08 يونيو 2019
الدولة المتآكلة في العراق
جاسم الشمري
توفي قبل أسبوعين مشجع عراقيّ، وأصيب 35 آخرون، في أحداث شغب وتدافع جماهيريّ، في ملعب الشعب في بغداد قبل إلغاء المباراة بين فريقي ناديي الزوراء والقوّة الجوّيّة، بسبب بيع بطاقات دخول أكثر من القدرة الاستيعابيّة للملعب، ما اضطرّ المسؤولين عن الملعب إلى إدخال جميع الجماهير التي تملك البطاقات، الأمر الذي صعّب كثيراً إقامة المباراة، ذلك أن الجمهور كان قريباً جدّاً من أرضيّة الملعب، ليقرّر الحكم بعدها إيقاف المباراة وتأجيلها.
تؤكد هذه الحادثة، وهي ربّما الأولى من نوعها، تفشّي الفساد الإداريّ في غالبيّة مفاصل الدولة العراقيّة، حتّى الملاعب الرياضيّة. وفي التاسع من مارس/ آذار الجاري، صنف رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، ما سماها "خريطة الفساد"، في أربعين ملفاً، في جلسة أمام البرلمان. وقد أكّد الرجل وجود ملفّات فساد أخرى، وقال إنّ هذه الخريطة شملت "تهريب النفط، والعقارات، والمنافذ الحدوديّة، وتجارة الذهب وتهريبه، والسجون ومراكز الاحتجاز، والسيطرات الرسميّة وغير الرسميّة، والحبوب والمواشي، والضرائب، والإتاوات، ومزاد العملة والتحويل الخارجيّ، والتقاعد، والمخدّرات، والآثار، والزراعة، والإقامة وسمات الدخول، والأيدي العاملة، والكهرباء، والأدوية، والرعاية الاجتماعيّة، والتعيينات، وبيع المناصب، والعقود الحكوميّة، وبيع الأسئلة، والمشاريع المتوقّفة والوهميّة، والإعلام، وملفّ النازحين، والاتجار بالبشر".
لم يأت رئيس الحكومة بجديد، وهو الذي تصوّر أنّه نفذ مهمّة شاقّة، وكلّ ما في الأمر أنّه قال ما يعرفه جميع العراقيّين، وجميع أعضاء مجالس النوّاب في بغداد والمحافظات في الدورات الحاليّة والسابقة، وحتّى كل رؤساء الوزراء والجمهوريّة على مدى السنوات العجاف السابقة. يعرف هؤلاء حقيقة الفساد الماليّ والإداريّ المستشري في الدولة. والتزمت الغالبيّة الصمت، إمّا لمشاركتها في الصفقات، أو للحفاظ على مصالحها الشخصيّة والحزبيّة.
لم يتطرق عادل عبد المهدي للفساد في مؤسسات كبيرة في الدولة، ومنها هيئة الحشد الشعبيّ، والقضاء، وثراء المسؤولين الفاحش وتمويل الأحزاب الحاكمة، ودوائر الأوقاف، وغيرها من المؤسّسات الناخرة لجسد الدولة العراقيّة. وسبق لرئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، أن
كشف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 عن رصد حالات فساد كبيرة داخل مليشيات الحشد الشعبي، وقال إنّ "الحشد يتاجر بعناصره، والمُطالبين بزيادة مخصّصات الحشد يسعون إلى الحصول على أموال إضافيّة من خلال أفراد فضائيّين". و"الفضائيّون" مصطلح ذاع في العراق، ويعني أنّ العسكريّ اسم وهميّ، أو فقط على ورق، ولا يناوب في عمله مقابل الحصول على نصف راتبه، على أن يأخذ الضابط المسؤول عنه النصف الآخر.
ومع هذا الإعلان الخطير عن دخول الفساد كل قطاعات الدولة المدنيّة والعسكريّة، والدبلوماسيّة، هناك تساؤلات ملحّة، منها:
هل مجرّد الإعلان سيقود إلى القضاء على الفساد، أم أنّ القضيّة بحاجة لحملة تنظيف شاملة لقطاعات الدولة من الأعلى إلى الأسفل؟ الفساد جريمة ارتكبها فاسدون من مسؤولي الدولة، وهم من كل القوى المشاركة في العمليّة السياسيّة. وعليه، هل يحاول عبد المهدي إقناع العراقيين بأنّه يريد القضاء على الفساد، عبر عرض مشروعه على شخصيّات كياناتها متّهمة بالفساد؟ هل يمتلك رئيس الحكومة الجرأة الكافية لإعلان أسماء الفاسدين، من دون النظر إلى مناصبهم الحزبيّة والسياسيّة، والعسكريّة؟ رؤساء الكتل المتّهمون بالفساد هم الذين أوصلوا عبد المهدي إلى هذا المنصب الحساس، فهل سيسمحون له بمحاسبتهم وأتباعهم؟ لماذا لم يتطرّق إلى دور الولايات المتّحدة في سنّ الفساد في الدولة العراقيّة، عبر أكذوبة الإعمار وتهريب الآثار وغيرها؟
إذا فعلها عادل عبد المهدي، وحاسب كل قوى الفساد في العراق، وهذا مستبعد جدّاً، ولو امتلك الجرأة الكافية، فسيجد نفسه في مهبّ الريح، إذا فعلها سيدخل التاريخ العراقيّ الحديث من أوسع أبوابه، وسيكون مثالاً يُقتدى به، ورمزاً للمسؤول الشجاع القادر على تنفيذ سياساته، من دون النظر إلى مآلاتها. لكنّ السؤال الأخير هنا: هل عبد المهدي جاد فعلاً في مسعاه، أم أنّها مجرد زوبعة إعلاميّة، أو أسلوب جديد للضغط على الكتل السياسيّة، لتمرير ما تبقى من حكومته الهزيلة، والتي لا تختلف عن سابقاتها؟ ستكشف الأيّام والأفعال والمواقف المقبلة حقيقة إعلان عبد المهدي عن خريطة الفساد الذي يجعل الدولة العراقيّة تتآكل.
تؤكد هذه الحادثة، وهي ربّما الأولى من نوعها، تفشّي الفساد الإداريّ في غالبيّة مفاصل الدولة العراقيّة، حتّى الملاعب الرياضيّة. وفي التاسع من مارس/ آذار الجاري، صنف رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، ما سماها "خريطة الفساد"، في أربعين ملفاً، في جلسة أمام البرلمان. وقد أكّد الرجل وجود ملفّات فساد أخرى، وقال إنّ هذه الخريطة شملت "تهريب النفط، والعقارات، والمنافذ الحدوديّة، وتجارة الذهب وتهريبه، والسجون ومراكز الاحتجاز، والسيطرات الرسميّة وغير الرسميّة، والحبوب والمواشي، والضرائب، والإتاوات، ومزاد العملة والتحويل الخارجيّ، والتقاعد، والمخدّرات، والآثار، والزراعة، والإقامة وسمات الدخول، والأيدي العاملة، والكهرباء، والأدوية، والرعاية الاجتماعيّة، والتعيينات، وبيع المناصب، والعقود الحكوميّة، وبيع الأسئلة، والمشاريع المتوقّفة والوهميّة، والإعلام، وملفّ النازحين، والاتجار بالبشر".
لم يأت رئيس الحكومة بجديد، وهو الذي تصوّر أنّه نفذ مهمّة شاقّة، وكلّ ما في الأمر أنّه قال ما يعرفه جميع العراقيّين، وجميع أعضاء مجالس النوّاب في بغداد والمحافظات في الدورات الحاليّة والسابقة، وحتّى كل رؤساء الوزراء والجمهوريّة على مدى السنوات العجاف السابقة. يعرف هؤلاء حقيقة الفساد الماليّ والإداريّ المستشري في الدولة. والتزمت الغالبيّة الصمت، إمّا لمشاركتها في الصفقات، أو للحفاظ على مصالحها الشخصيّة والحزبيّة.
لم يتطرق عادل عبد المهدي للفساد في مؤسسات كبيرة في الدولة، ومنها هيئة الحشد الشعبيّ، والقضاء، وثراء المسؤولين الفاحش وتمويل الأحزاب الحاكمة، ودوائر الأوقاف، وغيرها من المؤسّسات الناخرة لجسد الدولة العراقيّة. وسبق لرئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، أن
ومع هذا الإعلان الخطير عن دخول الفساد كل قطاعات الدولة المدنيّة والعسكريّة، والدبلوماسيّة، هناك تساؤلات ملحّة، منها:
هل مجرّد الإعلان سيقود إلى القضاء على الفساد، أم أنّ القضيّة بحاجة لحملة تنظيف شاملة لقطاعات الدولة من الأعلى إلى الأسفل؟ الفساد جريمة ارتكبها فاسدون من مسؤولي الدولة، وهم من كل القوى المشاركة في العمليّة السياسيّة. وعليه، هل يحاول عبد المهدي إقناع العراقيين بأنّه يريد القضاء على الفساد، عبر عرض مشروعه على شخصيّات كياناتها متّهمة بالفساد؟ هل يمتلك رئيس الحكومة الجرأة الكافية لإعلان أسماء الفاسدين، من دون النظر إلى مناصبهم الحزبيّة والسياسيّة، والعسكريّة؟ رؤساء الكتل المتّهمون بالفساد هم الذين أوصلوا عبد المهدي إلى هذا المنصب الحساس، فهل سيسمحون له بمحاسبتهم وأتباعهم؟ لماذا لم يتطرّق إلى دور الولايات المتّحدة في سنّ الفساد في الدولة العراقيّة، عبر أكذوبة الإعمار وتهريب الآثار وغيرها؟
إذا فعلها عادل عبد المهدي، وحاسب كل قوى الفساد في العراق، وهذا مستبعد جدّاً، ولو امتلك الجرأة الكافية، فسيجد نفسه في مهبّ الريح، إذا فعلها سيدخل التاريخ العراقيّ الحديث من أوسع أبوابه، وسيكون مثالاً يُقتدى به، ورمزاً للمسؤول الشجاع القادر على تنفيذ سياساته، من دون النظر إلى مآلاتها. لكنّ السؤال الأخير هنا: هل عبد المهدي جاد فعلاً في مسعاه، أم أنّها مجرد زوبعة إعلاميّة، أو أسلوب جديد للضغط على الكتل السياسيّة، لتمرير ما تبقى من حكومته الهزيلة، والتي لا تختلف عن سابقاتها؟ ستكشف الأيّام والأفعال والمواقف المقبلة حقيقة إعلان عبد المهدي عن خريطة الفساد الذي يجعل الدولة العراقيّة تتآكل.
مقالات أخرى
16 أكتوبر 2016
25 سبتمبر 2016
04 يناير 2015