الذاكرة ليست حفل تأبين

17 مايو 2015
قرية العراقيب في النقب الفلسطيني (تصوير: رنا بشارة)
+ الخط -

ليست وظيفة الفكر إجراء مواكبة لطقوس الذاكرة الجماعية، فهو بذاته ليس طقساً، الفكر كما نفهمه فعلٌ ينقل الذاكرة الجماعية إلى ميدان الفعل، وهو بهذا المعنى عصب الإرادة الجماعية وعصب فكرة التحرر.

لقد شاعت في السنوات الأخيرة ممارسات تنميطية لمعنى النكبة الفلسطينية سيّما في الإعلام العربي، سواء بوصفها ماضياً بعيداً علينا أن "نحميه" من النسيان أو بوصفها فجيعة قدرية تتمدّد على الراهن وتسبقنا إلى المستقبل.

وضمن هذه الممارسات، يجري تحويل "الذاكرة" إلى مستودع قديم وطقس ندبي موسمي تُفرّغ فيه أفعال الندامة، عوض أن تكون عنصراً مؤسّساً في عملية تكاملية تجمع تحرّر الإنسان وتحرّر الشعوب.

وضمن هذه العملية المخاتلة تتحول الرموز إلى فولكلور. وحين تصير الذاكرة ورموزها فولكلوراً ومجرّد "مناسبات"، فإنها تخسر وظيفتها ويصبح الاعتناء بالذكرى أقرب إلى متحفة مُضرّة، بما يجعلها حفل تأبين مستمر.

وغنيّ عن القول أن ذهنية التأبين هي آخر ما يحتاجه الوعي التحرري وآخر ما تحتاجه قضية فلسطين، وهي كما نفهمها قضية تحرير بلد من استعمار إحلالي وتحرير المنطقة العربية كلّها من الهيمنة الاستعمارية المباشرة أو عبر وكلائها المحليين من المستبدّين.

وهذه بديهية يلزم التأكيد عليها، إذ إن مفردة "قضية" أصابها في الأدبيات السياسية والتداول الإعلامي ما أصاب الذاكرة من تجفيف وإفراغ للمعنى، بحيث أصبحت تعني كل شيء باستثناء تحرّر الإنسان وتحرير الأرض.

في هذه الصفحات، أخذنا على عاتقنا محاولة قول جديد في النكبة، مدركين أننا في النهاية نقوم بمراجعة تاريخ من الأفكار تتفاوت صلاتها بالراهن. ولعل أبسط الأسئلة التي يمكن أن يسألها تلميذ في المرحلة الابتدائية، مثل لماذا "لم تتحرّر فلسطين حتى الآن؟" هو أكثر الأسئلة جوهرية، وهو السؤال الذي بدأ في أدبياتنا العربية بـ"لماذا هزمنا" و"معنى النكبة" و"تجاوزها".

ونحن إذ ننتقل من حقل الأفكار إلى أرض فلسطين الدامية والآسرة والمتفائلة رغم جميع جراحها، وننظر إلى بعضنا، من بقي فيها ومن يكتب الآن من اللجوء عنها ولها، وإذ ننظر إلى شعبنا الفلسطيني وشعبنا العربي الذي يواجه نكبات، وإن بدت وطنية الطابع، فهي ذات صلة بالواقعة الاستعمارية.

الآن ونحن في هذا الذي يصفه بعضنا بالدرك الأسفل وبعضنا الآخر بالمخاض القاسي، ننظر إلى شعبنا، إلى تاريخه المشرّف بالمقاومة وإلى تضحياته التي جعلتنا مَن نحن. ننظر إلى كل ذلك ونعرف ما علينا أن نفعله.



الملحق بنسخته الورقية 

دلالات
المساهمون