الذئاب المنفردة... محاولة للفهم

10 ابريل 2017
اشتهر اصطلاح الذئاب المنفردة بعد هجمات القاعدة و"داعش"(فرانس برس)
+ الخط -
"في غمرة الربيع، وفي حضور أولئك الذين لم يفارقونا حقاً، نجد الحياة التي نستحقها. حياة الشجاعة وحياة التضحية وأقصى درجات النكران للذات" على الرغم من أن تلك الكلمات قالها الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أمام المقبرة الوطنية لإبراهام لنكولن في مايو 2005م، إلا أنها لم تمنع باحثا في حركات التطرف، وهو سكوت أتران، من تقديمها كتمهيد لحديث مطول عن الإرهاب في كتابه "الحديث إلى العدو"، حيث أن الجملة تضع إطاراً عاماً لتلمس ظواهر أخرى ترتبط بقوة بالتضحية والنكران والإقدام على قتل النفس وصولاً إلى القتل العشوائي من أجل قضايا يظن أصحابها أنها مقدسة.

إحدى هذه الظواهر وأكثرها تعقيداً هي ظاهرة الذئاب المنفردة، وهم أفراد ليس لهم أي ارتباط تنظيمي، وليس لديهم مصادر لتلقي التعلميات والتكليفات، يقومون بأعمال إرهابية من عنف وقتل ضمن إمكانياتهم الذاتية، متأثرين بدعاية حركات متطرفة أو بناءً على قناعات أيديولوجية أو دينية أو سياسية أو مزيج منها جميعاً.


وهناك ثلاثة معايير لازمة لإطلاق مسمى "الذئب المنفرد" على العمل الإرهابي، وهي: أن تتم بشكل فردي، وألا ينتمي مُنفذ العملية لتنظيم إرهابي، وأن يتم التخطيط للعملية دون تدخل أي عناصر خارجية أو قيادات تنظيمية. فعمليات الذئاب المنفردة هي عمليات فرد ضد مجتمع، وبالنسبة للآليات التي يمكن أن تؤجج التطرف الفردي؛ فإنها تتلخص في المظلمة الشخصية، أو المظلمة الجماعية.

وخلافا للإرهابيين التقليديين، فإن الذئاب المنفردة تجمع في كثير من الأحيان بين الثأر الشخصي والمظالم الدينية أو السياسية الجماعية، فهما معا يُشكلان دافعا قويّا لتحدي السلطة الحاكمة.

ومن أشكال العمليات التي يمكن أن تقوم بها الذئاب المنفردة: زرع قنابل ذاتية الصنع في أماكن مختلفة وتفجيرها عن بعد، أو شن هجوم فردي بسلاح يمكن أن يصنع في البيوت أو يُشترى بشكل قانوني في الدول التي تسمح بذلك، أو قيادة سيارة أو شاحنة ودهس المارة بها، أو استخدام السلاح الأبيض، وكل ذلك يتم بتخطيط وتمويل ذاتي وبسرية تامة.

ولم يشتهر اصطلاح الذئاب المنفردة إلا بعد هجمات القاعدة و"داعش" على الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية من أشخاص لا يبدو عليهم التدين ولا مظاهر التشدد، بل على العكس من ذلك منهم من يشرب الخمر ويتعاطى المخدرات وله علاقات جنسية، وذلك على الرغم من أن الذئاب المنفردة عرفت قبل ذلك بعقود، ومن أشهر هؤلاء الذئاب، تيد كاتشينسكي، وهو أحد أكثر الذئاب المنفردة موهبة على الإطلاق؛ حيث قام خريج جامعة هارفارد وعالم الرياضيات السابق بالتخطيط وتنفيذ 16 تفجيرا منفصلا على مدار 17 عاما من 1978م ولغاية 1995م، مما أسفر عن مقتل 3، وإصابة 23 ليحصل مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي على أطول وأغلى تحقيق في تاريخه.

وتيموثي ماكفي وهو شخص يميني متطرف، وجندي سابق في الجيش الأميركي، كان العقل المدبر وراء تفجير مدينة أوكلاهوما، في 19 أبريل/ نيسان 1995، والذي أسفر عن مقتل 168 شخصا، وإصابة أكثر من 500 شخص، ولا يزال يُعتبر أعنف حادث إرهابي محلي في تاريخ الولايات المتحدة. واليميني المتطرف أندريه بريفيك في النرويج 2011م الذي قتل العشرات احتجاجا على سياسة بلاده وقبولها هجرة الأجانب.

وتشير دراسة "Understanding the lone wolf terror phenomena: assessing current profiles" ونشرت في دورية "Behavioral Science of Terrorism and Political Aggression" في سبتمبر/ أيلول 2015م إلى أن هجمات الذئاب المنفردة آخذة في الارتفاع في الولايات المتحدة والعديد من الديمقراطيات الأوروبية الغربية (مثل: المملكة المتحدة، وألمانيا)، وهي الدول التي شهدت 198 هجمة إرهابية نفذها الذئاب المنفردة في الفترة من 1970م إلى عام 2000م. كما أوضحت أن هجمات الذئاب المنفردة على الولايات المتحدة قد زادت بنسبة 45%، فهي الدولة الأكثر استهدافا في الفترة من 1990 حتى 2013، بحوالي 46 عملية، بنسبة 63% من إجمالي العمليات على مستوى العالم. ويعود هذا التركيز على أميركا إلى أن طبيعة المجتمع تسمح بوجود ذئاب منفردة حيث السلاح يمكن أن يباع ويشترى للمدنيين في المحلات التجارية.

وعلى مستوى الجماعات الجهادية الإسلامية فقد ظهر في أحد فصول كتاب (دعوة المقاومة الإسلامية العالمية) لأبو مصعب السوري فكرة اللامركزية بحيث يتحول التنظيم إلى فكرة عابرة للحدود، يعتنقها ويمارس مقتضياتها من أعلن ولاءه للتنظيم ولخصها بقوله: "إن كل مسلم يجب أن يمثل جيشا من رجل واحد".

ثم كان تبني داعش في عام 2014م عندما دعا أبو محمد العدناني الناطق باسم تنظيم داعش، في تسجيل صوتي له، المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا دول الائتلاف في أي مكان وبأي وسيلة متاحة. وحث فيها على تنفيذ المزيد من الهجمات على المصالح الغربية في كل مكان قائلا إن استهداف من يسمى بالمدنيين "أحب إلينا وأنجع" مضيفا: "لا عصمة للدماء ولا وجود للأبرياء وإن لم تجدوا سلاحا فادهسوهم بسياراتكم".

ويرى خبراء أمنيون أن الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة فردية على شاكلة "الذئاب المنفردة" يمثلون خطرا أكبر من التنظيمات المعروفة، مثل تنظيم القاعدة أو داعش، والتنظيمات المتفرّعة عنها. ويتوقعون أن هذه الاستراتيجية التي لا يمكن التنبؤ بعملياتها من أقوى الأجهزة الأمنية كفاءة، هي أكثر انتشاراً في المستقبل.
المساهمون