الرجل الخفي... سطوة الرجولة السامة

21 مارس 2020
من الفيلم (يوتيوب)
+ الخط -

يختلف فيلم "الرجل الخفي" للمخرج الأسترالي، لي وانيل، عن ما سبقه من أفلام تحمل نفس الاسم وتتبنى ذات المفهوم، فنحن أمام خيال علميّ لا يركز على الجانب العلميّ بشدة، بل على التشويق والقلق النفسيّ والرهان على مفهوم "الاختفاء" بوصفه نفسيًا لا ماديًا فقط.

فالفيلم يخيب ظن محبي سلسلة الرجل الخفي من وجهة نظر الخيال العلميّ، لكنه يأسر انتباه المشاهدين، كونه يأخذهم في رحلة نفسيّة ونسويّة حول الرجولة السامة وأثرها الخطير على "سي" التي تخضع لتأثير عشيق مهووس، يهدد حياتها ويتلاعب بكل من هم حولها وحوله، خصوصاً أن الفيلم لا يتبنى سؤال "كيف أصبح البطل خفياً؟" لكن يطرح سؤال ماذا لو كان الرجل الخفيّ منحرفاً نرجسيّاً، يحتجز عشيقته في منزل فخم ويخضعها للمراقبة الدائمة.

يبدأ الفيلم بهروب "سي" من عشيقها دون أن يعلم، هي خائفة من اكتشافه للأمر أو اكتشافه مكانها، فتختبئ لدى صديق أختها، الشرطي الذي يمثل الرجل الطيب القويّ، والذي يربي ابنته وحيداً. وتظهر لنا تلميحات عن الكيفية التي اختفى فيها "أدريان"، وحين نكتشف لاحقاً كيف تمكن من "الاختفاء" يخيب أملنا، ولا تلبّى تطلعات محبّي الخيال العلمي وتساؤلاتهم عن إمكانيّة تحقيق الاختفاء. إذ يعتمد الفيلم على الحل التقليدي المتداول في النظريات الشعبيّة، إذ اخترع بذلة تحوي كاميرات ومرايا تعكس الضوء عن جسده، دون تغيير عضويّ يصيبه أو يهدد مكوناته الماديّة، فهو مخترع عبقري مختص بالبصريات، وذو غنى فاحش بسبب اختراعاته.

بعد هروب "سي" يدبر "أدريان" موته، وترث "سي" جزءاً من ثروته، لكنه يبدأ كـ"رجل خفي" بمطاردة "سي" وتدمير حياتها، ليكشف لنا الفيلم عن عمق اضطرابه النفسيّ وهوسه، والذي يترك أثراً على حياة "سي" حتى بعد موته المزعوم، إذ يتسلل حولها ويُظهر لها أنه موجود، ليهدد عقلها ووعيها أمام الآخرين الذين يعتقدون بأنّها تعاني من هستيريا، أو تتخيل ما يحدث، دافعاً من حولها للتشكيك بحقيقة ما يصيبها وحقيقة ما أخبرتهم عن علاقتها معه. وهنا تظهر تقنيات الإخراج والإشارات إلى وجوده في كل مكان توجد فيه "سي"، وأثره الممتد في الزمن، وسطوته كـ"غائب" يجعل من "سي" محط سخرية وشفقة، كونها تدعي أن "أدريان" لم يمت، وتمكن من الاختفاء. وكأنَّ الفيلم يقدم إشارات مجازية على أثر الذكورة السامة الذي يمتد، حتى لو "اختفى" الرجل. فـ"سي" تقول إنه كان "يعرف ما يدور في دماغها"، وكان يخبرها بأنها "لن تتمكن من الهروب منه أبدا"، خصوصاً أننا نرى في الفيلم لقطات من كاميرات المراقبة، في إشارة ولو بعيدة إلى أثر التحديق الدائم الذي نخضع له، وإدراكنا بأننا مراقبون دوماً.


تُتهم "سي" بما يشبه الهذيان، وتحتجز كونها تشكل خطرا على نفسها وعلى غيرها، كون "أدريان" قام بقتل أختها بالعلن، وجعلها تبدو هي من قامت بذلك. وهنا يخلق الرعب ونستعيد أصداء سلسلة الرجل الخفيّ الذي يتحَّول دائماً إلى مهووس بامرأة ما يريد تملكها. لكن في هذه الحالة نكتشف أن "سي" حامل، وأن "أدريان" قام باغتصابها أو تلقيحها دون أن تدري. وهنا تختلف الأدوار حين تستعيد "سي" السيطرة، وتنصب شركاً لأدريان وتقتله، لنكتشف لاحقاً أن من في بذلة الاختفاء أخوه لا هو، إذ تمكن "أدريان" من أن ينصب مكيدة يظهر ضمنها بريئاً، وخاضعاً لسيطرة أخيه.



تتحول الحكاية بعد ذلك بصورة جذريّة، تستعيد "سي" قوتها بعد أن صدقها الجميع، كونهم اختبروا وجود رجل خفي يحاول قتلها وقتل كل من يقف بطريقه. لكن لا وسيلة قانونية لإثبات أن "أدريان" هو من يلاحقها لا أخاه، لذا ودون مساعدة الشرطة، تنصب فخاً لـ"أدريان" كي توقع به وتنتقم منه، فلا نجاة من هوسه، وكأن "الاختفاء" في هذه الحالة ليس إلا عارضاً من أعراض العشيق المنحرف والمتسلط، الذي يريد السيطرة على موضوع رغبته وتحويله إلى لعبة يتحكم بها كما يريد.
دلالات
المساهمون