الدواعش التي فينا وبيننا
ربما يظن بعضهم أن المشكلة الأساسية التي تواجه العالم، الآن، وتحاول الولايات المتحدة الأميريكية وحلفاؤها من الشرق والغرب مواجهتها، وشن الحرب عليها، هي ظاهرة الدولة الإسلامية المسماة "داعش"، لكن الحقيقة غير ذلك، فمع استنكاري ورفضي لما تمارسه داعش، على المستوى الفقهي والواقع، والفهم المعوج لطبيعة الإسلام والمرحلة التي تعيشها الأمة، إلا أن "داعش" ليست المشكلة، هي باختصار الوسيلة الجديدة، وحصان طراودة التي تشوه صورة الإسلام في حقيقته ورسمه وفهمه ومعناه، حتى تكون صورة مُعبرة عن طبيعة الإسلام وحضارته، كما يريدُها أعداء الحضارة الإسلامية، وتساعد على أن يفقد الشباب الأمل، من جانب آخر، في التغيير بالطرق الديمقراطية، بل يصل الأمر ببعضهم إلى أن يكفر بالعملية السلمية برمتها، نتيجة التقدم الوهمي الذي حققته هذه الحركة.
وليست المشكلة التي نواجهها في سعي الغرب، برمته، إلى تحقيق مصالحه، فهذا حقهم لخدمة شعوبهم، بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، على الرغم من تناقضهم، في أحيان كثيرة، مع مبادئهم التي يدّعون أنهم يمثلونها، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهم، بطبيعة الحال والمقال والواقع، لا يريدون للشعوب العربية أن تتقدم، أو أن تنال حريتها، أو تنعم بكرامتها، بل يؤيدون الأنظمة الديكتاتورية المستبدة، لتمرير أجندتهم في السيطرة على المنطقة، ومن جانب آخر، خدمة إسرائيل، وتثبيت أركانها في المنطقة.
أظن، بل أعتقد أن المشكلة الأساس فينا نحن، بكل مكوناتنا الدينية والسياسية والاجتماعية، بل وفي طريقة تفكيرنا، فالمنطلقات التي ننطلق منها، في غالب الأحيان، ليست صحيحة، وإن كانت صحيحة، نختلف في طريقة البدء والمعالجة، ناهيك عن اضطراب الأولويات، وطريقة الفهم والوعي بطبيعة المرحلة، بل وصل الأمر بكثيرين منّا إلى عدم معرفة العدو من الصديق، بل تنكبنا في معرفة ما نريد، هل نريد ديمقراطية تعم الشعوب، ويبتعد العسكر عن الحياة السياسية، أم أن الجنرالات هم الأولى بقيادة الدول، لما لهم من قوة وحسم؟ خصوصاً أن التجربة الديمقراطية في مصر، مثلاً، تنكّبت الطريق، ولم تكن في المستوى المطلوب، سواء في ظن القريبين أو البعيدين، وهل الدين يجب أن يسيطر ويهيمن على مجريات الحياة، على أساس أنه جاء لهداية العالمين ورشادهم، أم ينحصر في التكايا والمساجد والكنائس والمعابد فقط، وتربية الناس على الأخلاق الحميدة؟
البوصلة تتجه في غير وجهتها، والربان يتنكّب الطريق، وفي غالب الأحيان، ننشغل بالصغائر على حساب المهمات الكُبرى، ننشغل ونغرق في الفرعيات وننسى الأصول والبدهيات، ما يكلف الأمة كلها الكثير، على المستويين، البشري والمادي.
والسؤال الجوهري، هل نحن لا نستحق أن نكون أحراراً في قرارنا ومقدراتنا، أم أنه كُتب علينا أن ننجّر وراء الغرب في كل شيء، بداية من العادات والملبس والمأكل، إلى طريقة التفكير والتصنيع، وننسى حضارتنا وتقاليدنا؟ ولست ممن يرى عدم الأخذ بخيرات الآخرين، أو الانتفاع بهم، لكن المشكلة التي أود التركيز عليها أننا يجب أن نكون نحن لا غيرنا، ولنسأل أنفسنا ماذا نريد، وإلى أين نسير، وبأي طريقة نسير، وبأي فكر نقتنع؟
فالولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، تم وضع دستورها في 17 من سبتمبر/أيلول من عام 1787، وبمقتضاه تم الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بعد حرب الاستقلال، وتمكن الأميركيون، على الرغم من تنوع مصادرهم، واختلاف أجناسهم من وضع أسس دولة عظمى، قدّمت، في تلك الفترة، للعالم مثالاً للحرية والديمقراطية، بصرف النظر عن نوازع الهيمنة التي تسيطر على كثيرين من قادتها. المهم، أنه في فترة وجيزة، لم نعد نرى إلا دولة عظمى، هي أميركا، تحاول، بشكل أو بآخر، أن تسيطر وتهيمن على معظم مناطق التأثير في العالم.
أما نحن، فعلى الرغم من أننا أصحاب حضارة، ولنا تاريخ وجغرافيا، ولم نُجمع من شتات، بل لنا أصول وجذور ثابتة وراسخة في أعماق التاريخ، لم نصل إلى ما نصبو إليه. إذن، ما المشكلة؟
المشكلة الأساس تنحصر في طريقة فهمنا ومنطلقاتنا، وعدم معرفة الأهداف الحقيقة التي يجب أن نعمل عليها دولاً وأفراداً، وعدم معرفة طبيعة الصراع في هذه المرحلة، وما هي أولوياتنا. فلو استطعنا أن نجيب عن تلك الأسئلة بعمق، وأحسنّا استخدام كل الوسائل والإمكانات المتاحة، أظن أنه يكون هناك أمل في التغيير، بعد توفيق الله.