أفشل الانزلاق المتواصل لسعر الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية خطة الحكومة بخفض أسعار السيارات الشعبية التي كان يفترض أن ينزل سعرها بنحو 5 آلاف دينار، أي نحو 1600 دولار، بعد خفض الضرائب الموظفة على السيارات، بداية من يناير/كانون الثاني الحالي.
وأقر قانون المالية لعام 2019 (الموازنة) تخفيضا في ضريبتي القيمة المضافة والاستهلاك بنحو 17% على السيارات "الشعبية" الموجهة نحو الطبقات المتوسطة، غير أن تراجع سعر الدينار مقابل اليورو والدولار يحول دون استفادة التونسيين من مفعول القرار الحكومي الجديد.
وحسب البيانات الرسمية، شهدت العملة التونسية تراجعاً لافتاً لقيمتها مقابل العملتين الأميركية والأوروبية، على مدار 9 أعوام، إذ تراجع سعر الدينار أمام الدولار 107%، منذ عام 2011 حتى بداية 2019.
وإزاء الارتفاع المتواصل لأسعار السيارات نتيجة انزلاق سعر صرف العملة المحلية، سعت الحكومة إلى كسر ركود المبيعات عبر خفض الضرائب، في إطار خطّة اجتماعية لمساعدة الطبقة المتوسطة في المحافظة على مكاسب تحققت لها سابقا، ولا سيما في ظل تفاقم الأزمات المعيشية التي تواجه المواطنين.
ومنذ عام 1994، تخص الحكومة متوسطي الدخل ببرنامج يعتمد على توريد نحو 8 آلاف سيارة سنوياً، لا تتجاوز قوة محركها 1200 سي سي، من وكلاء مختلفين، لتمكين هذه الفئات من شراء سيارات بأسعار مناسبة.
وتفرض الحكومة على هذه السيارات تعريفة جمركية منخفضة وتحدد هامش ربح للتجار لا يتجاوز 1000 دينار، في المركبة الواحدة، بأي حال.
غير أن هذا البرنامج تعطل منذ نحو ستة أعوام، بعد أن أبدى الوكلاء عزوفا عن توريد هذا الصنف من السيارات، بسبب محدودية هامش الربح، لتعيد حكومة يوسف الشاهد إحياءه وإقرار إعفاءات ضريبية جديدة لتحفيز المبيعات.
ويقول رئيس غرفة وكلاء بيع السيارات، إبراهيم الدبابي، إن الإعفاءات الضريبية التي أقرها قانون المالية 2019 لن تساهم في خفض أسعار السيارات على عكس ما كان متوقعا. وأضاف الدبابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن العربات المشمولة بخفض الضرائب ستحافظ على أسعار الماضي، مشيرا إلى أن كلفة التوريد زادت نحو 15%، وهي تقريبا ذات نسبة الضرائب المطروحة بمقتضى قانون المالية الجديد.
وأكد الدبابي أنه منذ الإعلان عن قرار خفض ضرائب السيارات الشعبية تراجعت المبيعات بشكل كبير، حيث فضّل العملاء انتظار دخول قانون المالية حيز التنفيذ للانتفاع بالتخفيض، غير أن انزلاق الدينار إلى مستويات قياسية مقابل اليورو والدولار أحبط توقعاتهم ومن ورائها خطة الحكومة التي كانت تسعى إلى استمالة الطبقة الوسطى وترميم قدراتها الشرائية عبر هذا القرار، وفق تعبيره.
ومن جانبه، قال الخبير المالي معز الجودي، لـ"العربي الجديد"، إن خفض أسعار السيارات رغم تخفيف الضرائب أمر شبه مستحيل، مشيرا إلى أن الأمر الإيجابي الوحيد الذي يمكن أن يتحقق عبر هذا الإجراء هو ضمان استقرار أسعار السيارات المشمولة بالخطة الحكومية.
وأضاف أنه "حسابيا" يستحيل الحديث عن تخفيض في أسعار السيارات بنحو 1600 دولار، في ظل انزلاق يومي لسعر الدينار مقابل اليورو بشكل خاص، مؤكدا أن أغلب عمليات توريد السيارات تتم عبر العملة الأوروبية الموحدة، باعتبار أن العلامات الأوروبية تشكل النسبة الأكبر من واردات العربات الموجهة للسوق التونسية.
ويفرض التراجع المتواصل لسعر صرف الدينار التونسي مقابل عملتي اليورو الأوروبي والدولار الأميركي، ضغوطاً إضافية على حركة السوق التي شهدت زيادة كبيرة في أسعار السيارات، ما أدى إلى تراجع الطلب عليها خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الماضي بأكثر من الخمس، وفق بيانات رسمية.
وتظهر أرقام غرفة وكلاء بيع السيارات، أنه تم خلال الفترة من يناير/كانون الثاني عام 2018 حتى نهاية مايو/أيار الماضي تسويق نحو 22383 سيارة، مقابل 28501 سيارة، خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 21.4%، حيث تحتل "رينو" الفرنسية صدارة المبيعات، بعد أن سوقت 1990 سيارة، مقابل 2529 سيارة في الفترة المناظرة من عام 2017.
منذ بداية العام الماضي استشعرت الحكومة تأثير توريد السيارات في الميزان التجاري ورصيد العملة، ما دفعها إلى اتخاذ قرار بتخفيض حصص استيراد السيارات لعام 2018 بنسبة 20%، بالإضافة إلى الزيادات المختلفة في ضرائب الدخل والاستهلاك والرسوم الجمركية والقيمة المضافة بموجب قانون المالية للعام الجاري، ما زاد من أسعار المركبات وفق عاملين في السوق.
وتشهد تونس توريد ما بين 60 و70 ألف سيارة سنوياً من قبل وكلاء البيع، إلى جانب نحو 20 ألف سيارة من جانب السوق الموازية.