الرجل الثاني في واشنطن

08 اغسطس 2015

ماكدونو.. نجح في إحداث تغييرات جذرية في مواقف أوباما

+ الخط -
إن شئت أن تدرك ما الذي جرى ويجري بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في السنوات الأخيرة، فابحث عمّن يتبوأ منصب كبير موظفي البيت الأبيض، أي الرجل الثاني في واشنطن. المنصب في غاية الأهمية، ووظيفة شاغله أن يكون الأذن الثالثة للرئيس الأميركي، ومستشاره الأقرب، وقادراً على أداء دورٍ أكبر من دور نائب الرئيس من الناحية القانونية.
هناك دينيس ماكدونو، تسلّم منصبه في يناير/كانون الثاني 2013، والمرجّح أن يستمر حتى نهاية عهد الرئيس باراك أوباما، في أواخر 2016. نجح في إحداث تغييرات جذرية في مواقف الرئيس. لم تصل تلك المواقف إلى حدّ الكمال، لكنها شكّلت محطة قاطعة، مقارنة مع سَلَفٍ مغاير تماماً دشّن عهد أوباما الأول: رام إيمانويل.
لا يعتبر إيمانويل الذي بات عمدة مدينة شيكاغو من المقرّبين من اللوبي اليهودي في واشنطن فحسب، بل من العاملين على "توثيق الصلة بجذوره". زار الأراضي الفلسطينية المحتلّة مرات، وخضع لتدريباتٍ عسكرية على يد جيش الاحتلال. كان يبدو مختلفاً بعض الشيء عن مسار الحملة الانتخابية لأوباما وأدبياتها. الرئيس الديمقراطي طرح للتوّ برنامجاً انتخابياً مختلفاً عن سلفه جورج بوش، يقضي بالانسحاب من العراق وأفغانستان وإقفال معتقل غوانتنامو، وصولاً إلى اقرار "الرعاية الصحية" و"إعادة هيكلة الشركات الكبرى" و"إنقاذ وول ستريت" بعد الأزمة المالية في عام 2008.
في المقابل، بدا إيمانويل أقرب إلى "جمهوري" في حزب ديمقراطي، لكن أوباما احتاجه لضمان دعم الجماعات اليهودية، في مواجهة الجمهوري، جون ماكين. لم يدم عهد إيمانويل كبيراً لموظفي البيت الأبيض طويلاً، فبعد أقلّ من عامين، اختار مساراً انفرادياً لتحقيق طموحاتٍ شخصية، بدءاً من شيكاغو. وعلى الرغم من سعيه إلى إبراز "مهنيته"، فإن إيمانويل أظهر انحيازه لإسرائيل، حين خاطب حشداً مؤيداً للاحتلال في تظاهرةٍ، نُظّمت في شيكاغو في عام 2003، إبّان الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000 ـ 2005). قال إيمانويل حينها: "إسرائيل مستعدة للسلام، لكنها لن تصل إليه حتى يعود الفلسطينيون عن طريق الإرهاب". كان "حاسماً في موقفه غير القابل للنقاش".
أما والده، بنيامين ايمانويل، فقد "تنباً"، بعد وصول نجله إلى البيت الأبيض، بأنه "سيؤثر على الرئيس ليكون مؤيداً لإسرائيل. ولماذا لا يفعل ذلك؟ هل هو عربي؟ إنه لن يتولى تنظيف بلاط البيت الأبيض".
وإذا كانت مواقف إيمانويل تُعتبر "طبيعية" في واشنطن، قياساً على المسار السابق للسياسات المتعاقبة للإدارات الأميركية السابقة، إلا أن مواقف ماكدونو أسست لتناقض شبه مُطلق مع الماضي. أظهر حماسة زائدة لكل اتفاق محتمل مع إيران، وكان خلف المواقف المتشددة لأوباما في مواجهة إسرائيل في هذا الصدد، في صورة مغايرة لما جرى في ربيع 2010، حين "اشتبك" الأميركيون والإسرائيليون على خلفية عملية استيطان للاحتلال، انتقدتها الولايات المتحدة. وقتها، علّل أوباما ذلك بالقول إن "الأصدقاء يتجادلون دائماً". لغة الصداقة باتت من الماضي في ربيع العام الحالي، حين ردّ ماكدونو على ضغوط نتنياهو قائلاً إن "الاحتلال المستمر منذ 50 عاماً يجب أن ينتهي"، ويقصد بذلك أن ينسحب الإسرائيليون إلى حدود 1967.
هنا يأتي دور نتنياهو الذي وجد نفسه وسط دوّامة هائلة من المشكلات، فهو "مؤتمن" على حماية المجتمع الاسرائيلي، و"عليه العمل على إزالة مسببّات الخطر". وهما السببان الأساسيان لنجاح أي شخص في قيادة حكومات الاحتلال. ولعلّ "التحذير" الأخير الذي أطلقه أوباما لإسرائيل، حول "إمكانية اندلاع الحرب في الشرق الأوسط، في حال رفض الكونغرس الاتفاق النووي"، يكشف صورة مرعبة عن تردّي العلاقات بين الأميركيين والإسرائيليين، خصوصاً أنه لم تمرّ سبع سنوات على مقالٍ في صحيفة معاريف الاسرائيلية، وُصف فيه إيمانويل بأنه "رجلنا في البيت الأبيض". اليوم، لا الرجل موجود، ولا البيت الأبيض على السمع بالنسبة لنتنياهو.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".