الصهيونية، والذي كان في خطورته أسبق على اتفاق كامب ديفيد. بني على توافقاتٍ تزيل كل تهديد للدولة الصهيونية من جبهة الجولان، فقد ظلت القوات الصهيونية تسيطر على كل المنطقة الجبلية المرتفعة، وبالتالي كانت تتحكّم في كل جنوب سورية حتى دمشق. وفرضت ابتعاد الجيش السوري مسافة كبيرة عن المنطقة المحتلة من الجولان، ومنعت دخول أي سلاح سوى السلاح الخفيف. ومن ثم فرضت وجود قواتٍ دوليةٍ للفصل بين القوات الصهيونية والجيش السوري. وسنلمس كيف أن حافظ الأسد التزم بذلك كله إلى آخر لحظةٍ في حياته، وجدّد بشار الأسد الالتزام به.
هل هذا اتفاق سلام؟ لا بالتأكيد، لكنه اتفاق يضمن "السلام الدائم"، حيث لم يعد مطروحاً من الجانب السوري خوض حربٍ، ولا كانت القوات الموجودة أو طبيعة المساحة التي تفصل بين وجود القوات السورية والجولان، تسمح بتقدّم عسكري سوري. وذلك كله ضمِن للدولة الصهيونية الاستقرار طويل الأمد، وعدم الخشية من نشوب حربٍ على جبهة الجولان، وبالتالي تصرّفت كأنها تعتبر الجولان جزءا من "أرض إسرائيل"، لهذا ضمّته من دون خشية أو تردّد. في المقابل، ضمنت لحافظ الأسد انتفاء احتمالات حربٍ مع الدولة الصهيونية فترة طويلة الأمد كذلك. وهذا ما كان يريده، لكي يضمن سيطرة مطلقة على الدولة السورية. حيث أعاد بناء الجيش والأجهزة الأمنية، ليس انطلاقاً من وجود عدو صهيوني، بل انطلاقاً من كيفية أن تبقى خاضعةً لسلطته، وعاجزةً عن التغيير والانقلاب. وبهذا ضمِن سلطة "إلى الأبد" وراثية. كما ضمن دوراً إقليمياً يتحقّق بالتوافق مع أميركا (كما جرى في لبنان)، ومع الدولة الصهيونية. وذلك كله من دون أن يكون هناك توقيع اتفاقات، ومن دون أن يحتاج إلى ذلك كله. وقد كان يتجنّب ذلك في كل اللحظات التي جرت فيها مفاوضات.
إذن، كان ذلك يريح الدولة الصهيونية، حيث استفردت في كل الجبهات الأخرى، وحقّقت اتفاقات فيها، وأنجزت السيطرة الاستيطانية على معظم الضفة الغربية، من دون خوفٍ من تهديد أمني على جبهة الجولان. هل كان أفضل لها من ذلك؟ لا، لهذا ما زالت متمسّكة باتفاق فصل القوات. أما النظام، فقد فرض سلطته الاستبدادية عقودا خمسة تقريباً، وأنجزت الطبقة المسيطرة عملية نهبها سورية من دون خشيةٍ من "قلاقل". وفي الوقت ذاته، ظل النظام يزاود بأنه لم يوقّع أي اتفاقٍ مع الدولة الصهيونية، على الرغم من أنه وقّع أخطر اتفاق. إذن حافظ الأسد هو الرجل الذي وقّع أخطر اتفاق، وأكثرها حنكةً، وظل متمسكاً بأنه لم يوقّع. لم يوقع على اتفاق سلام رسمي، لكنه وقّع على اتفاقٍ يضمن حماية الدولة الصهيونية بالتأكيد. وظلّ قادراً على المزاودة بلا تردّد.
طبعاً سأقول إن حافظ الأسد هو "الرجل الذي لم يوقّع"، لكنه حمى حدود الدولة الصهيونية أكثر من أي رئيس آخر. هذا يعيدنا إلى اتفاق فصل القوات الذي جرى توقيعه سنة 1974 مع الدولة الصهيونية، والذي كان في خطورته أسبق على اتفاق كامب ديفيد. بني على توافقاتٍ تزيل كل تهديد للدولة الصهيونية من جبهة الجولان، فقد ظلت القوات الصهيونية تسيطر على كل المنطقة الجبلية المرتفعة، وبالتالي كانت تتحكّم في كل جنوب سورية حتى دمشق. وفرضت ابتعاد الجيش السوري مسافة كبيرة عن المنطقة المحتلة من الجولان، ومنعت دخول أي سلاح سوى السلاح الخفيف. ومن ثم فرضت وجود قواتٍ دوليةٍ للفصل بين القوات الصهيونية والجيش السوري. وسنلمس كيف أن حافظ الأسد التزم بذلك كله إلى آخر لحظةٍ في حياته، وجدّد بشار الأسد الالتزام به.
هل هذا اتفاق سلام؟ لا بالتأكيد، لكنه اتفاق يضمن "السلام الدائم"، حيث لم يعد مطروحاً من الجانب السوري خوض حربٍ، ولا كانت القوات الموجودة أو طبيعة المساحة التي تفصل بين وجود القوات السورية والجولان، تسمح بتقدّم عسكري سوري. وذلك كله ضمِن للدولة الصهيونية الاستقرار طويل الأمد، وعدم الخشية من نشوب حربٍ على جبهة الجولان، وبالتالي تصرّفت كأنها تعتبر الجولان جزءا من "أرض إسرائيل"، لهذا ضمّته من دون خشية أو تردّد. في المقابل، ضمنت لحافظ الأسد انتفاء احتمالات حربٍ مع الدولة الصهيونية فترة طويلة الأمد كذلك. وهذا ما كان يريده، لكي يضمن سيطرة مطلقة على الدولة السورية. حيث أعاد بناء الجيش والأجهزة الأمنية، ليس انطلاقاً من وجود عدو صهيوني، بل انطلاقاً من كيفية أن تبقى خاضعةً لسلطته، وعاجزةً عن التغيير والانقلاب. وبهذا ضمِن سلطة "إلى الأبد" وراثية. كما ضمن دوراً إقليمياً يتحقّق بالتوافق مع أميركا (كما جرى في لبنان)، ومع الدولة الصهيونية. وذلك كله من دون أن يكون هناك توقيع اتفاقات، ومن دون أن يحتاج إلى ذلك كله. وقد كان يتجنّب ذلك في كل اللحظات التي جرت فيها مفاوضات.
إذن، كان ذلك يريح الدولة الصهيونية، حيث استفردت في كل الجبهات الأخرى، وحقّقت اتفاقات فيها، وأنجزت السيطرة الاستيطانية على معظم الضفة الغربية، من دون خوفٍ من تهديد أمني على جبهة الجولان. هل كان أفضل لها من ذلك؟ لا، لهذا ما زالت متمسّكة باتفاق فصل القوات. أما النظام، فقد فرض سلطته الاستبدادية عقودا خمسة تقريباً، وأنجزت الطبقة المسيطرة عملية نهبها سورية من دون خشيةٍ من "قلاقل". وفي الوقت ذاته، ظل النظام يزاود بأنه لم يوقّع أي اتفاقٍ مع الدولة الصهيونية، على الرغم من أنه وقّع أخطر اتفاق. إذن حافظ الأسد هو الرجل الذي وقّع أخطر اتفاق، وأكثرها حنكةً، وظل متمسكاً بأنه لم يوقّع. لم يوقع على اتفاق سلام رسمي، لكنه وقّع على اتفاقٍ يضمن حماية الدولة الصهيونية بالتأكيد. وظلّ قادراً على المزاودة بلا تردّد.