منذ الستينيات - وهي الفترة التي تقابل العصر الذهبي للتحليل النفسي اللاكاني والذي اعتُبر مزاوجة بين علم النفس وعصر ما بعد الحداثة - بدأ الحديث عن ثورة عميقة تفرضها التكنولوجيا. بإمكاننا حتى أن نستعير عبارة جيل غاستون غرانجيه ونتحدّث عن قطيعة إبستيمولوجية حدثت في كل مجالات المعرفة، إلا أنها لا تتعلّق بمخاضات داخلية، وإنما بسبب مؤثر خارجي عام.
بالنسبة للتحليل النفسي فإن الإشكالية مزدوجة؛ فمن جهة عليه التأقلم مع معطى جديد في العالم مثله مثل بقية المجالات المعرفية، ومن جهة أخرى عليه أن يضع في حسابه أن الكائن البشري الذي يدرسه قد تغيّر بشكل راديكالي منذ أن تعرّض إلى هذه الطفرات التكنولوجية.
بدأ التحليل النفسي يكتشف العالم من جديد، ويكتشف موقعه تبعاً لذلك. بات الواقع الاجتماعي والاقتصادي محكوماً بالروح الفردانية، وانبنت علاقات جديدة بين الإنسان وما هو تحت حوزته، وتغيّرت المرجعيات والقيم.
الذات بالمعنى الديكارتي لم تعد كما كانت، توارت تحت طبقات كثيفة. أما الحياة فقد رفعت شعار الجدوى مجافية التأمّل الذاتي، فيما أخذت المادة تقضم الروح فلم يبق منها الكثير. أصبح ديكارت في الصف الخلفي، ويبدو من العسير عليه فهم ما يحدث اليوم بتلك الأدوات التي مكّنت العقل من فهم العالم لقرون متتالية.
* من مقال "أزمة الذاتيات"، مجلة "علم النفس العيادي"، العدد 41، 2016.
** ترجمة: شوقي بن حسن