الدوري الفرنسي.. منافسة ثلاثية وبطل من ورق

07 مارس 2015
+ الخط -

من تقدم أمام كان بهدفين دون رد، إلى تعادل صدمة باريسية في الدقائق الأخيرة داخل حديقة الأمراء، ثم صاعقة مارسيليا في ملعب الفيلودورم أمام الفريق نفسه، ليتحول الدوري الفرنسي إلى مقبرة للفرق الكبيرة، ويصبح بطولة لا يُنصح بها أبداً لأصحاب القلوب الضعيفة، فلا فائز مستمر ولا خاسر دائم في دوري لن يحسم إلا في المحطات الأخيرة.

وبعد سباق ثنائي طويل بين مارسيليا وباريس، وتصدر الفريق الجنوبي لفترة كبيرة، دخل ليون على الخط ليخطف الصدارة من الأباطرة الكبار، لكنه في النهاية فشل في توسيع الفارق والهروب بعيداً عن الباقين بعد سلسلة تعثرات أخيرة، ليتفق الثلاثي على شيء واحد فقط، وهو عدم القدرة على الحسم.

مارسيليا
"لو كانت كرة القدم تدار بالآليات، لكنت أفضل مدرب في العالم، ولو تحول اللاعبون إلى ماكينات غير بشرية، لفزت بكل البطولات الممكنة وغير الممكنة". هكذا يتحدث اللوكو مارسيلو بيلسا عن نفسه، الأرجنتيني الحالم القادم من روساريو، والذي لم يحقق بطولات عديدة طوال مسيرته الكروية، إلا أنه وضع نفسه في مكانة خاصة ومختلفة داخل أورقة كرة القدم، بسبب تكتيكه الهجومي وأفكاره الكروية الجريئة، وتأثر عدد من المدربين بطريقته في التدريب، وعلى رأسهم بيب جوارديولا، ماوريسيو بوكيتينو، وخورخي سامباولي.

حاول بيلسا فعل شيء مختلف في تجربته مع مارسيليا، ورغم أن الرجل وصل إلى الجنوب الفرنسي من أجل إعادة فارسه إلى الواجهة فقط، إلا أن الكرة صادقته وتصدر الفريق المسابقة الفرنسية لفترة طويلة، لكن منذ العودة من التوقف وبعد نهاية فترة الإجازة الشتوية، ونسق المجموعة في انخفاض مستمر مع سقوط غريب، جعل فريق اللوكو يبتعد عن القمة قليلاً.

الأسباب بعضها تكتيكي يعود إلى المدرب بيلسا، بسبب سياسة الضغط العالي والتدريبات البدنية القوية التي يسلكها، ومع عمق سيئ لفريق مارسيليا ونقص حاد في الأسماء الكبيرة والبدائل المميزة، فإن منحنى اللاعبين يقل كثيراً مع الوقت، بسبب المتطلبات الإضافية التي ينشدها المدير الفني، وكأن شخصاً ما يريد وضع محرك "فورمولا واحد" داخل سيارة عائلية عادية، لذلك كان من المتوقع هبوط مستوى الفريق الجنوبي مع الوقت، والرهان تم وضعه في شهر مارس، ويبدو أن متلازمة بيلسا لا تزال مستمرة.

لكن هناك أسباباً أخرى بعيدة عن المدرب، يأتي في مقدمتها الفراغ الإداري الكبير، المتمثل في قلة الصفقات وفشلها، وبالتالي يعاني فريق مارسيليا كثيراً من ضعف العمود الفقري للكتيبة مع كثرة المباريات، وأبسط مثال على ذلك أثناء بطولة أفريقيا، حينما غاب أيو وبعض الرفاق فظهر سيد الفيلودروم بصورة سيئة. ويبقى التفسير الأخير خاصاً بمدى طموح اللاعبين أنفسهم، فالفريق ابتعد كثيراً عن البطولات خلال السنوات الأخيرة، وفكرة العودة من الباب الكبير في المركز الأول أمر غير مطروح في مخيلة هؤلاء الشبان الصغار، على الأقل حتى هذه اللحظة.

ليون
"أنا لن أسجل أهدافاً أكثر من إبراهيموفيتش، فقط أريد تقليل الفارق معه، وربما في يوم ما أصير مهاجماً عظيماً مثله". قال مهاجم ليون ألكسندر لاكازيت هذا التصريح أول الموسم، ليتصدر ترتيب الهدافين في المسابقة المحلية برصيد 22 هدفاً حتى الآن، وبفارق كبير جداً عن أقرب منافسيه جينياك لاعب مارسيليا، في ظل ابتعاد "أبرا كادبرا" عن المنافسة التهديفية هذا العام، وحال المهاجم الفرنسي الشاب يلخص كثيراً حالة فريقه ليون في الدوري بالموسم الحالي.

لم يفز ليون بالدوري منذ موسم 2007-2008، وابتعد الفريق الأشهر على الإطلاق في الكرة الفرنسية خلال بدايات الألفية عن منصات التتويج، لكنه عاد هذا العام من باب الصدفة إلى الأضواء، وأصبح ينافس بقوة على اللقب في ظل مزاحمة كل من مارسيليا وباريس. لكنه أيضاً لا يملك مقومات الحسم رغم تراجع مستوى منافسيه، بسبب قلة الخبرات التي يعاني منها أفضل نجومه المميزين.

يلعب ليون في الغالب بطريقة 4-3-1-2، بوجود ثلاثي وسط ديناميكي ومتحرك أمامهم صانع لعب أقرب إلى الأسلوب الكلاسيكي القديم، مع ثنائي هجومي متقدم، مهاجم هداف وآخر متأخر بعض الشيء، وتعتبر ثنائية "لاكازيت-نبيل فقير" بمثابة حجر الأساس في كل النجاحات الأخيرة للفريق، بسبب المستوى المميز للنجمين ونجاعتهما الهجومية، سواء على مستوى تسجيل الأهداف أو صناعتها. رقمياً، لاكازيت تعدى حاجز العشرين هدفاً، وصنع فقير سبعة أهداف مع أكثر من 22 فرصة للتسجيل.

ينتمي الثنائي الشاب إلى مواليد حقبة التسعينيات، وبالتالي من الصعب ضمان خطف لقب بصعوبة "ليجا 1" بوجود هذه الأسماء الصغيرة فقط، لذلك يعاني ليون كثيراً في المباريات المعقدة نتيجة نقص عامل الخبرة. تعادل ليون في ثلاث مباريات وانهزم في واحدة وفاز فقط على نانت بشق الأنفس خلال آخر خمس مواجهات، لكن الأمل الكبير في التعامل المحكم للمدرب فورنيي في قادم المواعيد.

باريس سان جيرمان
كرة القدم هي لعبة خاصة بالفرق التي تصل إلى أعظم درجة ممكنة من التناغم، الفرق في الأصل مجموعات، كل مجموعة تجاهد وتصارع حتى تحقق الانسجام الكافي لكي تتحول إلى ما يُسمّى بفريق كروي. وفريق باريس سان جيرمان لم يصل بعد هذا الموسم إلى هذه الدرجة من الانسجام، لذلك تظل كتيبة بلان مجرد مجموعة مهارية فردية، تفوز حينما يكون المزاج العام لائقاً، وتخسر إذا تعقدت الأمور بعض الشيء في الأوقات الحاسمة.

يعتقد الكثيرون أن كرة القدم هي تعبير اللاعبين عن أنفسهم داخل الملعب، الأمر ليس بهذه السهولة أبداً، إنها ليست القضية على الإطلاق لأن اللاعب يعبّر عن نفسه وفق المعايير التي وضعها مديره الفني. والمدرب لوران بلان لم يصنع بعد نظامه التكتيكي الصارم، ولا يزال فريقه بعيداً تماماً عن الوحدة الفنية خلال المواجهات الصعبة سواء في الدوري المحلي أو بطولة دوري أبطال أوروبا.

تمثل "ذات الأذنين" الحلم بعيد المنال للفريق العاصمي، وبسببها أصبح التركيز أقل على الدوري، اللقب الذي حصل عليه الفريق بكل سهولة خلال آخر عامين، لكن هذا العام تراجع الأداء بشكل مبالغ فيه، بسبب ضعف الجماعية وتمحور أداء الفريق على الجانب الفردي، الذي تأثر كثيراً بكثرة إصابات وغيابات النجم الأول للفريق زلاتان ابراهيموفيتش.

لعب أبرا فقط 18 مباراة بالدوري، سجل 11 هدفاً وصنع هدفين، وهذه الأرقام تعتبر سلبية للاعب بحجم وقيمة السويدي، وبالتالي سقط الباريسيون في فخ الفردية السيئة والجماعية النادرة، ليفسح الطريق أمام مارسيليا وليون لمنافسته هذا العام. باريس هو الأقرب لحسم البطولة نتيجة تفوقه في معظم المقارنات، ومن الوارد الوصول إلى هذه الصيغة إن خرج الفريق مبكراً من الأبطال، لأن التركيز كله سيكون على الدوري، ووقتها لكل حادث حديث.

المساهمون