الدين والآخر في "المؤشر العربي"

04 أكتوبر 2014

متظاهرات يمنيات ضد ممارسات الحوثيين (24أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

يسلط "المؤشر العربي 2014"، الذي أعلن نتائجه، قبل أيام، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أضواءً كثيرة على القضايا المختلفة التي تهم المواطن العربي، اليوم، مثل الموقف من المؤسسات الحكومية والديمقراطية والمجتمع المدني والمشاركة السياسية وسواها، وهي قضايا لا تزال تشغل الشارع العربي، أو الشوارع العربية بالجمع، بسبب أن التجارب السابقة ظلت تدور حول نفسها مثل الرحى، لا طحنت زرعاً ولا سكتت عن الضجيج، وهو ما جعل المواطن العربي يعيش حالة انتظار دائمة ومفتوحة، لم يزدها ما سمي بالربيع العربي سوى التهاباً.

ما يهمنا التطرق إليه، هنا، هو الشق المتعلق بمكانة الدين في المجتمعات العربية، من خلال النتائج التي أظهرها المؤشر. وهو شقٌّ عريضٌ يتطلب دراسات تحليلية أوسع، لكننا سنتوقف عند محورين أساسيين، يتعلق أولهما بالموقف من الآخر داخل العقيدة نفسها، ويتعلق ثانيهما بالآخر خارجها.

لا شك أن مرحلة "الربيع العربي"، وما بعدها، قد شكلت منعطفاً مهماً جداً في ما يتعلق بحضور الدين في المجال العام، وهذا تحولٌ لعله لم يحصل طوال تاريخ الإسلام قاطبة. من ناحيةٍ، كان هناك سقوط المركزية في الخطاب الديني، ومن ناحية ثانيةٍ، كانت هناك حالة من الشتات في الخطابات الدينية غير الممركزة، وهي سمة طبعها الصراع بين الفاعلين في المجال الديني ووضعية استقطاب حادة. ومن ناحية ثالثة، كان هناك عنف غير مسبوق، يستمد مسوغاته من النظريات الدينية نفسها، ليس هذا فحسب، بل هو يزايد على الاختيارات الأخرى دفاعاً، عن مشروعية العنف، وعلى الرغم من أن لهذه الوضعية الأخيرة ما يماثلها في تاريخنا الإسلامي، إلا أن أشكال التعبير عنها وأنماطها السلوكية تطورت بشكلٍ لا نظير له.

والواضح أن هذه التحولات الجوهرية التي مست العمل الديني، لا من ناحية الأسس، ولا من ناحية المظاهر السياسية والاجتماعية، قد أثّرت على مواقف الرأي العام العربي تجاه قضية حضور الدين في المجال العام، فبالقدر الذي أصبح الدين فيه أكثر حضوراً في هذا المجال العام أصبح فيه هذا الحضور قضية شخصية، تحفز المواطن العربي على تحديد موقفه، بحيث إن الدين لم يعد حزمة من التعاليم الأخلاقية والتعبدية فقط، بل أصبح صناعة خاضعة لتقنيات متعددة، مثل أي فلسفةٍ أخرى، ليبرالية أو غير ليبرالية، تتداخل فيها الصورة والخطاب والبهارات السياسية وسيكولوجية التلقي والجمهور.

ولأن الدين، بالأساس، خطاب في الهوية، بالمعنى المتعالي، فإن حضور الآخر في هذا الخطاب أساسي وجوهري. ولو نظرنا إلى قضية التكفير، مثلاً، والتي أصبحت الأساس الذي تقف عليه الجماعات المتطرفة، سنجد أنها، في مضمونها الفكري والفلسفي، خطاب حول الآخر، أو إعادة صياغة الآخر دينياً، وتحديد موقعه إزاء الهوية التي ينطلق منها المكفر، سواء كان هذا الآخر موجوداً داخل المعتقد المشترك أم خارجه.

ومن هذه الزاوية، فإن التحولات الأخيرة في العالم العربي، في المجال الديني، دفعت بالمواطنين العرب إلى اتخاذ مسافة شعورية ومعرفية من هذه القضية الشائكة. فحسب "المؤشر العربي"، ارتفعت نسبة المؤيدين "بشدة" لمقولة "ليس من حق أي جهة تكفير الذين ينتمون إلى الأديان الأخرى"، من 27% في مؤشر سنة 2012/2013، إلى 30% في المؤشر الحالي، بينما حافظت فئة المؤيدين على النسبة نفسها في كل من المؤشرين، وهي 40%، بينما بقيت فئة المعارضين "بشدة" في الموقع نفسه، أيضاً، وهي 6%، وهو رقم له مدلوله الخاص، يشير إلى أن القاعدة الأوسع من الرأي العام العربي تميل إلى تغليب كفة التسامح، مع ملاحظة أن نسبة المعارضين انخفضت بنقطة واحدة بين المؤشرين، لتنزل من 15 إلى 14%، لنجد أن نسبة المعارضين على الجملة هي 20%، لكن من دون أن نغفل الترابط الدينامي بين الفئتين، باحتمال انتقال فئة المعارضين إلى فئة المعارضين "بشدة"، والعكس وارد أيضاً.

أما مقولة "ليس من حق أي جهة تكفير الذين يحملون وجهات نظر مختلفة في تفسير الدين"، فقد حازت اهتماماً أوسع، ربما نظراً لموجة التكفير الديني في الإسلام وانتشار الجماعات المتطرفة، حيث انتقلت نسبة المؤيدين "بشدة" من 27% في آخر مؤشر إلى 32% في المؤشر الحالي، في مقابل تقلص نسبة المؤيدين من 42 إلى 41%، لكن هذا التراجع لا يبدو مهماً أمام تراجعٍ آخر في فئة المعارضين، والتي تقلصت من 14 إلى 12%، بينما حافظت فئة المعارضين بشدة على الموقع نفسه، وهو 5%.

والخلاصة أنه ليس من الضروري قراءة التحولات الراديكالية التي يمر منها الإسلام اليوم، باعتبارها تحولاً في الذهنية العامة نحو مزيد من التشدد، بل العكس، فثقافة التسامح هي التي ستنتصر، في النهاية، على موجات الغاضبين باسم الدين.

411EBE56-3D92-42A1-9A4C-B11BC6AB0E69
إدريس الكنبوري

كاتب وباحث أكاديمي من المغرب، من مؤلفاته "سلفي فرنسي في المغرب"، و"الإسلاميون بين الدين والسلطة .. مكر التاريخ وتيه السياسة".