الرئيس الصادق بزيادة... رزق

17 مارس 2019
+ الخط -
يحيي المنقلب كعادته ندوة تثقيفية لأهله وعشيرته، يغزل فيها خيوط الود، ويجدد بيعتهم له. يجلس موليا جمهوره ظهره. يتحدث كما اعتاد بطريقته المخابراتية، ما بين همز ولمز، مفتقدا شجاعة الإفصاح، متجنبا أن تثبت كلماته عليه جرائمه ضد فصيل بعينه ورئيس شرعي ينتمي إليه، صنع من ظلاله وحشا ليرعب به أتباعه ويبتز به دولا ساندته في انقلابه ويخفي وراءه إخفاقاته.

يعترف الصادق بعد أكثر من ستين عاما، أن هذا الفصيل لطالما شكل صداعا لعشيرته العسكرية بمحاولاته التشكيك في كل شيء، وهذا بالطبع يخالف عقيدته التي تقوم على الأمر المباشر الذي لا قبل لأحد برفضه، ولا جرأة لأحد على مناقشته، كحال وزير النقل الذي خاطبه بحزم قائلا: "هو احنا بنتحايل على حد ف الجيش يا كامل"، فهب اللواء من مقعده مؤديا التحية العسكرية مذعنا راضخا.

ينكر الصديق أنه يشوه التاريخ ثم يسرد قصته، ممسكا ببوقه وبقلمه ليخط بحبر سلطته ما يمليه عليه ضميره الميت؟! يحاصر رئيسا شرعيا بزجاج حتى لا يُسمع، ويعتقل كل من كان في موقع مسؤولية لينقش بأريحية على حيطان معابده انتصارات زائفة ويتفنن في نحت صورته كفرعون يركب عجلاته الحربية. يفصح بكل وقاحة عن أن مسؤولية غسل دماغ أطفال الثورة الذين شبوا الآن وهم لا يعلمون ما جرى تقع على عاتقه.

يصف الثورة بالعبث والمطالبة بالحقوق خرابا، ويطالب بلجنة لدراسة الأحداث منذ 2011 حتى 2013 لتعيد صياغة التاريخ، وبذلك فإنه يأتي بعنصرية فجة ما اتهم به جماعة الإخوان بأن لديهم فكرا مختلفا يبثونه في العقول والنفوس بشكل ممنهج!


إن الاختلاف الذي يتحدث عنه ليس سوى اختلاف عن رؤيته هو للدين وليس اختلافاً عن فكر الأمة الإسلامية. لا يكتفي مجدد عصره وأوانه بأنه يريد أن يفرض إصدارا مزيفا للدين، بل الأسوأ أنه يريد أن يقنعنا أن هذه هي النسخة الأصلية.

يفخرالصدوق بأنه كان رئيسا للمخابرات العسكرية والأجهزة الأمنية أيام الثورة، وبقفزة هائلة فوق وجوب محاسبته على دخول عناصر مخربة أرض مصر وصلت لوزارة الداخلية؛ ويعيد تأريخ موقعة محمد محمود.

يتكلم المنقلب من موقع شيخ العرب وليس من موقع المسؤول، يتحدث كمن لا حيلة له عن أجندات دخيلة وقتلى يسقطون لمدة ستة أيام من دون محاولة الجيش الحؤول دون ذلك، في تعارض صارخ مع مباهاته أنهم كانوا حريصين على ألا يسقط مصري واحد!

يتهم شباب الثورة الداعين للنزول وقتها باستهداف إسقاط أكبر عدد من الضحايا لإرغام المجلس العسكري على التنحي، ليعلن ببساطة أن طموح المجلس في البقاء كان عظيما.

يتنهد الجنرال برغم ضخامة إمكانيات الجيش ويستنكر مطالب لم يعرف مصدرها كانت تكتب على الإنترنت ويسلط عليها الإعلام وبرامج التوك شو الضوء لتتحول إلى أوامر واجبة التنفيذ، وبالمقارنة نذكر رجلا وحيدا كان رئيسا شرعيا لم ينكر ذلك على شعبه قط، بل اعتبره حقا واجب النفاذ.

يحوم حول خطة شرق أوسط جديد أشرف هو بنفسه على تنفيذها وما كان هؤلاء الشباب إلا ضحاياها، فهو القاسم المشترك في مجلس إسقاط مبارك، وإسقاط المجلس العسكري، وإسقاط مرسي، لتكتمل المؤامرة.

اتقى الإخوان مذبحة لن تبقي ولن تذر، وعلى إثرها امتنعت الجماعة عن النزول بثقلها، وسمحت لشبابها بالمشاركة فرادى، فنزلوا على المر، تفاديا للخيار الأمر، فزرع الشيطان بذرة شقاق "باعونا في محمد محمود" والتي تلقاها الآخر وكهدية كم تاق إليها ولن يتنازل عنها.

أمر اللوذعي بحل لإيقاف القتل ألا وهو بناء كتل خرسانية لغلق الشارع! ما هذا! أين العناصر المخربة؟! هل هذا حل للمأساة؟ ألا يعتبر القبض عليهم حلا، مثلا؟! ألم تكن ستة أيام كافية لذلك؟ يعيد المخلص فتح ملف محمد محمود ليؤجج نارا ما خمدت ولا يريد مسعروها من شباب الثورة لها انطفاء، ولكن ليطمئن قلبه.

تتقافز من عيني الأشرف نظرات تشكك في تصديق الحضور له وهو يتنصل من جرائم عشيرته في ماسبيرو وبورسعيد وغيرها، فيحلف أنه صادق وشريف. يعزف في كل مناسبة على أوتار شحن كراهية عشيرته العسكرية للثوار عامة والإخوان خاصة، فيقول: "قدمونا للناس أننا قتلة"، ليثير في أنفسهم شجنا تمثيليا هابطا يكون حافزا لمزيد من العنف واستخدام القوة الغاشمة.

يصف يناير بأنها أحداث كبدت مصر خسائر كبيرة جدا ستبذل مصر الكثير لتعوضها، ويلقي باللوم على شبكات التواصل الاجتماعي وينعت نور عينيه من المصريين بالجهل بالتعامل معها ويوهمهم أنه أنقذ الدولة من السقوط، وهو من ربط قدميها بكتل من خراب لتغرق في مستنقع كراهية وابتذال وخزي وعار لا أمل من خروجها منه إلا بمعجزة من عند الله.
7048540C-B765-4399-A999-CB7869F215E2
رانيا مصطفى
باحثة مهتمة بالتاريخ والسياسة والأدب والعلوم الإنسانية. تقول: كل فكرة فى مقال ماهى إلا رسالة فى زجاجة ملقاة فى بحر تتقاذفها أمواج الأيام حتى تصل إلى من يهمه الأمر