27 سبتمبر 2018
الدولة ومخابراتها
لكل دولة مخابراتها، وهي كما يُذكر في الدساتير والإعلام تحفظ "الأمن الوطني". هكذا بهذه العمومية، من دون أن يتحدَّد معنى هذا الأمن، أو معنى الوطني. أو يمكن أن يشار إلى "الأخطار الخارجية". وبالتالي، تصبح مهمتها "كشف الجواسيس" والمتآمرين على الوطن. لا إشارات إلى المواطن طبعاً، إلا حين يجري اتهامه بـ "تهديد الأمن الوطني". لكن، وكما يظهر في الممارسة التي طاولت وتطاول كل ناشط في الشأن العام، يكون دور "الأجهزة الأمنية" ملاحقة المعارضين، وتصبح مهمتها حفظ السلطة، ومعاقبة كل مخالف لها.
كل هذا معروف، ليس نتيجة التحديد الدستوري، بل نتيجة الممارسة التي تُظهر آثار أقبية السجون على الناشطين والسياسيين. بالتالي، تصبح مهمة الأجهزة الأمنية جمع المعلومات عن المواطنين، واعتقال كل معارض، وتجنيد "متعاونين" ينقلون المعلومات إليها. لكن هذا هو شكل يظهر في النظم الاستبدادية، وهو شكل "بسيط" لأنه يركز على المواطن، وهو في الغالب يفشل في "كشف الجواسيس"، لأنه لا يركز عليهم، بالضبط لأن الخطر الذي يتهدد النظام داخلي، من الشعب. وفي العادة يرسخ في الذهن هذا الشكل من دون الالتفات إلى أشكال أخرى. وفي الغالب، لا يجري الانتباه إلى وجود أشكال أخرى، هي "مكملة" لهذا الشكل، أو "مكملة" لسطوة الدولة.
ولأن الأجهزة الأمنية جزء من بنية السلطة، وتهدف إلى خدمتها، سوف تخضع بالتأكيد لتنفيذ سياسات أخرى، خدمة للسلطة ذاتها، ولمصالح الطبقة المسيطرة فيها. خصوصاً مع توسّع دور الإعلام، والشفافية التي يسمح بها فيما يتعلق بنشر الخبر، ومعرفة ممارسات تحدث. وأيضاً، فرضت مواجهة تمردات الشعوب، والثورات التي حدثت في العقود الماضية، البحث عن أشكال جديدة لمواجهتها، غير وربما إضافة إلى القمع الصريح. وكذلك الأمر بالنسبة لأحزاب المعارضة، خصوصاً حين يكون الصراع المجتمعي عنيفاً، وميزان القوى ليس مستقراً لمصلحة السلطة. ولهذا، لم يعد دور الأجهزة الأمنية "سلبياً" يتعلق بجمع المعلومات، أو قمعياً يتعلق بالاعتقال والتعذيب. ولم تعد هذه المسائل ممكنة في "النظم الديمقراطية"، نتيجة الانحكام للقانون. الأمر الذي فرض الحاجة إلى أشكال جديدة تمارسها السلطة، من أجل الحفاظ على سيطرتها، أو تمارسها من أجل تنفيذ سياسات تخدم مصالحها.
لقد تجاوزت دورها المحلي، أو "السلبي" القائم على جمع المعلومات، لمصلحة دور يخدم مجمل سياسة الدولة، فقد بات المطلوب إيجاد مبرّرات لسياسات معينة. لهذا يصبح من الضروري توفير هذه المبرّرات، ويكون ذلك باختراع "عدو"، أو تشكيل "عدو"، أو افتعال حادث. بمعنى أن هذه الأجهزة باتت تتمظهر في شكل "عدو" للسلطة التي تعمل تحت إمرتها. وتتخذ شكلاً معيناً يكون هو هذا العدو، فقد اشتغلت المخابرات الأميركية على تشكيل "فرق موت" في أميركا اللاتينية في عزّ الصراع الشعبي ضد الأنظمة التابعة لها، كان هدفها تخريب البيئة الشعبية التي كانت تحضن الثورات هناك. واشتغلت على توظيف العصابات من أجل إثارة الفوضى، حين كانت تفكّر في التدخل.
من هذه الزاوية، يمكن النظر إلى مجموعات إرهابية ظهرت في العقود الماضية، حيث كانت تهدف إلى إضعاف خصم، أو عدو، أو تبرير تدخل. ومن ذلك تنظيمات القاعدة وداعش وغيرهما، والتي كان وجودها "كنزا إستراتيجيا" برَّر كل التدخلات الأميركية. وكان نشوء مجموعات كهذه فكرة طرحها منذ سبعينات القرن العشرين خبراء الأمن القومي الأميركي، وجرى الاشتغال عليها بعد إذ. إن فكرة "اختراع عدو" التي راجت في أميركا تسعينات القرن العشرين كانت توشِّر على ذلك، فقد جرى "اختراع" أفضل "عدو" يبرّر كل التدخلات التي حدثت بعدئذ.
ولا يتوقف الأمر عند أميركا، حيث جرى تقليد ما تفعل، وأصبح تشكيل "أعداء" سياسةٍ متبعةٍ من الأجهزة الأمنية. هذا ليس حديثا عن المؤامرة، بل عن سياسات الأجهزة الأمنية التي لم تعد تنتظر المصائب، بل باتت تفعلها.
كل هذا معروف، ليس نتيجة التحديد الدستوري، بل نتيجة الممارسة التي تُظهر آثار أقبية السجون على الناشطين والسياسيين. بالتالي، تصبح مهمة الأجهزة الأمنية جمع المعلومات عن المواطنين، واعتقال كل معارض، وتجنيد "متعاونين" ينقلون المعلومات إليها. لكن هذا هو شكل يظهر في النظم الاستبدادية، وهو شكل "بسيط" لأنه يركز على المواطن، وهو في الغالب يفشل في "كشف الجواسيس"، لأنه لا يركز عليهم، بالضبط لأن الخطر الذي يتهدد النظام داخلي، من الشعب. وفي العادة يرسخ في الذهن هذا الشكل من دون الالتفات إلى أشكال أخرى. وفي الغالب، لا يجري الانتباه إلى وجود أشكال أخرى، هي "مكملة" لهذا الشكل، أو "مكملة" لسطوة الدولة.
ولأن الأجهزة الأمنية جزء من بنية السلطة، وتهدف إلى خدمتها، سوف تخضع بالتأكيد لتنفيذ سياسات أخرى، خدمة للسلطة ذاتها، ولمصالح الطبقة المسيطرة فيها. خصوصاً مع توسّع دور الإعلام، والشفافية التي يسمح بها فيما يتعلق بنشر الخبر، ومعرفة ممارسات تحدث. وأيضاً، فرضت مواجهة تمردات الشعوب، والثورات التي حدثت في العقود الماضية، البحث عن أشكال جديدة لمواجهتها، غير وربما إضافة إلى القمع الصريح. وكذلك الأمر بالنسبة لأحزاب المعارضة، خصوصاً حين يكون الصراع المجتمعي عنيفاً، وميزان القوى ليس مستقراً لمصلحة السلطة. ولهذا، لم يعد دور الأجهزة الأمنية "سلبياً" يتعلق بجمع المعلومات، أو قمعياً يتعلق بالاعتقال والتعذيب. ولم تعد هذه المسائل ممكنة في "النظم الديمقراطية"، نتيجة الانحكام للقانون. الأمر الذي فرض الحاجة إلى أشكال جديدة تمارسها السلطة، من أجل الحفاظ على سيطرتها، أو تمارسها من أجل تنفيذ سياسات تخدم مصالحها.
لقد تجاوزت دورها المحلي، أو "السلبي" القائم على جمع المعلومات، لمصلحة دور يخدم مجمل سياسة الدولة، فقد بات المطلوب إيجاد مبرّرات لسياسات معينة. لهذا يصبح من الضروري توفير هذه المبرّرات، ويكون ذلك باختراع "عدو"، أو تشكيل "عدو"، أو افتعال حادث. بمعنى أن هذه الأجهزة باتت تتمظهر في شكل "عدو" للسلطة التي تعمل تحت إمرتها. وتتخذ شكلاً معيناً يكون هو هذا العدو، فقد اشتغلت المخابرات الأميركية على تشكيل "فرق موت" في أميركا اللاتينية في عزّ الصراع الشعبي ضد الأنظمة التابعة لها، كان هدفها تخريب البيئة الشعبية التي كانت تحضن الثورات هناك. واشتغلت على توظيف العصابات من أجل إثارة الفوضى، حين كانت تفكّر في التدخل.
من هذه الزاوية، يمكن النظر إلى مجموعات إرهابية ظهرت في العقود الماضية، حيث كانت تهدف إلى إضعاف خصم، أو عدو، أو تبرير تدخل. ومن ذلك تنظيمات القاعدة وداعش وغيرهما، والتي كان وجودها "كنزا إستراتيجيا" برَّر كل التدخلات الأميركية. وكان نشوء مجموعات كهذه فكرة طرحها منذ سبعينات القرن العشرين خبراء الأمن القومي الأميركي، وجرى الاشتغال عليها بعد إذ. إن فكرة "اختراع عدو" التي راجت في أميركا تسعينات القرن العشرين كانت توشِّر على ذلك، فقد جرى "اختراع" أفضل "عدو" يبرّر كل التدخلات التي حدثت بعدئذ.
ولا يتوقف الأمر عند أميركا، حيث جرى تقليد ما تفعل، وأصبح تشكيل "أعداء" سياسةٍ متبعةٍ من الأجهزة الأمنية. هذا ليس حديثا عن المؤامرة، بل عن سياسات الأجهزة الأمنية التي لم تعد تنتظر المصائب، بل باتت تفعلها.